رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

السبت 20 أبريل 2024 9:44 ص توقيت القاهرة

الدكرورى يكتب عن رحلة الإسراء والمعراج " الجزء الرابع عشر "

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الرابع عشر مع رحلة الإسراء والمعراج، حيث تعد رحلة الإسراء والمعراج إحدى معجزات النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ففيها أسرى الله عز وجل بنبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، من المسجد الحرام في مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى المبارك في بيت المقدس، وفي مكان مرتفع من أرض المسجد الأقصى المبارك توجد صخرة كبيرة عرج النبي صلى الله عليه وسلم من فوقها إلى السموات العُلى، وقد توقفنا مع المسجد الأقصى، وسيظل المسجد الأقصى بحول الله وقوته هو الشوكة التي تقف في حلوق الظالمين والمغتصبين، وسيظل علامة بارزة على قيادة هذه الأمة لكل الأمم، وأنه حق للمسلمين لا يشترى ولا يباع، ولا يتم المساومة عليه، وإنه منذ أعلنت الصلاة فيه لجميع الأنبياء، أعلن معه أن الصراع بين المسلمين والصهاينة واليهود صراع عقيدة وها هو نبينا صلى الله عليه وسلم، يلخص المشهد ففي الحديث الصحيح" لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر، فينطق الله الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر يا مسلم، يا عبد الله ورائي يهودي تعال فاقتله، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا الغرقد فإنه من شجر يهود" ولقد شاهد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم مشاهد عظيمة تعالج قضايا اجتماعية وأخلاقية في صميم المجتمع فهي أمراض تهدد كيان الحياة، ومنهاعقوبة جريمة الغيبة والنميمة، عقوبة أكلة أموال اليتامى، عقوبة خطباء الفتنة وعلماء السوء، عقوبة أكلة الربا، ومانعي الزكاة. 

وخطباء الفتنة، والتهاون في الأمانة، والإسراء هو الرحلة الأرضية التي هيأها الله تعالى لرسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى القدس، أى من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وهى رحلة أرضية ليلية، وإن المعراج هو رحلة من الأرض إلى السماء، أى من القدس إلى السموات العلا، إلى مستوى لم يصل إليه بشر من قبل، إلى سدرة المنتهى، إلى حيث يعلم الله عز وجل، وإن هاتان الرحلتان كانتا محطة مهمة في حياته صلى الله عليه وسلم وفي مسيرة دعوته في مكة، بعد أن قاسى ما قاسى وعانى ما عانى من قريش، ثم قال صلى الله عليه وسلم لعلي أجد أرضا أخصب من هذه الأرض عند ثقيف، عند أهل الطائف، فوجد منهم ما لا تحمد عقباه، ردوه أسوأ رد، سلطوا عليه عبيدهم وسفهاءهم وصبيانهم يرمونه بالحجارة حتى أدموا قدميه صلى الله عليه وسلم، ومولاه زيد بن حارثة يدافع عنه ويحاول أن يتلقى عنه هذه الحجارة حتى شج عدة شجاج في رأسه، ولقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم دامي القدمين من الطائف ولكن الذي آلمه ليس الحجارة التي جرحت رجليه ولكن الكلام الذي جرح قلبه ولهذا ناجى ربه هذه المناجاة، وبعث الله تعالى إليه ملك الجبال يقول له صلى الله عليه وسلم إن شئت أطبق عليهم الجبلين، ولكنه صلى الله عليه وسلم أبى ذلك، وقال" إني لأرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئا، اللهم اهدى قومي فإنهم لا يعلمون" ثم هيأ الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم هذه الرحلة، الإسراء والمعراج، ليكون ذلك تسرية وتسلية له عما قاسى. 

