رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

السبت 20 أبريل 2024 11:41 ص توقيت القاهرة

الدكرورى يتحدث عن مولد سيد الأنام

بقلم / محمــــد الدكــــرورى
علينا في هذه الأيام الإكثار من ذكرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والإكثار من الصلاة والسلام عليه، ذلك لأن الله قدر ميلاده في هذا الشهر ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراطه المستقيم، فشع النور وولد الأمين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وكان نزوله إلى هذه الدنيا بركة من الله ورحمة منه تبارك وتعالى بعباده؛ وذلك لأن الناس كانوا يعيشون في ظلمات من الجهل بعضها فوق بعض، فكانوا يَئِدُونَ البنات، ويأكل القوي منهم الضعيف، ويغير الجار على جاره، وكانوا أحزابًا وشيعًا وطوائف ونعرات جاهلية .

ستشرق بعد أيام إشراقه جميله عظيمه وهى ظهور النور على الأرض كلها فإنها إشراقة مولد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وإنَّ إشراقةَ مولدِ النبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، تُوْقِفُ الخلقَ عامّة والمؤمنين به خاصة، وقفةَ المتأمِّل للآيات في شئون الكون، بِخَبَر المُكَوِّن والإنباء عن الصانع المبدئ المعيد الفعَّال لما يريد جلَّ جلالُه، ولقد جعل سُنَّتَهُ العامة اصطحابُ المرأة لآلام الحمل ثم لأوجاع الولادة، ثم خروجُ الجنين بالطريقة المألوفة، لكنَّ ولادةَ نبيِّكم محمد صلى الله عليه وسلم، تميزت وتعزَّزت وتخصَّصت وارتفعت واعتَلَتْ من بين الولادات.

وما أعجبَ هذه الولادة ، لها غاضَتَ بحيرة ساوة، واهتزَّ قصرُ كسرى وسقطت منه أربع عشرة شُرَّافة ، وأضاءَ النور وسَطَع، حتى صحَّ في الحديثِ أن عثمان بن أبي العاص كان يقول: إن أمي حدَّثتني أنها شهدَتْ آمنة حين الولادة، قالت فجَعَلْتُ أنظُرُ وقد أشرقَ النورُ وكأن النجومَ تدنو مني، حتى إني لأخاف أن يَقَعْنَ علي ، والمعنى أنَّ النورَ العظيم الذي برز قرَّب البعيد وأكسب البشرية قوةً صارت ترى به البعيدَ وكأنه في مُتناوَل اليد، وصاروا ينظرون من وسط الدار في مكة إلى قُصورِ بصرى في الشام، حتى أن أمه لَرَأَتْ أعناق الإبل في بصرى ، أيُّ نورٍ هذا؟

ولو زادت حِدَّةُ النور الظاهر لأعمى العين، ولم يكشف ما وراء الجدران والصحاري والرمال والجبال ، ولكنه نورٌ رباني يتنوَّرُ به مَن أدركه حتى بعينه، ليخترق الحجبَ البعيدة وينظرَ المسافة الشاسعة ويشاهد المشاهدات العجيبة ، إنه نورُ محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، أيُّ ولادة هذه؟ أهي مثلُ غيرها؟ هل كان مِثْلُها قَبْلَها أو يكون مثلها بعدها ؟ وعند خروجه من بطن أمه خرج فاعتمد على يديه فَسَجَد للواحد الأحد..

فمن علَّمَه السجود في لحظة الولادة؟ إنه لأكرمُ مولود، وإنه لأشرفُ عابد، هو أعظم منزلةً عند المعبود، هو سيدُ الساجدين، فسجد لحظةَ أن خرج من بَطْنِ أمه، صلى الله عليه وسلم، ورفع طرْفَه نحو السماء مُومياً إلى الرفعِ والاعتلاء، فخرج من عينيه نورٌ فوق النور اتصلَ بالسماء في مَشاهدِ آمنة ومن حواليها، وإنها ولادةٌ ما أعجبها، أصبحَ الناسُ المشركون إلى أصنامهم فما يدرون إلا وقد تنكَّست على رؤوسها، ومن الذي نكَّسها؟ هذا الذي به أظهر اللهُ نور الحقيقة وجعلهُ خيرَ الخليقة وجعله العروة الوثيقة.

