رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الثلاثاء 30 أبريل 2024 10:00 ص توقيت القاهرة

الدكرورى يكتب عن الخليل إبراهيم عليه السلام " الجزء الخامس "

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الخامس مع نبى الله إبراهيم عليه السلام، وقد توقفنا معه عندما قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون، أي في الملأ الأكبر على رءوس الأشهاد لعلهم يشهدون مقالته، ويسمعون كلامه، ويعاينون ما يحل به من الاقتصاص منه، وكان هذا أكبر مقاصد الخليل إبراهيم عليه السلام أن يجتمع الناس كلهم فيقيم على جميع عباد الأصنام الحجة على بطلان ما هم عليه، وذلك كما قال نبى الله موسى عليه السلام لفرعون " موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى" فلما اجتمعوا وجاءوا به كما ذكروا قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا، وقيل معناه هو الحامل لي على تكسيرها، وإنما عرض لهم في القول فاسألوهم إن كانوا ينطقون وإنما أراد بقوله هذا أن يبادروا إلى القول أن هذه لا تنطق فيعترفوا بأنها جماد كسائر الجمادات فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون أي فعادوا على أنفسهم بالملامة فقالوا إنكم أنتم الظالمون أي في تركها لا حافظ لها، ولا حارس عندها ثم نكسوا على رءوسهم، وقال السدي أي ثم رجعوا إلى الفتنة فعلى هذا يكون قوله إنكم أنتم الظالمون.

أي في عبادتها وقال قتادة أدركت القوم حيرة سوء أي فأطرقوا، ثم قالوا لقد علمت ما هؤلاء ينطقون أي لقد علمت يا إبراهيم أن هذه لا تنطق فكيف تأمرنا بسؤالها فعند ذلك قال لهم الخليل عليه السلام أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون وكما قال فأقبلوا إليه يزفون وقال مجاهد يسرعون، قال أتعبدون ما تنحتون، أي كيف تعبدون أصناما أنتم تنحتونها من الخشب والحجارة، وتصورونها وتشكلونها كما تريدون والله خلقكم وما تعملون ؟ وسواء كانت ما مصدرية أو بمعنى الذي فمقتضى الكلام أنكم مخلوقون وهذه الأصنام مخلوقة، فكيف يعبد مخلوق مخلوقا مثله فإنه ليس عبادتكم لها بأولى من عبادتها لكم، وهذا باطل فالآخر باطل للتحكم إذ ليست العبادة تصلح ولا تجب إلا للخالق وحده لا شريك له، قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين عدلوا عن الجدال والمناظرة لما انقطعوا وغلبوا ولم تبق لهم حجة ولا شبهة، إلى استعمال قوتهم وسلطانهم، لينصروا ما هم عليه من سفههم وطغيانهم، فكادهم الرب جل جلاله.

وأعلى كلمته ودينه وبرهانه، وكما قال الله تعالى " قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين قلنا يانار كوني بردا وسلاما على إبراهيم وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين" وذلك أنهم شرعوا يجمعون حطبا من جميع ما يمكنهم من الأماكن، فمكثوا مدة يجمعون له حتى إن المرأة منهم كانت إذا مرضت تنذر لئن عوفيت لتحملن حطبا لحريق إبراهيم، ثم عمدوا إلى جوبة عظيمة فوضعوا فيها ذلك الحطب، وأطلقوا فيه النار فاضطرمت وتأججت والتهبت، وعلاها شرر لم ير مثله قط، ثم وضعوا إبراهيم عليه السلام في كفة منجنيق صنعه لهم رجل من الأكراد يقال له هيزن، وكان أول من صنع المجانيق فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة، ثم أخذوا يقيدونه ويكتفونه، وهو يقول لا إله إلا أنت سبحانك، لك الحمد ولك الملك لا شريك لك، فلما وضع الخليل عليه السلام في كفة المنجنيق مقيدا مكتوفا، ثم ألقوه منه إلى النار قال حسبنا الله، ونعم الوكيل، فعن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم حين ألقي في النار، وقالها رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم

حين قيل له إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء" رواه البخارى، وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لما ألقي إبراهيم في النار قال اللهم إنك في السماء واحد، وأنا في الأرض واحد أعبدك" وذكر بعض السلف أن جبريل عرض له في الهواء فقال ألك حاجة ؟ فقال أما إليك فلا، ويروى عن ابن عباس رضى الله عنهما، وسعيد بن جبير أنه قال جعل ملك المطر يقول متى أومر فأرسل المطر ؟ فكان أمر الله أسرع قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم وقال الإمام علي بن أبي طالب رضى الله عنه أي لا تضريه، وقال ابن عباس وأبو العالية لولا أن الله قال وسلاما على إبراهيم لأذى إبراهيم بردها، وقال كعب الأحبار لم ينتفع أهل الأرض يومئذ بنار، ولم يحرق منه سوى وثاقه، وقال الضحاك يروى أن جبريل عليه السلام كان معه يمسح العرق عن وجهه لم يصبه منها شيء غيره، وقال السدي كان معه أيضا ملك الظل وصار إبراهيم عليه السلام في مثل الجونة حوله النار، وهو في روضة خضراء.

