رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

السبت 4 مايو 2024 8:40 ص توقيت القاهرة

أمير شفيق حسانين يكتب : مُلحِن مولانا !!

بقلم: أمير شفيق حسانين

كنت في عزاء ببلدة "مصطاي" المجاورة لقريتي "الرمالي" بمركز قويسنا بالمنوفية ، وكان مقرئ المأتم، هو الإذاعي محمود الشحات أنور، ووجدت نفسي – كعادتي -  متشوقاً ولعاً للاستماع لصاحب الصوت الشجي .. وعندما دخلت دوار "الخواطرية"، حيث مكان العزاء، وجدت ساحة الدوار تكتظ عن آخرها بالمعزين والعاشقين لصاحب الصوت الجميل.

 كان الحضور ما بين جالس وواقف ، المكان مزدحم للغاية.. الجموع غفيرة ، العيون تترقب ..الألسنه تعتزل لهو الحديث إحتراماً للقرآن .. الآذان تتشوق لحُسن الاستماع ، والقلوب تسترجي قرآناً يشفي عِلتها، والأفئدة تبغي إنشراحاً بحلاوة النور المبين .. جو روحاني يفيض بالنفحات النورانية ، يحيط بمجلس الذكر الحكيم ..

كان محبي الشيخ في حالة سعي لأن يكونوا علي مقربة من منصته ، خاصة أن "مُصطاي"، يشتهرأهلها بحبهم الجم لقرُاء القرآن الكريم ، فتجد شيوخها وشبابها، بسطاءها ووجهاءها يحرصون على حضور المآتم لتشجيع مقرئيها ، والدعاء لهم بالفتح لهم والرضى عليهم، وتجد حال المستمعين ما بين ذاكر ومكبِر وخاشع وباكي .. ومُريد.

دقائق وبدأ مقرئ يتلو من آيات سورة "الشعراء"، ثم وقع بصري على  شخص ما، متوسط المظهر والثياب، جذب نظرات الحضور تجاهه ، عندما رأوه جالساً بالقرب من الشيخ ، ويستخدم إحدى يديه ليصنع إشارات كالموج أثناء تلاوة القرآن، وكأنه يُلحن ما يرتل القارئ من آيات، أو يرسم علي الهواء ما يؤده شيخه من مقامات قرآنية ، حتى علمت أن صاحب السلوك المِعوَج، هو مذيع مقرئ العزاء ، وقد جاء بصحبته !!

 كان صاحب الشيخ دائم التبسُم ، دائم الحركة ، دائم المزاح .. غير مستقر في مكانه ، يتجه نحو الشيخ من حين لآخر، ليُقبل رأسه ، لا يتوقف عن توجيه عبارات مُضحكة للقارئ بحجة تشجيعه على التلاوة بطريقة أروع!! حركات الرجل تشتت أذهان المستمعين.. والرجل يملؤه الوهم، أنه بذلك يصنع شعبية وجمهوراً حاشداً في حب القارئ، بما يفعله من سلوك ينافي سلوك أي إنسان عاقل رزين.. رغم أن الشيخ محمود الشحات ليس في حاجة لمن يزكي موهبته القرائية، فهو مقرئ متميز وابن مقرئ فذ .. فوالده هو شيخ القراء الراحل الشحات محمد أنور، الذي كان قارئاً بمسجد الرفاعي بالقاهرة، فهو ورث حنجرته الذهبية عن والده الكريم، ثم أن أخاه هو القارئ عذب الصوت الشيخ أنور، وجميعهم  قد تربعوا على عرش التلاوة بحُسن أصواتهم، وكأنهم قد أُعطوا من مزامير آل داوود.

 كان الرجل المُلحن بجهالة ، يقوم ويجلس، منشغلا بالتقاط الصور للمهرولين نحو تقبيل الشيخ كلما برع في تلاوته، وبينما هو يقوم  من مقامه لتقبيل جبين شيخه ، إذا به يصطدم بشيء اعترض ساقيه، فيقع على الأرض أمام منصة الشيخ، فيدخل المعزون في حالة ضحك وقهقهة عالية ، غير معتبرين من آيات سورة الأعراف "وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون" .

استاءت نفسي غضباً من المزاح الجماعي المتبادل أثناء التلاوة -بين المقرئ والمعزين ومُعلِق أنوار العزاء بحجة الدعابة والضحك.. وكنت حزيناً آسفاً من ضحكات ترتفع، وبدع تُتبع، وأصوات لا تنقطع، وضجيج يؤذي سمع كل مستمع .. والقرآنُ يُتلي بلا تقوي بلا ورع !!

وكأن الشيخ وصاحبه ، وصانعو الضحك والضجيج من حولهم ، لا يعلمون شيئاً عن الآية التي أبكت رسول الله ، فقد روي ابن مسعود رضي الله عنه: قال رسول الله ، صلى الله عليه، وسلم " اقرأ عليَ: فقلت يا رسول الله "أقرأ عليك وعليك أُنزل؟"  قال نعم إني أحب أن أسمعه من غيري. فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية " فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً " فقال حسبك الآن فإذا عيناه تذرفان" رواه البخاري ومسلم.

فمن يتحمل أن يقسو قلبه فلا يلين، أو تجمد عيناه فلا تدمع، أو يطمئن بدنه فلا يرتعد ، أو يأمن جلده فلا يقشعر خشيةً وهيبة عند الإستماع إلي ما هو شفاء لما في الصدور ؟!!.. وقد ثبت عن الرسول الكريم في صحيح الجامع، أنه قال: "شيبتني هود ، والواقعة ، والمرسلات ، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت".

أما ما فعله صاحب الشيخ ، فهو لهو وجهل ، بقيمة الفرقان العظيم .. وأما الشيخ فعليه اللوم والعتاب شديدين بلا عذر ، لأنه لم ينصح صاحبه بخير .. فما نبهه أن يعدل أو يعتدل في سلوكه التي ألهي وأضحك الضاحكون ، وهم تُتلي عليهم آيات مُحكمات تستوجب البكاء الشديد ممن يخاف وعيد .. فلربما أنه أنستهم شياطينهم آيات سورة الحشر "لَوْ أَنْزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ" .. أي لا ضحك ولا مزاح ولا جاهلية إذا ما قُرئت كلمات الله.. وإنما خشوع وخشية واستماع وبكاء وسجود وتفكُر.. عسى ربنا أن يسع برحمته وبركاته أهل الذكر وخاصته ومستمعيه ويكونوا مِن فزعٍ يومئذٍ آمنون.

 

[email protected]

 

 

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.