رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الأحد 5 مايو 2024 8:23 ص توقيت القاهرة

"الإخوان" في ملفات "عمر سليمان" .. الجزء الثاني

 

بقلم / مالك عادل
كانت هناك نظرية جرى تنميتها داخل الإدارة الأمريكية أو الإسرائيلية ، تقول إن الثورة على مبارك قادمة لا محالة فى النهاية، ولم تكن هناك خلافات فى الرؤى بينهما، بينما كانت الخلافات فى النهاية تنبع من المدرسة التابع لها كل جهاز مخابرات فى كل من البلدين الذي كان يتعامل مع مصر بصفة خاصة والشرق الأوسط بصفة عامة، وفي هذا الشأن كانت المدرسة الأمريكية مترددة، لأنه تم إثبات أنها تضع فرس رهانها فى المكان الخطأ،
ولكن هذه المرة مثل لها جهاز الموساد الإسرائيلي صك الضمان، ولكن مالم يكن تعلمه الأجهزة فى كلا البلدين أن عمر سليمان كان له جولات وجولات، وكان يعلم جيدا أن ما يميز الموساد الإسرائيلي هو التخصص، وكان سليمان يدرك جيدا على الرغم من اهتمام الموساد الإسرائيلى بأجزاء أخرى فى العالم، إلا أن الموساد كان يضع فى اعتباره أن الدولة المحورية بالنسبة له ولحدوده هى الدولة المصرية.
.
الإدارة الأمريكية كان لها توجه تغذيه فى النهاية أفكار منشأها جهاز "السي آي إيه"، لكن هذه المرة لم يكن الأمريكان يريدون إيران أخرى لا يعرفونها، وهنا كان على الجميع أن يكشف أوراقه، ويتحدث عن رجاله بقدر من الحذر نعم، لكن كان من الضرورى أن تصبح الأوراق مكشوفة، والرجال كان لابد أن يصبحوا معروفين للعقول التى تدير الجهازين.
ونتيجة لعدد من الجولات والحوارات بين الجهازين برعاية ومتابعة من إدارة البلدين، انتهى الأمر بالاتفاق على إطلاق يد الموساد فى جزء كبير من الأمر مع استمرار التنسيق، خاصة أن إسرائيل قد أوضحت أنها بالفعل تحركت على الساحة المصرية، وباتت تملك الكثير من الأدوات، وكان اسم السر فى تلك الأدوات اسم سنسمعه كثيرا بعد ذلك، وهو "ماك شناير" أو "الحاخام مارك شناير".
ومارك شناير، كان هو الرجل الذى جعل إسرائيل وقبل السنة الحاسمة فى مصر علاقة مباشرة مع جماعة الإخوان المسلمين، وكانت المفاجأة أن مارك شناير استطاع التجهيز والدعوة والإشراف على ثمانى اجتماعات مع الإخوان سبقت عام 2011 بكل مافيه من تداعيات تحت ستار التجهيز لمؤتمر اليهودى المسلم.
.
الاجتماعات التى نتحدث عنها كان مبارك على علم كامل بها عبرمدير مخابراته الجنرال عمر سليمان، لكنه تصرف فى الأمر وفقا لمبدأ أنه طالما علمنا بها فأنها لاتعنى شيئا، خاصة وسط تأكيدات غريبة تأتيه عبر وزير داخليته حبيب العادلى عن سيطرته التامة على قيادات الإخوان، وحينها كان ينظر عمر سليمان أن العادلي هو وزير الداخلية الخطأ فى المكان والتوقيت الخطأ، فأن قناعة غريبة قد تولدت عند مبارك بأن العادلى استطاع حماية النظام على مدار سنوات، بعد موجة الإرهاب العاتية، وبالتالي فأنه أحيانا ما يتصرف بثقة أكبر تجاه جهاز الشرطة المصرية بأكثر مما يتعامل مع جهاز مخابراته، وبقى مبارك حائرا بين الاثنين إلى أن سقط فى النهاية.
