رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الخميس 2 مايو 2024 2:57 ص توقيت القاهرة

الدكرورى يكتب عن المذهب الحنفي " جزء 10 "

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء العاشر مع المذهب الحنفي، وقد اتخذ حلقة خاصة في مسجد الكوفة، يجلس إليه فيها طلاب هذا النوع من العلوم، ثم توجه أبو حنيفة رحمه الله إلى علم الفقه، وتفقه على حماد بن أبي سليمان، حتى صار مقربا عنده، وقد قال حماد لا يجلس في صدر الحلقة بحذائي غير أبي حنيفة، وإن من ملامح شخصية أبي حنيفة وأخلاقه أنه كان زاهدا ورعا، أراده يزيد بن هبيرة أمير العراق أيام مروان بن محمد أن يلي القضاء فأبى، وأراده بعد ذلك المنصور العباسي على القضاء فامتنع، وقال لن أصلح للقضاء، فحلف عليه المنصور ليفعلن، فحلف أبو حنيفة أنه لن يفعل، فحبسه المنصور، وقال ابن المبارك قلت لسفيان الثوري ما أبعد أبا حنيفة عن الغيبة. 

ما سمعته يغتاب عدوا له، قال والله هو أعقل من أن يسلط على حسناته ما يذهب بها، وقال سمعت الشافعي قال قيل لمالك هل رأيت أبا حنيفة ؟ قال نعم رأيت رجلا لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهبا لقام بحجته، وعن النضر بن محمد قال كان أبو حنيفة جميل الوجه سري الثوب عطر الريح، وعن أبي يوسف قال كان أبو حنيفة ربعة، من أحسن الناس صورة، وأبلغهم نطقا وأعذبهم نغمة، وأبينهم عما في نفسه، وعن حماد بن أبي حنيفة قال كان أبي جميلا، تعلوه سمرة، حسن الهيئة، كثير التعطر، هيوبا لا يتكلم إلا جوابا ولا يخوض رحمه الله فيما لا يعنيه، وعن ابن المبارك قال ما رأيت رجلا أوقر في مجلسه ولا أحسن سمتا وحلما من أبي حنيفة. 

وعن المثنى بن رجاء قال جعل أبو حنيفة على نفسه، إن حلف بالله صادقا أن يتصدق بدينار، وكان إذا أنفق على عياله نفقة تصدق بمثلها، وعن قيس بن الربيع قال كان أبو حنيفة ورعا تقيا مفضلا على إخوانه، وعن القاسم بن معن أن أبا حنيفة قام ليلة يردد قوله تعالى بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر ويبكي ويتضرع إلى الفجر، وكان عابدا لله تقيا ورعا وكان أبو حنيفة يختم القرآن في كل يوم، ثم حين اشتغل بالأصول والاستنباط واجتمع حوله الأصحاب أخذ يختمه في ثلاث في الوتر، وصلى أبو حنيفة ثلاثين سنة صلاة الفجر بوضوء العتمة، وحجَ خمس وخمسين حجة، وقال مسعر بن كدام رأيت الإمام يصلي الغداة ثم يجلس للعلم إلى أن يصلي الظهر. 

ثم يجلس إلى العصر ثم إلى قريب المغرب ثم إلى العشاء، فقلت في نفسي متى يتفرغ للعبادة؟ فلما هدأ الناس خرج إلى المسجد وكان بيته بجوار المسجد الذي يؤم فيه حسبة لله تعالى فانتصب للصلاة إلى الفجر، ثم دخل فلبس ثيابه وكانت له ثياب خاصة يلبسها لقيام الليل وخرج إلى صلاة الصبح ففعل كما فعل، ثم تعاهدته على هذه الحالة فما رأيته مفطرا، ولا بالليل نائما، وقد بلغ عدد شيوخ أبي حنيفة رحمه الله أربعة آلاف شيخ، فيهم سبعة من الصحابة، وثلاثة وتسعون من التابعين، والباقي من أتباعهم، ولا غرابة في هذا ولا عجب، فقد عاش رحمه الله تعالى سبعين سنة، وحج خمس وخمسين مرة، وموسم الحج يجمع علماء العالم الإسلامي في الحرمين الشريفين. 

وأستاذ الإمام أبي حنيفة هو حماد بن أبي سليمان، وهو تابعي كوفي ثقة، روى عنه أبو حنيفة رحمه الله ألفي حديث من أحاديث الأحكام، وأكثر من ثلث أحاديث الإمام في مسنده الذي جمعه الحصكفي، هي برواية الإمام عنه، عن إبراهيم بن أبي موسى الأشعري، عن الأسود، عن عائشة رضي الله عنهم، وإن منهج الإمام أبي حنيفة في البحث فقد ابتكر الإمام أبو حنيفة رحمه الله نموذجا منهجيا في تقرير مسائل الاجتهاد، وذلك عن طريق عرض المسألة على تلاميذ العلماء في حلقة الدرس ليدلي كل بدلوه، ويذكر ما يرى لرأيه من حجة، ثم يعقب هو على آرائهم بما يدفعها بالنقل أو الرأي، ويصوب صواب أهل الصواب، ويؤيده بما عنده من أدلة، ولربما تقضت أيام حتى يتم تقرير تلك المسألة.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.