رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الثلاثاء 7 مايو 2024 6:32 م توقيت القاهرة

الخلافة» ونظرية الحكم في الإسلام

كتب/ دكتور

حسين علي

أستاذ المنطق وفلسفة العلوم بآداب عين شمس

اعتدنا فيما نكتبه عن عصور الخلافة، على ألسنة فقهاء ودعاة، وفي كتب التربية والتعليم أن نتحدث عن ازدهار الخلافة الإسلامية (الأموية والعباسية والفاطمية)، وفتوحات هذه الخلافات، وثراء أغنيائها، وحركة تجارتها الداخلية والخارجية، والتطور العلمي النظري والعملي، لكننا تجاهلنا مثالب تلك النظم القائمة على مبدأ الخلافة، وصور قهرها للشعوب، ومحن الفقهاء والعلماء والكتَّاب والوزراء في ظل خلافات القهر، وسلبها حق تلك الشعوب في تقرير مصيرها.

​إن التصدي لعرض موضوع الخلافة الإسلامية عرضًا صحيحًا يمثل ضرورة لابد منها لتصحيح التاريخ الإسلامي، وعرض حقيقته دون زيف أو زور. وما دامت الخلافة الإسلامية هى محور التاريخ الإسلامي ومناط فكره، فإن أي حديث باطل عنها؛ لابد أن يؤدي إلى تزييف التاريخ. وتكمن أهمية الحديث عن «الخلافة الإسلامية» في أن مثل هذا الحديث، يُعَد مدخلاً صحيحًا لفهم معظم جوانب الفكر الإسلامي. إن موضوع الخلافة الإسلامية ليس بالأمر الهين، فالموضوع – رغم أهميته – يختلط بكثير من الأوهام، ومن يسعى إلى تخليصه من الأوهام يقع في محاذير كثيرة ومخاطر جمة، هى محاذير مواجهة الواقع ومجابهة الحقيقة، بل ومخاطر إيقاظ النوَّام، وتنبيه السادرين في الأحلام. فالخائض في الخلافة الإسلامية أشبه ما يكون بمن يسير في حقل ألغام، إما أن ينجو بالحق والحقيقة، ويتصيد الألغام واحدًا بعد الآخر فيفجرها جميعًا بعيدًا عنه وبمنأى منه، وإما أن يصطدم بلُغم ينفجر فيه.

إن موضوع الخلافة الإسلامية ينبغي أن يدفعنا دفعًا إلى إعادة قراءة التاريخ بنظرة ناقدة فاحصة، بل يجعل الحاجة ملحة – قبل هذا وبعده – إلى إعادة كتابة التاريخ. وأبادر فأقول بأنني لست بمؤرخ – هذا شرف لا أدعيه – فأنا لا أزعم إنني أقدم تاريخ الخلافة الإسلامية كله، في هذه السطور التي أتمنى أن تكون بدايةً لسلسلة من المقالات، ولا أدعي أنني أعرض وجهات النظر جميعًا، وإنما سوف أحرص على تناول أصول الخلافة وطبيعتها بغية التوصل إلى وجهة نظر أتمنى أن تكون صحيحة ومنصفة بقدر الطاقة، ومثل هذا العمل يُصنَّف في باب فلسفة التاريخ أكثر مما يصنف في باب التاريخ ذاته.

​الخلافة عند المسلمين ترادف الإمامة، والإمامة عبارة عن خلافة شخص من الأشخاص للرسول عليه الصلاة والسلام، فهى تعني رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا نيابةً عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأُطْلِقَ لفظ «الخليفة» على من يقوم بعبء الخلافة؛ وهو «خليفة» و«إمام»، فأما تسميته إمامًا فتشبيهًا بإمام الصلاة في إتباعه والاقتداء به، وأما تسميته «خليفة» فلكونه يخلف النبي في أمته، فيقال «خليفة» بإطلاق، و«خليفة رسول الله». وقد حدث اختلاف فيما يتعلق بتسميته «خليفة الله»؛ إذ نهى أبو بكر عن هذا اللقب حين دعاه به بعض المسلمين، وقال: «لست خليفة الله، لكني خليفة رسول الله، لأن الاستخلاف حق في الغائب، أما الحاضر فلا».

​وفي بداية عهد عمر ظهرت مشكلة لقب الحاكم مرة أخرى؛ فبم ينادونه؟ وقد استقر الأمر على أن يلقب بـ «أمير المؤمنين».