.
وبعد ذلك عقد اجتماع بين ممثلين للإدارة الأمريكية وعنصر واحد من الموساد الإسرائيلى والإخوان فى مصر أثناء أحداث الثورة المصرية جرى فيه الاتفاق على الخطوط العريضة، والتى حددت بضمان أمن إسرائيل وضمان شكل من أشكال تصدير الغاز مع ضمان أمريكى بالتأثيرعلى دول الخليج لمنح تسهيلات مالية كبيرة وتعهد أمريكي بإسقاط جزء كبير من الديون المصرية لأمريكا وأوروبا.
.
وكانت هناك شروط أمريكية إسرائيلية على الإخوان، وهى امتناع الإخوان عن ترشيح أحد للانتخابات الرئاسية المصرية أو الظهور كسلطة حاكمة لمصر خلال الأعوام الصعبة التى تلت الثورة مباشرة، وهو ما ينأى بالجماعة عن مواجهة صعوبات جمة يتوقع الامريكان والموساد الإسرائيلى أنها لن تترك الرئيس القادم يكمل فترة ولايته.
.
وبالتالى تكون يد الإخوان نظيفة تماما حين يصعدون إلى منصة الحكم ووقتها فقط تبدأ المساعدات الملموسة فى الظهور ليجرى الربط بين صعود الإخوان للحكم وبين الانتعاش الاقتصادي، وهو ما سيترتب عليه استقرار الأوضاع الأمنية بشكل ملحوظ ووقتها يصبح الإخوان موجودين بإرادة شعبية وقبول عام يصعب على التيارات الأخرى صاحبة التوجهات المعادية فعليا للسياسة الامريكية، والتى تجد أن تحقيق قدرا من التواصل مع باقى ثورات المنطقة قادر على خنق المشروع الإسرائيلي.
ووفقا لهذا الاتفاق تمت الإطاحة بشخصيات أخرى حتى من داخل الإخوان كان منهم عبد المنعم أبوالفتوح الذى خرج من الإخوان فى مشهد غير مفهوم للبعض وفسره البعض تفسيرا تآمريا بينما الحقائق كات كما تقدم، ولكن الحقيقة أن أبو الفتوح لم يكن من داخل الدائرة الضيقة التي عقدت الاتفاق السابق إبرامه.
.
ولكن الأيام كشفت كعادتها عن عدم التزام الإخوان بالوعود، وكان ذلك بعد أن بدأت تسريبات تتحدث عن أن الجيش يدفع بمرشح موال له وهو ما استتبع فى النهاية عقد اجتماع طارىء لمكتب الإرشاد متابعة الأمر فأن تأكد لديهم أن هناك نية للأمريكان بأن يسمحوا بوصول أحد المحسوبين على الجيش للحكم فأنهم سيتصرفون بطريقتهم.
.
وطريقتهم هنا المقصود بها إثارة المزيد من الفوضى الحركة التى تهدد المنطقة بالفوضى، وهو ما يخشاه الأمريكان بالأساس، وليس أحد آخر فالأمريكان كانوا يريدون لمصر أن تستقر، خاصة قبل أن ينهى أوباما فترة رئاسته الأولى.
.
ومع ظهور وثيقة على السلمى، أصيب الإخوان بصدمة جعلتهم يتصورون الأمر بأنه اتفاق مواز تم بين الأمريكان والجيش، ولكن فى النهاية قرر الجنرال عمر سليمان بتفجير الأمر على طريقته.
.
