رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الأربعاء 8 مايو 2024 8:21 م توقيت القاهرة

الدكرورى يكتب عن المفسدين فى الأرض " الجزء الثانى

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثانى مع المفسدين فى الأرض، وإن المفسدون لهم اللعنة ولهم سوء الدار، وأهل الفساد يزدادون عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون، ولا يستوي بحال أهل الإصلاح وأهل الإفساد، فقال الله تعالى فى سورة ص " أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين فى الأرض " وإن المنافقون غارقون في الفساد، مزيفون للحقائق، ليسوا أصحاب فساد فحسب، بل يلبّسون على الناس، ويظهرون باسم الإصلاح، فتتعدد صور الفساد، فهناك فساد في القيم، وآخر في الذمم، وهناك فساد فردي وجماعي، فساد على مستوى الكبار والصغار، وهناك فساد ظاهر وباطن، وهناك فساد ذكوري وأنثوي، وهكذا تتنوع صور الفساد، ومهما وضعت هيئات لمكافحة الفساد، أو وجدت رقابة على المفسدين، فيبقى حياة الضمائر، والخوف من الجليل، وكره الفساد والمفسدين، والجرأة في إنكار الفساد، ومحاصرة المفسدين، والوعي بحجم الفساد وأثر المفسدين هي الضمانات الأقوى لمحاربة هذا الداء العضال، وخنوس المفسدين، على أن أهل الإسلام يفترض أن يكونوا أقل البيئات لنمو الفساد، فلديهم من حرمات الشريعة، وتعظيم الشعائر، والأوامر والنواهي الربانية ما يطرد الفساد، وويل للشعوب والأمم إذا حل الفساد بأهل العقائد والذمم، وويل لمن يؤتمن ثم يخون، وهنا يحق للمتعوذ أن يتعوذ من الفساد كما جاء فى سورة الممتحنة.

" ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا " فعليكم بمقاومة نزغات الفساد في ذوات أنفسكم، ولا ترضوه من غيركم، وإن أي أمة أو شعوب يسري فيها الفساد فلا تستنكر، ليست خليقة بالبقاء، ولا مؤهلة للريادة، وبقدر ما ينتشر الفساد في المجتمعات فهذا مؤشر لكثرة المبطلين، وضعف الخيرين، وكلما رشدت المجتمعات واهتدت بنور السماء، تقلص حجم الفساد وتوارى المفسدون، وحين يحيط الفساد بالقدوات والنخب، فذلك مؤشر على عمق الفساد، واتساع دائرة المفسدين، ومزيد الحاجة للاستنفار للتغيير للأصلح، فإننا جميعا مسؤولون عن محاربة الفساد، ومقاومة المفسدين، وإذا رأى الناس الظالم ثم لم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده، هكذا ورد الأثر، ويشهد الواقع، ويوم أن يصاب الناس بالخذلان والأنانية، وحب الذات والجشع، مع ضعف في الإنكار، واستمراء للمنكر، فتلك مقومات للإصلاح، والله يحكم لا معقب لحكمه، فإن الذين يقومون بمهمة النهي عن السوء موعودون بالنجاة والخلاص دون غيرهم، فقد قال الله عز وجل فى كتابه الكريم عنهم فى سورة الأعراف " فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كان وا يفسقون " ولقد جاءت آيات كثيرة في كتاب الله عز وجل، تنهى عن الإفساد في الأرض، فقال تعالى فى سورة الأعراف " ولا تفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها "

وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في تفسير هذه الآية أنه قال أكثر المفسرين لا تفسدوا فيها بالمعاصي والدعاء إلى غير طاعة الله، بعد إصلاح الله إياها ببعث الرسل، وبيان الشريعة، والدعاء إلى طاعة الله، فإن عبادة غير الله والدعوة إلى غيره، والشرك به، هو أعظم فساد في الأرض، بل فساد الأرض في الحقيقة إنما هو بالشرك به، ومخالفة أمره، فقال الله تعالى فى سورة الروم " ظهر الفساد فى البر والبحر بما كسبت أيدى الناس " وبالجملة فالشرك والدعوة إلى غير الله، وإقامة معبود غيره، ومطاع متبع غير رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أعظم الفساد في الأرض، ولا صلاح لها ولا لأهلها إلا أن يكون الله وحده هو المعبود، والدعوة له لا لغيره، والطاعة والاتباع لرسوله صلى الله عليه وسلم ليس إلا، وغيره إنما تجب طاعته إذا أمر بطاعة الرسول، فإذا أمر بمعصيته وخلاف شريعته فلا سمع له ولا طاعة، فإن الله أصلح الأرض برسوله صلى الله عليه وسلم، ودينه، وبالأمر بتوحيده، ونهى عن إفسادها بالشرك به، وبمخالفة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن تدبر أحوال العالم وجد كل صلاح في الأرض فسببه توحيد الله، وعبادته، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكل شر في العالم، وفتنة، وبلاء، وقحط، وتسليط عدو، وغير ذلك، فسببه مخالفة رسوله صلى الله عليه وسلم، والدعوة إلى غير الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

