رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الخميس 2 مايو 2024 5:46 ص توقيت القاهرة

الدكرورى يكتب عن الإنسان و العقل "جزء 10"

 

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء العاشر مع الإنسان والعقل، وقيل أن بعض الدول العالمية الكبرى غير المسلمة حاربت الخمر في بعض الأوقات وأنفقت في سبيل ذلك أموالا وقدرات كثيرة، لكنها لم تفلح لعدم وجود الوازع الداخلي لدى المتعاطي، أما شعوب الإسلام فقد رباها الإسلام على ترك المسكرات طاعة لله، وسلامة للدين والدنيا، فقل تعاطي المسكرات بين أهلها، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه عند نزول آية تحريم الخمر قال "فإني لقائم أسقي أبا طلحة وفلانا وفلانا إذ جاء رجل فقال وهل بلغكم الخبر؟ فقالوا وما ذاك؟ قال حرمت الخمر، فقالوا أهرق هذه القلال يا أنس، قال فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل" رواه البخارى ومسلم.

 

وهكذا يصنع التسليم لحكم الله تعالى، وإن الإنسان إذا استعمل عقله استعمالا صحيحا قاده إلى معرفة خالقه والعمل بشرائعه، والسير على طريق مرضاته، واستفاد من آيات الله تعالى المسطورة كثرة تلاوة وتدبرا وعملا، ومن آيات الله المنشورة في هذا الكون نظرا وتفكرا واهتداء، وانتفع من مواضع العبرة انكفافا عن أسباب الهلاك، وإقبالا على سبل النجاة، ومن استعمل عقله استعمالا صحيحا ظهر على أقواله وأفعاله الصواب والاستقامة، وصار من أهل الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة، وغدا محبوبا عند أهل السماء وعند أهل الأرض، وأصبح لديه نور يسلك بضيائه إلى منافع دنياه ومصالح عيشه من أسهل الطرق وأسلمها. 

 

وأضحى منشغلا بأسباب نجاته غير منشغل بما يعني الناس ولا يعنيه، وإذا زاد عقله في الإشراق والاتساع أصبح ينظم حياته الدينية والدنيوية، فيسير على خطط واقعية مرسومة بعيدة عن الفوضى والعشوائية، مستفيدا من أخطاء الماضي لئلا يعود إليها في المستقبل، متعظا بمواعظ الأيام ومرور الزمان ومن تجارب الآخرين وعقولهم، فالعقل منظم الحياة ومديرها، فإذا تشبع بمعارف صحيحة وإضاءات سليمة كانت مخرجاته صائبة مفيدة، وإن العقل إذا اكتمل واستنار عند صاحبه أثمر له معرفة استغلال الفرص وكيفية الاستفادة منها فقد أدرك بتجاربه وتجارب غيره التي أضافها إلى عقله أن الفرص أطياف تمر. 

 

وأنفاس تخرج لا تعود مرة أخرى إلا أن يشاء الله، فعندما يجد الفرصة أو يعيش فيها فإنه يستفرغ حاجته منها ولا تفارقه إلا وقد نال منها ما يريد، فيا أيها المسلم العاقل، إن عمرك فرصة، وفراغك فرصة، ورخاؤك فرصة، وأمنك فرصة، وقدرتك فرصة، وأمرك بيدك في بعض شؤونك فرصة، وامتلاك الوسائل الميسرة والمؤثرة فرصة، فلا تضيعن منك هذه الغنائم وتمر عليك وأنت نائم غير مكترث بها، ويا أهل الحجا، إن العقل إذا اكتمل واتسع عرف صاحبه كيف يخرج من المضائق، ويفك عنه قيد المآزق، وكيف يتعامل مع المواقف الشديدة التي تطيش فيها الأحلام، فينقب عقله الفسيح جُدد الأزمات وحصونها العتيدة ليصل إلى مخارج من قبضتها بالأسباب المباحة والوسائل الصحيحة المتاحة.

 

فإذا قمنا بإعمال العقل نجد أن في الصلوات الخمس تضحية بكل ما يشغلنا عن الصلاة من كسب مادي أو طعام أو لهو أو غير ذلك، وفي الصيام تضحية بمتعة الطعام والشراب والشهوة، وفي الزكاة تضحية بالمال الذي تميل إليه النفس، وفي الحج تضحية بمفارقة الوطن والأهل، وبتحمل مشاق السفر، وبالإنفاق لأداء المناسك، لذلك فنحن مدعوون إلى التضحية وبذل النفس والنفيس، والغالي قبل الرخيص من أجل إعلاء كلمة الله، والتمكين لدينه في الأرض، وأداء الأمانة التي كلفنا الله بها، مثلما كان حال السابقين، والسلف الصالح، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ألا فليضح كل منكم بما في استطاعته، وبما يقدر عيله ويملكه، من ماله أو وقته أو علمه أو صحته أو غير ذلك وليحتسب عند الله تضحيته، ليعتق الله بها رقبته من النار يوم نلقى الله العزيز الغفار.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.