لم يكن ترشح الفريق أحمد شفيق مزعجا للإخوان كما يظن البعض ،فداخل مكتب الإرشاد نفسه تم تداول الأمر بحضور كامل أعضائه النافذين، وكان الرأي الذي توصلوا إليه أن شفيق لن يكون أمامه سوى التعاون مع الإخوان لو قدر له أن يفوز. والغريب فى الأمر هنا أن هناك من ذهب إلى أن فوز شفيق سيكون أكثر ضررا من فوز حمدين صباحى على سبيل المثال، لكن كلمة الحسم جاءت من خيرت الشاطر الذى حدد موقف مكتب الإرشاد من الأمر، عندما قرر أن الاتفاق السابق إبرامه مع أمريكا وإسرائيل لن يتم الالتزام به، وأن على الجماعة أن تطرح مرشحها، مؤكدا أنه بعد فوز مرشح الإخوان لن يكون أمام أمريكا أو إسرائيل سوى مساعدة الرئيس القادم من منطق الأمر الواقع.
.
ولكن حملت الأيام بالنسبة للجماعة كثير من المتغيرات، خاصة عندما أعلن عمر سليمان ترشحه للرئاسة، وكان ذلك فوق احتمال مكتب الإرشاد الذى أدرك أن كل العلاقات التى يمكن أن يعولوا عليها مع أمريكا لن تكون كافية لمواجهة ما يملكه عمر سليمان من أوراق ضغط، وعندما ترشح عمر سليمان كان يرى أنه قد لايصبح رئيس مصر القادم، ولكن ما كان يدركه أنه سيفسد الاتفاق الذى تم بين الإخوان وأمريكا وإسرائيل.
.
وعند هذه المرحلة لم يجد خيرت الشاطر سوى أنه لابد أن يعلن عن ترشحه للرئاسة، وهو ما كان يريده من البداية وبعد اجتماع عاصف داخل مكتب الإرشاد انتصرت وجهة نظر خيرت الشاطر، واتجه الإخوان للإعلان عن ترشيح الشاطر للرئاسة، تاركين الإدارة الإسرائيلية غاضبة من مخالفة الاتفاق ومندهشة فى الوقت نفسه من تجاهل الإخوان للتحذيرات الإسرائيلية المتعددة من مغبة تولى الإخوان للسلطة فى ذلك الوقت، لكن الإخوان ارتكنوا إلى تأييد جناح فى الإدارة الأمريكية لما أعلنته الجماعة، وتجاهلوا التحذيرات الإسرائيلية، معتمدين على قدرة ووعود الإدارة الأمريكية بالمساعدة على تسهيل مهمتهم فى حكم مصر من خلال مساعدات مالية بعضها من دول الخليج وبعضها من المصارف الدولية.
.
أما بالنسبة لإسرائيل كان الأمر يعنى فشل السيناريو الموضوع، كانوا يدركون أن الإخوان قد يستطيعون وضع الشاطر على قمة الحكم فى مصر فى ظل شارع رافض لوجود رجل من نظام مبارك، إضافة لحالة السذاجة التى أظهرتها المعارضة المصرية، أما بالنسبة للأمريكان فكان الأمر لايحتمل الجدل أو التفسير أو التسامح، وكان أكثرما يزعج الأمريكان أن خيرت الشاطر ليس مرغوبا به فى الرئاسة رغم زياراته السابقة إلى الولايات المتحدة الأمريكية لكى يلفت النظر إليه.
.
وقامت الإدارة الأمريكية بتوجيه إنذارا شديد اللهجة للإخوان من خلال السفيرة الأمريكية التى زارت المرشد العام محمد بديع وأخبرته أن خيرت الشاطر لن يصبح رئيسا لمصر، وأنه لن يصل للرئاسة حتى لو كانت هذه إرادة الإخوان.
.
ومن جانبه لم يكن المرشد يملك الأمر برمته، فقال إنه سيتفاوض مع مكتب الإرشاد في الأمر، وأنه يثق أن الجماعة لن تفرط فى صداقة الأمريكان، وأنهم بالتأكيد سيطرحون اسما بديلا يلتفون حوله، وقام بطرح اسم محمد سعد الكتاتنى، رئيس مجلس الشعب السابق، ثم نهضت السفيرة الأمريكية، وقالت بصوت خافت أن أمر عدم ترشح الشاطر للرئاسة حسم بالفعل وما تطرحونه من أسماء لن تكون مناسبة.

إلى اللقاء مع الجزء الثالث

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.