والناس ينظرون إليه لا يقدرون على الوصول إليه، ولا هو يخرج إليهم فعن أبي هريرة رضى الله عنه أنه قال أحسن كلمة قالها أبو إبراهيم إذ قال لما رأى ولده على تلك الحال، نعم الرب ربك يا إبراهيم، وروى ابن عساكر، عن عكرمة أن أم إبراهيم نظرت إلى ابنها عليه السلام فنادته يا بني إني أريد أن أجيء إليك، فادع الله أن ينجيني من حر النار حولك فقال نعم، فأقبلت إليه لا يمسها شيء من حر النار، فلما وصلت إليه اعتنقته، وقبلته، ثم عادت، وعن المنهال بن عمرو أنه قال أخبرت أن إبراهيم مكث هناك إما أربعين، وإما خمسين يوما، وأنه قال ما كنت أياما وليالي أطيب عيشا إذ كنت فيها، ووددت أن عيشي وحياتي كلها مثل إذ كنت فيها صلوات الله وسلامه عليه فأرادوا أن ينتصروا فخذلوا، وأرادوا أن يرتفعوا فاتضعوا، وأرادوا أن يغلبوا فغلبوا وقال الله تعالى " وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين" وفي الآية الأخرى الأسفلين ففازوا بالخسارة والسفال هذا في الدنيا، وأما في الآخرة فإن نارهم لا تكون عليهم بردا ولا سلاما، ولا يلقون فيها تحية ولا سلاما، بل هي كما قال الله تعالى " إنها ساءت مستقرا ومقاما"

وعن سعيد بن المسيب، عن أم شريك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ وقال كان ينفخ على إبراهيم" رواه مسلم، وعن نافع مولى ابن عمر أخبره أن السيدة عائشة رضى الله عنها أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " اقتلوا الوزغ فإنه كان ينفخ على إبراهيم النار " قال فكانت السيدة عائشة رضى الله عنها تقتلهن " عن نافع أن امرأة دخلت على السيدة عائشة رضى الله عنها، فإذا رمح منصوب فقالت ما هذا الرمح؟ فقالت نقتل به الأوزاغ، ثم حدثت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن إبراهيم لما ألقي في النار جعلت الدواب كلها تطفئ عنه إلا الوزغ فإنه جعل ينفخها عليه، رواه أحمد، وعن السائبة مولاة الفاكه بن المغيرة قالت دخلت على السيدة عائشة رضى الله عنها فرأيت في بيتها رمحا موضوعا فقلت يا أم المؤمنين ما تصنعين بهذا الرمح ؟ قالت هذا لهذه الأوزاغ نقتلهن به فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن إبراهيم حين ألقي في النار لم تكن في الأرض دابة إلا تطفئ عنه النار غير الوزغ كان ينفخ عليه، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله" رواه ابن ماجه.

فإن نبى الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام اختصه الله عز وجل بالفضائل العظيمة، والمكارم الجليلة، فكان الإمام، والأمة، والحنيف، القانت لله عز وجل، الذي ينتسب إليه جميع الأنبياء بعده، ويؤمن به جميع أتباع الشرائع المسلمون والنصارى واليهود، ويكفيه فخرا ما قاله الله تعالى عنه فى كتابه الكريم فقال تعالى " إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين" وقال سبحانه وتعالى عنه " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن، قال إنى جاعلك للناس إماما، قال ومن ذريتى، قال لا ينال عهدى الظالمين " وإن ابتلاء الله عز وجل لخليله إبراهيم عليه السلام، أي اختباره له بما كلفه به من الأوامر والنواهي ومعنى فأتمهن أي قام بهن كلهن، كما قال الله تعالى فى سورة النجم " وإبراهيم الذي وفى" أي وفى جميع ما شرع له ، فعمل به عليه السلام، وإبراهيم عليه السلام هو أفضل الأنبياء والرسل بعد نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ولهذا أخبرنا الله تعالى أنه اتخذه خليلا فقال عز وجل فى سورة النساء " واتخذ الله إبراهيم خليلا " وقد قال رجل لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم، يا خير البريه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ذاك إبراهيم " .

 

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.