بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله أنشأ الكون من عدم وعلى العرش إستوى، أرسل الرسل وأنزل الكتب تبيانا لطريق النجاة والهدى، أحمده جل شأنه وأشكره على نعم لا حصر لها ولا منتهى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يرتجى، ولا ند له يبتغى، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمدا عبد الله ورسوله الحبيب المصطفى والنبي المجتبى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على النهج واقتفى أما بعد إن المتأمل في احوال الناس عموما يجد أن المسلمون في الشرق والغرب يتجهون في الصلوات الخمس اليومية وفي فريضة الحج إلى بيت الله الحرام، رغم إختلاف الألسنة والجنسيات والألوان، يجمعهم الدين الإسلامي الحنيف، وهذا ليعلم المسلم أنه لبنة في بناء كبير واحد مرصوص، وفي الحديث الشريف عن رسول الله صلي الله عليه وسلم "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا " متفق عليه.
فالمسلمون يتعلمون من وحدة القبلة وحدة الأمة في الهدف والغاية، وأن الوحدة والإتحاد ضرورة في كل شؤون حياتهم الدينية والدنيوية، وكما ان فيها دليل على جواز القطع بخبر الواحد، وذلك أن إستقبال بيت المقدس كان مقطوعا به من الشريعة عندهم، ثم إن أهل قباء لما أتاهم الآتي وأخبرهم أن القبلة قد حوّلت إلى المسجد الحرام، قبلوا قوله واستداروا نحو الكعبة، وقبول خبر الواحد مجمع عليه من السلف، معلوم بالتواتر مِن عادة النبي صلى الله عليه وسلم في توجيهه ولاته ورسله آحادا للآفاق، ليعلموا الناس دينهم فيبلغوهم سنة رسولهم صلى الله عليه وسلم من الأوامر والنواهي، وكما أنها دليل على أن الناسخ لا يلزم حكمه إلا بعد العلم به، وإن تقدّم نزوله وإبلاغه لأنهم لم يؤمروا بإعادة العصر والمغرب والعشاء، وأن الله سبحانه وتعالى.
لا ينسخ حكما إلا إلى ما هو أفضل منه أو مثله، كما قال تبارك وتعالى في سورة البقرة " ما ننسخ من آية أو ننسها نأتي بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله علي كل شيء قدير " كما أن إرتباط مناسك الحج بالبيت الحرام وبالكعبة المشرفة، فهي ناسبه أن يكون التوجه بالصلاة إلى البيت الذي تكون فيه وحوله المناسك، وقد أظهر تحويل القبلة حرص المؤمن على أخيه وحب الخير له، وذلك من خلال تساؤل المؤمنين عن مصير عبادة إخوانهم الذين ماتوا وقد صلوا نحو بيت المقدس، فأخبر الله عز وجل أن صلاتهم مقبولة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال "لما وجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة، قالوا يا رسول الله، كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله تعالى " وما كان الله ليضيع إيمانكم " يعني صلاتكم، وكما أن من دروس تحويل القبلة.
هو مخالفة أهل الكتاب، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يتوجه في صلاته إلى الكعبة، وكان حريصا على أن يكون متميزا عن أهل الديانات السابقة، الذين حرّفوا وبدّلوا وغيّروا، ولهذا كان ينهى عن تقليدهم والتشبه بهم، بل يأمر بمخالفتهم، ويحذر من الوقوع فيما وقعوا فيه من الزلل والإنحراف، ومن ثم كان من مقتضى هذا الحرص أن يخالفهم في قبلتهم، ويتوجه في صلاته بشكل دائم إلى قبلة أبي الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهو أول بيت وضع للناس، وهذا كان ما يتمناه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء تحويل القبلة يؤسس لمبدأ التمايز، أي تمايز الأمة المسلمة عن غيرها في كل شيء، في الرسالة والتشريع والمنهج والأخلاق والسلوك، وقبل كل ذلك التمايز في الإعتقاد، وكما أن من دروس تحويل القبلة.
هو معرفة مكانة النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم ومنزلته عند ربه سبحانه وتعالى، حيث قال تعالى " قد نري تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره " فقد كان النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم يقلب وجهه في السماء، يحب أن يصرفه الله عز وجل إلى الكعبة، حتى صرفه الله تعالي إليه.
إضافة تعليق جديد