الدكرورى يكتب عن أبو بكر الصديق " الجزء الثانى عشر "

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثانى عشر مع الصحابى الجليل خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبى بكر الصديق رضى الله عنه، وقد بدأ أبو بكر الصديق رضى الله عنه، إدارة شؤون الدولة بعد مبايعته بالخلافة، وقد اتخذ من الصحابة أعوانا يساعدونه على ذلك، فأسند إلى أبي عبيدة بن الجراح شؤون بيت المال، وتولى عمر بن الخطاب القضاء، وباشر أبو بكر الصديق القضاء بنفسه أيضا، وتولى زيد بن ثابت الكتابة وهو البريد، وأحيانا يكتب له من يكون حاضرا من الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، كعلي بن أبي طالب أو عثمان بن عفان، وقد استعمل أبو بكر الصديق رضى الله عنه، الولاة في البلدان المختلفة، وكان ينظر إلى حسن اختيار النبي صلى الله عليه وسلم، للأمراء والولاة على البلدان فيقتدي به في هذا العمل، ولهذا فقد أقر جميع عمال الرسول صلى الله عليه وسلم، الذين توفي الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم على ولايتهم، ولم يعزل أحدا منهم إلا ليعينه في مكان آخر أكثر أهمية من موقعه الأول ويرضاه.

كما حدث لعمرو بن العاص، وكانت مسؤوليات الولاة في عهد أبي بكر الصديق رضى الله عنه، بالدرجة الأولى امتدادا لصلاحياتهم في عهد النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أما أهم مسؤولياتهم في عهد أبي بكر الصديق رضى الله عنه، فهي إقامة الصلاة وإمامة الناس، والجهاد، وإدارة شئون البلاد المفتوحة، وتعيين القضاة والعمال عليها، وأخذ البيعة للخليفة، وبعض الأمور المالية كالزكاة والجزية، وإقامة الحدود، وتأمين البلاد، وكان لهم دور في تعليم الناس أمور دينهم، وفي نشر الإسلام في البلاد التي يتولون عليها، وكان الكثير من هؤلاء الولاة يجلسون في المساجد يعلمون الناس القرآن الكريم والأحكام الشرعية، وقد قسمت الدولة الإسلامية في عهد أبي بكر الصديق رضى الله عنه، إلى عدة ولايات، فكانت المدينة المنورة، وهى عاصمة الدولة الإسلامية، وبها الخليفة أبو بكر الصديق رضى الله عنه، ومكة المكرمة، وأميرها عتاب بن أسيد الأموي القرشي، وقد ولاه الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.

وقد استمر مدة حكم أبي بكر الصديق رضى الله عنه، ومدينة الطائف، وأميرها هو عثمان بن أبي العاص الثقفي، وقد ولاه الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وأقره أبو بكر الصديق رضى الله عنه، عليها، وصنعاء، وكان أميرها هو المهاجر بن أبي أمية المخزومي القرشي، وهو الذي فتحها ووليها بعد انتهاء أمر الردة، وحضرموت، وكان أميرها هو زياد بن لبيد الخزرجي، وزبيد ورقع، وكان أميرها هو أبو موسى الأشعري، وخولان، وكان أميرها هو يعلى بن أبي أمية، والجند، وكان أميرها هو الصحابى معاذ بن جبل الخزرجي، ونجران، وكان أميرها هو جرير بن عبد الله البجلي، ومدينة جرش، وكان أميرها هو عبد الله بن ثور الغوثي، والبحرين، وكان أميرها هو الصحابى العلاء بن الحضرمي، والعراق والشام، وكان أمراء الجند هم ولاة الأمر فيها، وسلطنة عمان، وكان أميرها هو حذيفة بن محصن القلعاني، واليمامة، وكان أميرها هو سليط بن قيسالخزرجي، ويعد عهد أبي بكر الصديق رضى الله عنه.

