رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

السبت 27 أبريل 2024 5:04 ص توقيت القاهرة

الدكرورى يكتب عن رحلة الإسراء والمعراج " الجزء الخامس عشر "

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الخامس عشر مع رحلة الإسراء والمعراج، وكان هذا بشارة للمسلمين أن دينهم سيظهر وأن دولتهم ستتسع، وأن ملكهم سيمتد وسيكون هناك مسجد أقصى، وقد كان، ودخل المسلمون القدس في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد أبى بطريرك القدس سيفرنيوس أن يسلم مفتاح المدينة إلا لخليفة المسلمين، فقد أبى أن يسلمها للقادة العسكريين، وقال أريد الخليفة بنفسه، وجاء أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في رحلة تاريخية شهيرة مثيرة وتسلم مفتاح المدينة، وكتب عهدا الذي يسمى العهدة العمرية، عهدا لهؤلاء أن يأمنوا على أنفسهم وأموالهم وذراريهم ومعابدهم وشعائرهم وكل ما يحرص الناس عليه، وشرط اشترطوه ألا يساكنهم فيها أحد من اليهود، وحينما دخل المسلمون إلى القدس لم يكن فيها يهودي واحد فقد أزال الرومان من سنة مائة وخمسة وثلاثون ميلادية الوجود اليهودي تماما ولذلك لم يأخذ المسلمون القدس من اليهود أو من الإسرائيليين إنما أخذوها من الرومان، وقبل ذلك زالت الدولة اليهودية على يد البابليين، وبعد ذلك زال الوجود اليهودي نفسه على يد الرومان وزالت الدولة اليهودية منذ أكثر من خمسة وعشرون قرنا، وكان ذلك سنة ربعمائة وسته وثمانون قبل الميلاد، والآن اليهود يقولون نحن أصحاب القدس ولنا حق تاريخي، فأين هذا الحق؟ نحن أصحاب هذا الحق، فإن القدس سكنها العرب، من القديم، اليبوسيون والكنعانيون قبل الميلاد بثلاثين قرنا، ثم أخذها المسلمون من أربعة عشر قرنا، أو يزيد، فأين حقكم؟  

فيجب علينا جميعا أن نعلم أن الله تبارك وتعالى معنا وأن الله ناصرنا وأنه مظهر دينه على الدين كله، وأنه عز وجل ناصر الفئة المؤمنة، وكما روى الإمام أحمد والطبرانى عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من جابههم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، قالوا يا رسول الله وأين هم؟ قال ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس" ولقد كرّم الله عزوجل رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بهذه المعجزة العظيمة، وكانت وسيلة لتثبيت قلب الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بعد ما لقيه من البلاء، ولهذه الرحلة دروس وأهداف عظيمة أهمها أنه امتلاء قلب النبي صلى الله عليه وسلم باليقين والراحة والثقة بالله سبحانه وتعالى، وذلك بعدما رأى مظاهر قدرة الله عز وجل العظيمة وآثار رحمته سبحانه،  وكذلك توطئة لرحلة الهجرة، ورؤية النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، لشيء من الغيب الذي بلغه للناس، حيث رأى الجنة والنار، ورأى النعيم والعذاب فيهما، فكانت رحلة الإسراء والمعراج تثبيت لمن آمن بالله تعالى، واختبار وتمحيص لمن كان إيمانه ضعيف، وبالتالي يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، المتردد في إيمانه الضعيف فيه، والمؤمن الحق القوي المخلص، فتخلص صفوف المؤمنين من ضعاف الإيمان ويبقى فيه الثابتون الأقوياء لبدء رحلة الهجرة الجديدة، وكذلك شجاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومواجهته للمشركين، حيث جهر بالحق وواجههم بما تنكره عقولهم 

ولا تدركه تصوراتهم، وأيضا تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم وتثبيته فقد بيّن الله عز وجل، أنه ناصره، وجاعل رسالته تمتد حتى تصل إلى بيت المقدس، ومسخرا له الجند من السماء، فكل محنة منحة، وكان ذلك تكريما عظيما لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، حتى تتعادل الصورة في رحلة الإسراء والمعراج كان لا بد لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرى بعض المشاهد من النار، لتكتمل بذلك له رؤية العالم الغيبي ودار الجزاء بشقّيها الجنة والنار، ولكن من المؤكد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدخل النار ليتعرف عليها كما فعل في الجنة، إنما هي فقط الرؤية والنظر من بعيد، أو لعلها مشاهد تجسيمية رآها رسول الله صلى لله عليه وسلم وهو في مكان آخر بعيد تماما عن حر النار وسمومها، وإن سياق بعض الأحاديث يوحي أن رؤية هذه المشاهد المؤلمة من مشاهد النار كان بعد دخول الجنة، حيث جاء ذلك في الرواية نفسها التي ذكرت أمر بلال بن رباح رضي الله عنه، ثم ذكرت اجتماع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، مع ثلاثة من الأنبياء عليهم السلام، فإنها ذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد لقاء موسى وعيسى وإبراهيم عليهم السلام، نظر في النار، وإن بعد كل هذه الأعمال الصالحة من صلاة وصيام وصدقة وجهاد، وغيرها يمكن للسان أن يذهب بكل هذا الخير، ويُورد صاحبه النار، لهذا كانت هذه المشاهد المفجعة التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم في رحلته إلى السماء ومع هذا فمشاهد النار لم تكن كثيرة، فأحد أهداف الرحلة هو إسعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسليته.

