رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الجمعة 26 أبريل 2024 6:16 م توقيت القاهرة

الدكرورى يتكلم عن كلام الناس

بقلم / محمــــد الدكـــــرورى

إذا تكلنما عن أمراض العصر فسيكون الكلام عن كثرة الكلام البذئ والفاحش الذى انتشر بين الناس حيث يوجد عضوان في الإنسان هما أخطر الأعضاء وأشدهما على الإنسان، ومنهما يأتي الشر كله، وهما مصدران لكل فتنة ومنكر، إنهما الفرج واللسان ، وإن المقصود ببذاءة اللسان هو التعبير عن الأمور المستقبحة بالعبارات الصريحة، وما يصحب ذلك من فحش في الكلام، وقبح في المنطق، وإن كان الكلام صدقا وواقعاً.

وإن بذاءة اللسان صفة لا يتصف بها إلا من كان في قلبه مرض ونفاق، وأما المؤمنون فإنهم أهل دين ومروءة وحياء، وحياؤهم يمنعهم من بذاءة اللسان والجهر بالسوء من القول، ولهذا ذكر الله في أكثر من آية في كتابه العظيم أن من صفات أهل النفاق حدة ألسنتهم وبذاءتها.

وهي صفة ذميمة وعادة قبيحة، لا يتصف بها إلا من تدنت نفسه، وهانت عليه قيمه وأخلاقه، وسقطت نفسيته في مستنقعات الخزي وقلة الحياء، ومن قل حياؤه صنع ما شاء وقال ما أحب ، ولو نظرنا اليوم في واقعنا لرأينا أن هذه الصفة المستقبحة ، صفة بذاءة اللسان ، منتشرة في واقعنا بكثرة، وموجودة في مجتمعنا بقوة، فكم من الناس لا تسمع منهم إلا أبشع الكلمات، وأشنع العبارات، وأقبح الألفاظ ، بل يكاد أن يكون كلامهم كله سيئاً، وكله ذميماً قبيحاً، حتى من يتخاطب معه باللين وحسن القول يرد عليه بالقبح والعنف، ومن ينصحه بالرفق والطيب يجيبه بالبذاءة والفحش .

والفحشُ في القول وبذاءةُ اللسان؛ سببٌ في البُعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والحِرْمان من شفاعته وصُحبته يوم القيامة، فكلما كان اللسان مُعْوَجًّا، كثيرَ الزلل، شأنُه الخطأ، ودأبُه القبحُ والخبث، كان صاحبه من أبغض الناس عند النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، وكفى بذلك خزيًا، وكفى بصاحبه خيبة و خسرانًا، فعَنْ جَابر رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنّ مِن أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسِنَكم أخلاقا، وإن أبغضَكم إليّ وأبعدَكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارُون والمتشدقون والمتفيْهقون"، قالوا: يا رسول الله، قد علمنا الثرثارون والمتشدقون، فما المتفيْهقون؟ قال: " المتكبرون " . رواه الترمذي .

والفحشُ في القول وبذاءةُ اللسان؛ ظاهرة اجتماعية خطيرة، انتشرت بين الناس كالنار في الهشيم، فلا تكاد تمر عليك لحظة من اللحظات وأنت تسير في شارع أو سوق أو في أي مكان إلا وتسمع من الكلام الساقط الفاحش البذيء ما يُغضب الله، وما لا يليق بمسلم يخاف الله ويستحيي من الله ومن عباده ، فمن الناس من اعتاد النطق بالكلمات النابية والألفاظ الساقطة، ولا يستحيي أن يجهر بها بين الناس؛ لأن لسانه قد تعوّدَها، وطبعَه قد أشرِبَها، فهو يتشدّق بها طول نهاره، ويفتخر بها بين أقرانه ، فكلامُه قبيح ومنطقه خبيث، وَصْف للعورات، وتتبع للزلات، وقذف وسبّ واستهزاء ، فهو لا يستحيي من خالقه الذي يسمعه، ولا يستحيي من رجل ولا امرأة، ولا يعرف وقارا لصغير ولا كبير..

ومن الناس من عوّد لسانه السبّ والشتم، واعتاد النطقَ بلعن الأشخاص والأماكن والدوابّ، حتى أصبح النطقُ باللعنة أسهلَ الألفاظ عليه، يسبّ خالقه، ويسب دينه، ويسب قريبه وجاره، ويسب صديقه وعدوّه ، فالسبّ شِعارُه، والشتمُ دِثارُه، لا يمنعه من ذلك عقل ولا مُروءة ولا دين ، ومن الناس مَن إذا كانت بينه وبين أخيه المسلم منازعة أو مشادّة، يُطلِق لسانه عليه بالسبّ والشتم والتعيير والتنقيص، ويَقذفه ويَرميه بما ليس فيه من المعايب والقبائح..