وتعويضا عما أصابه صلى الله عليه وسلم ليعلمه الله عز وجل أنه إذا كان قد أعرض عنك أهل الأرض فقد أقبل عليك أهل السماء، إذا كان هؤلاء الناس قد صدّوك فإن الله يرحب بك وإن الأنبياء يقتدون بك، ويتخذونك إماما لهم، كان هذا تعويضا وتكريما للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم منه عز وجل، وتهيئة له للمرحلة القادمة، فإنه بعد سنوات قيل إنها ثلاث سنوات وقيل ثمانية عشر شهرا، ولا يعلم بالضبط الوقت الذي أسري فيه برسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما كان قبل الهجرة يقينا، كانت الهجرة وكان الإسراء والمعراج إعدادا لما بعد الهجرة، ما بعد الهجرة حياة جهاد ونضال مسلح، سيواجه صلى الله عليه وسلم العرب جميعا، فكان لا بد أن يتهيأ صلى الله عليه وسلم، لهذه المرحلة الضخمة المقبلة ومواجهة كل هذه الجبهات، بهذا العدد القليل وهذه العدة الضئيلة، فأراد الله أن يريه من آياته في الأرض وآياته في السماء، قال الله تعالى "سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا" حتى يرى آيات الله عز وجل في هذا الكون وفي السماء أيضا كما قال الله تعالى في سورة النجم التي أشار فيها إلى المعراج "لقد رأى من آيات ربه الكبرى ما زاغ البصر وما طغى" فقد أراد الله تعالى أن يريه من هذه الآيات الكبرى حتى يقوى قلبه ويصلب عوده، وتشتد إرادته في مواجهة الكفر بأنواعه وضلالاته، كما فعل الله تعالى مع نبيه ورسوله موسى عليه السلام، حينما أراد أن يبعثه إلى فرعون، هذا الطاغية الجبار المتأله في الأرض الذي قال للناس أنا ربكم الأعلى. 

ما علمت لكم من إله غيرى، فكان الإسراء والمعراج تهيئة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان تكريما لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عما أصابه من قومه في مكة وفي الطائف، وكان كذلك لشيء مهم جديد في حياة المسلمين وله أثره في حياتهم المستقبلية، هو فرض الصلاة، فرض الله في هذه الليلة الصلاة، ولقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يستدعي رسوله إلى الخلق، محمد صلى الله عليه وسلم ليسري به من المسجد الحرام، ثم يعرج به إلى السموات العلا إلى سدرة المنتهى، ليفرض عليه الصلاة، إيذانا بأهمية هذه الفريضة في حياة الإنسان المسلم والمجتمع المسلم، فهذه الفريضة التي تجعل المرء على موعد مع ربه أبدا، وهذه الفريضة فرضت أول ما فرضت خمسين صلاة، ثم مازال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يسأل ربه التخفيف بإشارة أخيه نبى الله موسى عليه السلام حتى خفف الله تعالى عنهم هذه الصلوات إلى خمس، وقال هي في العمل خمس وفي الأجر خمسون، فهي من بقايا تلك الليلة المباركة، وإنها هي معراج لكل مسلم، إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد عرج به إلى السموات العلا، فإنه لديك معراج روحي تستطيع أن ترقى به ما شاء الله عز وجل، بواسطة الصلاة التي يقول الله تبارك وتعالى فيها في الحديث القدسي" قسمت الصلاة بيني وبين عبدي قسمين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال عبدى الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى حمدني عبدي، فإذا قال الرحمن الرحيم، قال تعالى أثنى علي عبدى، فإذا قال مالك يوم الدين قال الله تعالى مجّدني عبدى. 

فإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين، قال الله تعالى هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال اهدنا الصراط المستقيم إلى آخر الفاتحة، قال الله تعالى هذا لعبدي ولعبدي ما سأل" فإن المسلم وهو يصلي يستطيع أن يرتقي حتى يكاد يسمع هذه الكلمات من الله تبارك وتعالى، فإن الصلاة هي معراج المسلم إلى الله تبارك وتعالى، ثم لا بد أن ننظر لماذا كان هذا الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، لماذا لم يعرج برسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة من المسجد الحرام إلى السموات العلا؟ هذا يدلنا على أن المرور بهذه المحطة القدسية، فالمرور ببيت المقدس، في هذه الأرض التي بارك الله فيها للعالمين، فالمرور بالمسجد الأقصى كان مقصودا، والصلاة بالأنبياء الذين استقبلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت المقدس، وأنه أمهم، هذا له معناه ودلالته، أن القيادة قد انتقلت إلى أمة جديدة وإلى نبوة جديدة، إلى نبوة عالمية ليست كالنبوات السابقة التي أرسل فيها كل نبي لقومه، هذه نبوة عامة خالدة لكل الناس، ورحمة للعالمين، ولجميع الأقاليم ولسائر الأزمان، فهي الرسالة الدائمة إلى يوم القيامة عموم هذه الرسالة وخلودها كان أمرا لا بد منه، وهذه الصلاة بالأنبياء تدل على هذا الأمر، والذهاب إلى المسجد الأقصى، وإلى أرض النبوات القديمة، التي كان فيها إبراهيم، وإسحاق وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام إيذان بانتقال القيادة، فإن القيادة انتقلت إلى الأمة الجديدة وإلى الرسالة العالمية الخالدة الجديدة، ثم أراد الله تبارك وتعالى أن يربط بين المسجدين، المسجد الذي ابتدأ منه الإسراء.