ولِيَقِفَ العقلاءُ في العالم أمام شؤون هذا المولود، ما كان منها من آيات كونياتٍ تحت قدرةِ المكوِّن، وما كان منها من نشأةٍ ما عرفت البشريةُ مثلَها، في ذاتِ هذا الإنسان، في خصائصِ هذا الفرد المتميِّز عن الإنس والجن والملائكة، فسبحان الذي أبرَزَهُ في قالب البشر بخصائص ليست في البشر ولا في الجن ولا في الملائكة، فهوَ بَشَرٌ لا كالبشر، كما أنَّ الياقوت حجرٌ لا كالحجر.

يقول عمُّه العباس ، لا يفضُضِ الله فاك، فما سقط سِنٌّ لسيدِنا العباس، وقد جاوزَ الثمانين من عمره ولم يسقط له ضرسٌ أبداً بدعوة محمدٍ نبي الهدى، صلوات ربي وسلامه عليه،
إنْ كان العقلاء في العالم يقفونَ أمامَ الحوادث للاستغراب أو الاستعجاب أو للاستفادة أو للتأمل، فإن سيدَ الأكوانِ حوادثُه أعظمُ الحوادث، ونشأته خيرُ النشآت ، ولقد نطق أول ما نطق بقوله: جلَّ جلالُ ربي الرفيع ، الله أكبرُ كبيراً والحمدُ لله كثيراً وسبحانَ الله بكرةً وأصيلا..

فمن علَّمَه؟ ﴿ ألم يجدك يتيماً فآوى، ووجدك ضالاً فهدى، ووجدك عائلاً فأغنى ﴾ إنها عنايةُ الله بهذا المصطفى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلَّم ، ثم سُلوكُه الفريد، صاحبُ العدل، صاحبُ الإحسان، تقولُ مرضعتُه حليمة السعدية: أُناوِلُهُ الثدي الأيمن فيشرب، فإذا حوَّلْتُه إلى الثدي الأيسر أمسك فمَه وأبى، ليكون الثاني نصيب أخيه من الرضاع، حتى لا يشربَ لبن الثديين ويبقى أخوهُ ناقصاً عليه اللبن ، فإن اللهَ ألهَمه العدلَ حتى في الرضاع، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.

ثم نشأ على مسلكِ الإحسان، مع نورٍ ساطع مستمر ، فتقولُ حليمة: ليس لنا مصباحٌ في الليالي المظلمة إلا نورُ وجهِه، وليس لنا مصباحٌ وسط دارِنا في الليالي التي ليس فيها قمر إلا نور وجه هذا المولود، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّم، يكتفون به ويهتدون إلى أمتعتهم وأوانيهم وسط البيت الذي هو فيه، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّم.

فنشأ فلم يعرف أذىً لصبيٍ في أيام صباه، ولكن النجدة والإحسان والمعاونة، حتى خرج وهو صغيرٌ يشاركُ إخوانَه في رَعي الأغنام وهو بعدُ في سِنِّ الثالثة من عمره، وهو يرعى الأغنام ، والآية تَظْهَر، حَصَلَ جدبٌ، فأغنامُ الناس تعودُ جوعى، وأغنام حليمة تعودُ شبعى دارَّةً باللبن، حتى أن أهل حُلَّة بني سعد يقولون لمن يرعى أغنامهم: ويحكم أما ترون أغنامَ حليمة؟ ارعوا حيث ترعى أغنامُ حليمة، فيسرحون معها في مكان واحد، لكنَّ أغنام حليمة بالذي بينها يرعى، ترجع وهي شبعى دارّة باللبن، وتعودُ الأخرى جوعى وليس في ثُدِيِّها قطرة من اللبن

وفى النهاية نقول إن الإنسان المعاصر توصل إلى كثير من الحقائق الكونية، واكتشف كثيرًا من أسرار الأرض وعجائبها وكنوزها، وسخر ثرواتها في خدمته ورفاهيته، وطور الصناعات والتجارات والاتصالات، وكلَّ ما يحتاجه في حياته الدنيا؛ لكن أكثر البشر جهلوا الحقائق الشرعية، وأضلوا الطريق إلى الله تعالى ونسوا الدار الآخرة.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.