ومن الآيات التي جاءت في كتاب الله عز وجل، تنهى عن الفساد والإفساد في الأرض قوله عز وجل فى سورة البقرة " وإذا تولى سعى فى الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد " ويقول ابن جرير الطبري رحمه الله، اختلف أهل التأويل في معنى الإفساد الذي أضافه الله تعالى إلى هذا المنافق الذي ذكره الله في الآية، فقيل هو قاطع الطريق، وقيل هو الذي يسفك دم المسلمين، إلى آخره، ويدخل في الإفساد جميع المعاصي، ويقول الإمام ابن تيمية رحمه الله "إن إقامة الحد من العبادات، كالجهاد في سبيل الله ، فينبغي أن يعرف أن إقامة الحدود رحمة من الله بعباده فيكون الوالي شديدا في إقامة الحد، لا تأخذه رأفة في دين الله فيعطله، ويكون قصده رحمة الخلق بكف الناس عن المنكرات لا شفاء غيظه، وإرادة العلو على الخلق بمنزلة الوالد إذا أدب ولده، فإنه لو كف عن تأديب ولده كما تشير به الأم رقة ورأفة لفسد الولد، وإنما يؤدبه رحمة به، وإصلاحا لحاله، مع أنه يود ويؤثر أن لا يحوجه إلى تأديب، وبمنزلة الطبيب الذي يسقي المريض الدواء الكريه، وبمنزلة قطع العضو المتآكل، والحجم، وقطع العروق بالفساد، ونحو ذلك بل بمنزلة شرب الإنسان الدواء الكريه، وما يدخله على نفسه من المشقة لينال به الراحة، فهكذا شرعت الحدود، وهكذا ينبغي أن تكون نية الوالي في إقامتها، فإنه متى كان قصده صلاح الرعية والنهي عن المنكرات.

بجلب المنفعة لهم، ودفع المضرة عنهم، وابتغى بذلك وجه الله تعالى، وطاعة أمره ألان الله له القلوب، وتيسرت له أسباب الخير، وكفاه العقوبة البشرية، وقد يرضى المحدود، إذا أقام عليه الحد، وأما إذا كان غرضه العلو عليهم، وإقامة رياسته ليعظموه، أو ليبذلوا له ما يريد من الأموال، انعكس عليه مقصوده، ولهذا قال عثمان بن عفان رضي الله عنه، إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، أي يمنع بالسلطان باقتراف المحارم، أكثر ما يمنع بالقرآن لأن بعض الناس ضعيف الإيمان لا تؤثر فيه زواجر القرآن، ونهي القرآن لكن متى علموا أن هناك عقوبة من السلطان، ارتدعوا، وخافوا من عقوبة السلطان لئلا يفتنهم، أو يضربهم، أو ينفيهم من البلاد، فهم يخافون ذلك، وإن من صور الإفساد في الأرض، هو ما ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم رحمهما الله وهي الشرك بالله عز وجل، والشرك هو مساواة غير الله بالله، فعبادة غير الله تعالى والذبح لغير الله، والنذر لغير الله، والدعوة للقبور، والمزارات أن تعبد من دون الله تعالى، وأن تشد الرحال إليها، والتوكل عليها، والاستعانة بها، والحلف بها، كل هذا من الإفساد في الأرض، وكذلك أيضا نشر البدعة، فالنبي صلى الله عليه وسلم حذر من الابتداع في الدين، فقال في حديث السدة عائشة رضي الله عنها،أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد "

فمن يدعو الناس إلى البدع، وأن هناك بدعة حسنة، فإن هذا من تنقص دعوته صلى الله عليه وسلم واتهام للنبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يؤد الرسالة كاملة صلى الله عليه وسلم، وكذلك أيضا نشر المنكرات والدعوة إليها، ونشر الفاحشة بين الناس، وتحبيبهم لها، وتذليل الصعوبات التي تواجهها، والله عز وجل، قد نهى عن ذلك، وقد مدح الله تعالى من يأمر الناس بالمعروف وينهى عن المنكر، لأنهم يسعون في الأرض بالإصلاح، وكذلك من مظاهر الفساد هو السحر، فالسحر سمى الله عز وجل، فاعله مفسدا فقال الله تعالى فى سورة يونس " فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين " وسمى الله عمل السحرة والسحر بأنه عمل المفسدين، فهم من المفسدين في الأرض، وكذلك من مظاهر الفساد فى الأرض هو قتل النفس التي حرم الله ، فإن من أعظم الحرمات الاعتداء على حرمة المؤمن، فإنه حرمته من أعظم الحرمات، وهي أعظم من حرمة البيت الحرام، فيقول ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه وهو ينظر إلى الكعبة " ما أعظمك وأعظم حرمتك والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك " فإن قتل الأنفس المعصومة من كبائر الذنوب، ومن الإفساد الكبير في الأرض، ومن عِظم منزلة المؤمن أن النبي صلى الله عليه وسلم أولى الناس به في الدنيا والآخرة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال.

" ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به فى الدنيا والآخره، أقرؤوا إن شئتم " النبى أولى بالمؤمنين من أنفسهم " كما جاء فى سورة الأحزاب، فأيما مؤمن ترك ملا فليرثه عصبة من كانوا، فإن ترك دينار، أو صياعا فليأتنى فأنا مولاه " وإن زوال الدنيا وما فيها أهون عند الله عز وجل من قتل رجل مسلم، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم " لزول الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم " وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن مجرد ترويع المسلم لا يحل فقال صلى الله عليه وسلم " لا يحل لمسلم أن يروع مسلما " وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لن يزال المؤمن فى فسحة من دينة ما لم يصب دما حراما " رواه البخارى، وليس فقط الاعتداء على المسلم أو على النفس المعصومة، بل حمل السلاح عليها وترويعها وإخافة الآمنين، فكل هذا من الإفساد في الأرض فيقول صلى الله عليه وسلم " من حمل علينا السلاح فليس منا " رواه البخاري ومسلم، فهذه الأحاديث والأقوال تبين خطر الاعتداء على دماء المسلمين، بل إن أول ما يحكم بين الناس يوم القيامة في الدماء، كما ثبت ذلك عند البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة فى الدماء " فإن من صور الإفساد في الأرض ليس قتل نفس المؤمن المسلم، بل أيضا يشمل ذلك المعاهد، والمستأمن، فإن الله عز وجل قد حفظ له حقه.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.