 

والمسجد الذي انتهى إليه الإسراء، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، فأراد الله عز وجل لما يعلمه بعد ذلك أن يرتبط في وجدان المسلم هذان المسجدان، المسجد الحرام والمسجد الأقصى، وأراد الله أن يثبت المسجد الأقصى بقوله الذي باركنا حوله، وقد وصف الله تعالى هذا المسجد بالبركة، وهذا قبل أن يوجد مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن المسجد النبوي لم ينشأ إلا بعد الهجرة، في المدينة فأراد الله أن يوطد هذا المعنى ويثبته في عقول الأمة وقلوبها، حتى لا يفرطوا في أحد المسجدين، من فرط في المسجد الأقصى أوشك أن يفرط في المسجد الحرام، فإنه المسجد الذي ارتبط بالإسراء والمعراج، والذي صلى إليه المسلمون مدة طويلة من الزمن، حينما فرضت الصلاة، كان المسلمون يصلون إلى بيت المقدس، وكان بيت المقدس قبلتهم، ثلاث سنين في مكة وستة عشر شهرا في المدينة، فصلوا إلى هذا المسجد إلى بيت المقدس، وكان قبلة المسلمين الأولى، فهو القبلة الأولى، وهو أرض الإسراء والمعراج، وهو المسجد الذي لا تشد الرحال إلا إليه وإلى المسجد الحرام والمسجد النبوي، وبهذا كانت القدس هي المدينة الثالثة المعظمة في الإسلام بعد مكة والمدينة، وهكذا ينبغي أن يعي المسلمون أهمية القدس في تاريخهم وأهمية المسجد الأقصى في دينهم، وفي عقيدتهم وفي حياتهم، ومن أجل هذا حرص المسلمون طوال التاريخ أن يظل هذا المسجد بأيديهم، وحينما احتل الصليبيون المسجد الأقصى، حينما جاءوا إلى فلسطين بقضهم وقضيضهم وثالوثهم وصليبهم، جاءوا من أوروبا. 

وحروب الفرنجة أو كما يسمونها الحروب الصليبية، جاء هؤلاء وأقاموا لهم ممالك وإمارات، في فلسطين واحتلوا المسجد الأقصى، هيأ الله من أبناء الإسلام، ومن قادة المسلمين من نذروا حياتهم لتحرير هذا المسجد، وكان هؤلاء القادة من غير العرب، بدأ ذلك بعماد الدين زنكي القائد العظيم، وبابنه الشهيد نور الدين محمود، الذي يلقب بالشهيد مع أنه لم يستشهد، ولكنه عاش حياته تائقا للشهادة في سبيل الله، وكان يشبه بالخلفاء الراشدين بعدله وزهده وحسن سياسته، وتلميذ نور الدين محمود، وهو صلاح الدين الأيوبي البطل الكردي الذي حقق الله تعالى على يديه النصر، في معركة حطين ومعركة فتح بيت المقدس، ففتح بيت المقدس ولم يرق فيها من الدماء إلا بقدر الضرورة، بينما حينما دخلها الصليبيون غاص الناس في الدماء إلى الركب، قتلت الآلاف وعشرات الآلاف، ولكن هذا هو الإسلام، فإن المسجد الأقصى حينما كان الإسراء لم يكن هناك مسجد مشيد، كان هناك مكان للمسجد، كما قال تعالى" وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت" فقوله إلى المسجد الأقصى بشارة بأن المكان سيتحول إلى مسجد وهو أقصى بالنسبة إلى أهل الحجاز، ومعنى هذا أن الإسلام سيمتد وسيأخذ هذا المكان الذي تسيطر عليه الإمبراطورية الرومية، كان هذا بشارة للمسلمين أن دينهم سيظهر وأن دولتهم ستتسع، وأن ملكهم سيمتد وسيكون هناك مسجد أقصى، وقد كان، ودخل المسلمون القدس في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد أبى بطريرك القدس سيفرنيوس أن يسلم مفتاح المدينة إلا لخليفة المسلمين.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.