وبذلك كان عمر أول من تلقب بهذا اللقب.

​توفى النبي صلى الله عليه وسلم دون أن يحدد من يخلفه، فثار الخلاف بين المسلمين على منصب الحاكم قبل أن يوارى الثرى جثمانه الطاهر، إذ اجتمع المهاجرون والأنصار في سقيفة بني ساعدة؛ ليختاروا خليفة، فرشح الأنصار من بينهم سيد الخزرج «سعد بن عبادة». وأسرع أبو بكر وعمر ومجموعة من المهاجرين إلى السقيفة خشية ألا ينظر الأنصار في الأمور إلا من جانب واحد هو جانبهم. ودار نقاش طويل انتهى بأن حسم عمر بن الخطاب النقاش بحجج قوية، منها أن رسول الله أمر أبا بكر أن يؤم الناس خلال فترة مرضه عليه الصلاة والسلام، وإنه «ثاني اثنين إذ هما في الغار»، ثم تساءل عمر في براعة: «من منكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر؟»، فقال الأنصار: «نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر»، فقال عمر: ابسط يدك يا أبا بكر نبايعك. فبسط يده فبايعه، ثم بايعه المهاجرون والأنصار في السقيفة فيما يسمى بالبيعة الأولى أو البيعة الخاصة أو الصغرى.

​ثم وقف أبو بكر في اليوم التالي – فيما يسمى البيعة العامة – خطيبًا يلقي على الناس بيانًا يحدد فيه برنامجه السياسي:

«يا أيها الناس، إني قد وُلِّيت عليكم، ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أزيح عنه علته إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله».

​وعندما شعر أبو بكر بقرب وفاته دعا الناس إلى اختيار حاكم جديد، يرتضون حكمه ونزاهته دون أن يَفرض عليهم أحدًا.

​ويُلاحظ في اختيار عمر بن الخطاب أمران:

الأول: أن أبا بكر علّق خلافة عمر على رضا الناس.

الثاني: أن أبا بكر لم يفرض أحدًا من أبنائه أو أقاربه.

وعندما تولى عمر الخلافة حدد سياسته في هذه العبارة الجامعة: «إن من رأى منكم فيّ اعوجاجًا، فليقومه. ما أنا إلا أحدكم، منزلتي منكم كمنزلة ولي اليتيم منه ومن ماله».

إلى هنا والأمور كانت تسير على خير ما يرام، وأكاد أسمع القارئ الكريم يقول: «هذه معلومات معروفة لنا جيدًا كانت تتردد على مسامعنا منذ نعومة أظافرنا وحتى الآن!!».

​وهذا الاعتراض صحيح تمامًا، فمنذ عشرات السنين كان الوعَّاظ والدعاة يرددون من فوق منابر المساجد هذه الروايات – التي لا نشك في صحتها – وسواء أكان الذي يعتلي المنبر حاصلاً على مجرد مؤهل متوسط أم حاصلاً على أعلى الدرجات العلمية؛ فجميعهم يرددون الروايات ذاتها دون فحص لأسس الحكم الإسلامي الذي امتد عشرات القرون بعد عهد الخلفاء الراشدين (أبو بكر وعمر و عثمان وعلي بن أبي طالب رضى الله عنهم جميعًا)، وكيف أن الأمر تحول من الخلافة إلى الملكية المستبدة بداية من عهد معاوية بن أبي سفيان الذي استولى على حكم المسلمين عنوة، وأعلن صراحةً ملكية تورث لابنه يزيد من بعده. واستقر الأمويون على النظرية السياسية التي حكموا على أساسها، ودعموا بها ملكهم الاستبدادي؛ وهى أن الله اختارهم للخلافة وأتاهم الملك، وأنهم يحكمون بإرادته، ويتصرفون بمشيئته. وأحاطوا خلافتهم بهالة من القداسة، وأسبغوا على أنفسهم كثيرًا من الألقاب الدينية، فقد كان معاوية في نظر أنصاره «خليفة الله على الأرض»، وكان ابنه يزيد «إمام المسلمين». وكان عبد الملك بن مروان «أمين الله»، و«إمام الإسلام».

ولكي يؤكد الأمويون هذه النظرية أشاعوا «مذهب الجبر»، فالسلطة هبة من الله يمنحها لمن يشاء من عباده، وليس للناس فيها رأي ولا مشورة، والخليفة هو «خليفة الله» (ابتداءً من عبد الملك بن مروان)، وعلى الناس الطاعة والإذعان.

 

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.