وإذا كانت الكلمة التي لا يلقي لها الإنسان بالاً قد ترفعه إلى الجنة أو تهوي به في نار جهنم فما بالكم بالكلمة المقصودة التي يتكلم بها في أمور وهمية وظنون كاذبة؟ فالحذر كل الحذر من خطر الكلمة وزلات اللسان، فعلى الإنسان أن يكبح جماح نفسه عن الكلام، ويسائل نفسه قبل التفوه بالكلمة: هل هي مما يرضي الله أم مما يسخطه؟ فإن كانت من رضوان الله تعالى كذكر الله وقراءة القرآن وبذل النصيحة أو أمر بالمعروف ونهي عن المنكر وغير ذلك من أبواب الخير فليتكلم، وإلا فالصمت أولى .

ومن صور البذاءة التي نراها منتشرة في واقعنا بذاءة اللسان في التكلم بالأقوال القبيحة والألفاظ الواطية، واستخدام الكلمات البذيئة، وهذا تجده عند بعض الناس لا يتكلم إلا بالكلام الساقط المهين، والكلمات الصريحة في البذاءة والقبح، وإن استخدام الكلمات السوقية الصريحة أمر يجب على الإنسان العاقل أن يترفع عنه ولا يستخدمه، لأن فيه دليل على قلة الحياء، وغياب المروءة، وضعف الأدب.

ومن هنا يقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم “ ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء” رواه الترمذي ، والفحشُ في القول وبذاءةُ اللسان؛ طريق إلى الهلاك والخسران، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنّة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النّار" . رواه احمد

وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم في وصيته له، أخذ بلسانه وقال: "كفّ عليك هذا"، فقال مُعاذ: يا نبيّ الله، وإنا لمؤاخَذون بما نتكلم به؟ فقال: " ثكِلتك أمك يا معاذ، وهل يَكبّ الناسَ في النار على وجوههم ، أو على مناخرهم ، إلا حصائدُ ألسنتهم" . رواه الترمذي ، والمراد بحصائد الألسنة جزاءُ الكلام المحرّم وعقوباته، فإن الإنسان يزرع بقوله وعمله الحسنات والسيئات ثم يَحصُد يوم القيامة ما زرع، فمن زرع خيرا من قول أو عمل حصد الكرامة، ومن زرع شرا من قول أو عمل حصد الندامة.

الفحشُ في القول وبذاءةُ اللسان؛ ذنبٌ مُستوجبٌ لمَقتِ الله وغضبه سبحانه، ومَنْ مَقته الله وغضِبَ عليه فقد خاب وخسر خسرانا مبينا، فعن أبي الدّرداء رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " ما شيء أثقلُ في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإنّ الله ليُبْغِض الفاحِشَ البذيء" . رواه الترمذي

ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة في طِيب كلامه وحُسن مَقاله وبُعده عن كل فحش ورذيلة، فعن أبي عبد الله الجدلي قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن خُلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: "لم يكن فاحِشا ولا متفحّشا، ولا صَخابا في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح" . أي لم يكن ناطقا بالكلام السيء الفاحش، ولم يكن متكلفا للنطق بالكلام الفاحش السيء، فليس الفحش من أخلاقه ولا من طبْعه صلى الله عليه وسلم.

إن عثرات اللسان لا تنحصر في حدّ معين، وإنما هي أنواع كثيرة، فمنها ما يؤدي إلى الكفر كالاستهزاء بدين الله وكتبه ورسله أو شيء من شرعه، ومنها ما هو دون ذلك كالغيبة والنميمة والكذب وشهادة الزور وما شابه ذلك، وكلها من كبائر الذنوب ، وإنه لمن المؤسف جدًا أن الكثير من الناس يرسلون ألسنتهم ويتكلمون الكلام على عواهنه ليضحكوا به الناس، فيستهزئون بالمسلمين وأصحاب اللّحى وذي اللباس القصير، ويتقوّلون النوادر الكاذبة، فيستهزئون بالمصلين وبالدين ليدخلوا السرور على الناس المتعاظمين، فيقعون في غضب رب العالمين، سواء كانوا في ذلك جادين أو هازلين.

فنزهوا ألسنتكم عن كل ما يغضب الله، ولا تقولوا إلا الكلام الحسن الطيب، فإنه يحفظ مودة الأصدقاء ويستديم محبتهم وصداقتهم، كما أنه يطفئ من خصومات الأعداء ويكسر حدتهم ويوقف عوامل الشر عندهم، والكلام الطيب الحسن يعود على صاحبه بالنفع والأجر والمثوبة ، والمسلم يلتزم الصدق قولاً باللسان وعملاً بالأركان، ويعلم يقينًا أنه مسؤول ومحاسب عن كل ما يصدر عنه .

ويروى عن بعض السلف الصالح أنه كان حتى إذا خاطب بعض الحيوانات وهي لا تعرف الكلام تكلم عليها بقوله: أصلحك الله، فلما سئل عن ذلك قال: أريد أن أعوِّد لساني على الكلام الطيّب، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " ، وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الصفات الذميمة التي ليست من صفات المسلم فقال: " ليس المسلم باللعان ولا بالصخاب ولا بالفاحش البذيء" .

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.