بدايةَ العهد الراشدي القريب من العهد النبوي، فكان العهد الراشدي عامة والجانب القضائي خاصة امتدادا للقضاء في العهد النبوي، مع المحافظة الكاملة والتامة على جميع ما ثبت في العهد النبوي، وتطبيقه بحذافيره وتنفيذه بنصه ومعناه، وقد كان أبو بكر الصديق رضى الله عنه، يقضي بنفسه إذا عرض له قضاء، ولم تفصل ولاية القضاء عن الولاية العامة في عهده، ولم يكن للقضاء ولاية خاصة مستقلة، كما كان الأمر في عهد الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ففي المدينة عهِد أبو بكر الصديق رضى الله عنه، إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه، بالقضاء ليستعين به في بعض الأقضية، ولكن هذا لم يعطى لعمر بن الخطاب رضى الله عنه، صفة الاستقلال بالقضاء، وأقر أبو بكر الصديق رضى الله عنه، معظم القضاة والولاة الذين عينهم الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، واستمروا على ممارسة القضاء والولاية أو أحدهما في عهده، وأصبحت الأحكام القضائية في عهد أبي بكر الصديق رضى الله عنه.

موئلا للباحثين ومحطا لأنظار الفقهاء، وصارت الأحكام القضائية لتلك الفترة مصدرا للأحكام الشرعية والاجتهادات القضائية والآراء الفقهية في مختلف العصور، وقد ساهمت فترة خلافة أبي بكر الصديق رضى الله عنه، في ظهور مصادر جديدة للقضاء في العهد الراشدي، فقد صارت مصادر الأحكام القضائية هي القرآن الكريم، والسنة النبوية، والإجماع، والقياس، والسوابق القضائية أو التقليد، والرأي الاجتهادي مع الشورى، ولقد كان قبل وفاة النبى صلى الله عليه وسلم، أنه ندب المسلمين لغزو الروم بالبلقاء وفلسطين فى السنة الحادية عشرة من الهجرة، وقد أمَّر عليهم أسامة بن زيد، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم، مرض بعد البدء بتجهيز هذا الجيش بيومين، فلم يخرج الجيش وظل معسكرا بالجُرف، وهي موضع على بعد ثلاثة أميال من المدينة المنورة نحو الشام، ورجع إلى المدينة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ولما تولى أبو بكر الصديق رضى الله عنه، الخلافة أمر أن يُبعث أسامة بن زيد الكلبى.

وألا يبقى بالمدينة أحد من جند أسامة إلا خرج إلى عسكره بالجرف، واقترح بعض الصحابة على أبي بكر الصديق رضى الله عنه، بأن يبقي الجيش فقالوا، إن هؤلاء جل المسلمين، والعرب على ما ترى قد انتقضت بك، فليس ينبغي لك أن تفرق عنك جماعة المسلمين، فقال أبو بكر الصديق رضى الله عنه، والذي نفس أبي بكر بيده، لو ظننت أن السباع تخطفني لأنفذت بعث أسامة بن زيد كما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو لم يبق في القرى غيري لأنفذته، ثم خرج أبو بكر الصديق رضى الله عنه، حتى أتى الجيش فقال "يا أيها الناس، قفوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عني، لا تخونوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلا صغيرا، ولا شيخا كبيرا ولا امرأة، ولا تعقروا نخلا ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرا إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرَّغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له، وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام.

فإذا أكلتم منه شيئا بعد شيء فاذكروا اسم الله عليها، وتلقون أقواما قد فحصوا أوساط رؤوسهم وتركوا حولها مثل العصائب فأخفقوهم بالسيف خفقا، اندفعوا باسم الله" وقد أوصى أبو بكر الصديق رضى الله عنه، أسامة بن زيد فقال له " اصنع ما أمرك به نبي الله صلى الله عليه وسلم،ابدأ ببلاد قضاعة ثم إيت آبل وهى منطقة جنوب الأردن، ولا تقصرن في شيء من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تعجلن لما خلفت عن عهده" ومضى أسامة بن زيد رضى الله عنه بجيشه، فبث الخيول في قبائل قضاعةوأغار على آبل، فسلم وغنم، وكان مسيره ذاهبا وقافلا أربعين يوما، فزادت هيبة المسلمين في نفوس أعدائهم وقالوا، لو لم يكن لهم قوة لما أرسلوا هذا الجيش، فكفوا عن كثير مما كانوا يريدون أن يفعلوه، وقد أصاب القبائل العربية في الشمال الرعب والفزع من سطوة الدولة الإسلامية، وهكذا فكان بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، قد ارتدت بعض القبائل العربية عن الإسلام، وكان المرتدون على ثلاثة أقسام.