ومن ثم كان الانتقال بسرعة لمشهد آخر سعيد، ولكن هل الناس الذين شاهدهم النبى صلى الله عليه وسلم يعذبون أثناء إسرائه مشاهدة حقيقية أم أنها لضرب المثل ؟ وإذا كانت حقيقية فهل هؤلاء الناس من أمة النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أم كانوا من أمم قبلنا ؟ وهل من الممكن أن يكونوا من أمم سابقة وقامت قيامتهم وحوسبوا وأدخلهم الله النار ؟ وإن كانوا من أمة النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فكيف يعذبون والقيامة لم تقم؟ فكل هذه الأسئله تدور فى أذهان الناس، ولقد قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري، وفي هذا الحديث من الفوائد أن الإسراء وقع مرارا يقظة ومناما على أنحاء شتى، وفيه أن بعض العصاة يعذبون في البرزخ، ومما يؤيد ذلك أن الإمام أحمد قد روى حديث النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم" رأيت ليلة أسري بي رجلا يسبح في نهر ويلقم الحجارة فسألت ما هذا؟ فقيل لي آكل الربا" وأما مسألة هؤلاء المعذبين وهل هم من هذه الأمة أم من الأمم السابقة ؟ ففيهم أناس من هذه الأمة قطعا، فعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" رأيت ليلة أسري بي رجالا تقرض شفاههم بمقاريض من نار فقلت يا جبريل من هؤلاء؟ قال هؤلاء خطباء من أمتك، يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون" رواه أحمد والبغوي وحسنه، وصححه الألباني، ولقد قيل أيضا أنه عندما أسري بالنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فى الإسراء والمعراج، قد اصطحب جبريل عليه السلام حبيبنا إلى السماء، فوقف جبريل ولم يكمل، حتى سأله النبي صلى الله عليه وسلم، لماذا توقف؟ 

ثم قال جبريل عليه السلام لكل منا مقام معلوم يا رسول الله، إذا أنت تقدّمت اخترقت، وإذا أنا تقدّمت احترقت، وصار جبريل كالحلس البالي من خشية الله، فتقدم النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، إلى سدرة المنتهى واقترب منها، حتى سمع صرير الأقلام، وسبحان الله، فكيف أن جبريل سيد الملائكة لم يكمل مع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، حتى سمع ما سمع، وفي سوره الحجر قال الله تعالى " وحفظناها من كل شيطان رجيم، إلا من استرق السمع فاتبعه شهاب مبين" وقيل أن جبريل أعلى من الشياطين مكانة، ولم يسمع شيئا، والشياطين تسترق السمع؟ فقيل فى هذا أنه لا علاقة ولا تعارض بين تمكن الشياطين من استراق السمع، وبين ما رُوي أن جبريل عليه السلام لم يتجاوز سدرة المنتهى في السماء السابعة لأن الشياطين إنما تسترق السمع مما تتكلم به الملائكة في السماء الدنيا، بل ما في السحاب، ثم إن أحاديث الإسراء والمعراج مشهورة معلومة بأسانيدها، وليس في شيء منها حسب ما اطلعنا عليه التصريح بما ذكرناه الآن عن جبريل عليه السلام، وإنما ورد في بعض آثار لم نقف على سند لها ما يفيد أن جبريل عليه السلام فارق النبي صلى الله عليه وسلم عند سدرة المنتهى، ومن ذلك ما نقله النووي عن القاضي عياض أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قال" فارقني جبريل وانقطعت عني الأصوات" ومنها كذلك ما حكاه ابن عاشور في تفسيره عن مقاتل في قوله تعالى كما جاء فى سورة الصافات " وما منا إلا له مقام معلوم " وقد قيل أنه إذا كان حساب الناس فى الآخرة قسم إلى الجنة، والآخر إلى جهنم. 

فكيف بالآيات التي تتحدث عن الجنة ونعيمها، كالآية الكريمة " وجاء ربك والملك صفا صفا؟ والرسول صلى الله عليه وسلم في ليلة المعراج مرّ على جهنم، ورأى النساء يعذبن؟ فإنه لا تعارض بين كون الحساب إنما يقع في القيامة، وبين ما رآه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من أصناف المعذبين حين عرضت عليه النار، وذلك أن هذا من أمور الغيب التي يجب تفويض الأمر فيها لله تعالى، وتسليمها له لقصور العقول عن إدراك حقائقها، وقد سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله كيف رأى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أحوال أهل الجنة، وأحوال أهل النار ليلة الإسراء والمعراج، مع أن الساعة لم تقم بعد؟ فأجاب بقوله إن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أخبرنا بذلك وأنه رأى الجنة والنار، ورأى أقواما يعذبون وأقواما ينعمون، والله أعلم بكيفية ذلك، لأن أمور الغيب لا يدركها الحس، فمثل هذه الأمور إذا جاءت يجب علينا أن نؤمن بها كما جاءت، وأن لا نتعرض لطلب الكيفية، ولم؟ لأن عقولنا أقصر وأدنى من أن تدرك هذا الأمر، وقد يقال إنه رآهم وهم يعذبون في البرزخ، وقيل أيضا كيف التقى الرسول صلى الله عليه وسلم، بالأنبياء بالإسراء هل بالأرواح أم بالأجساد وهل رآهم أحد من المصلين في المسجد الأقصى أو حارس المسجد؟ فهو إن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم التقى بالأنبياء ليلة الإسراء والمعراج روحا وجسدا، وصلى بهم كذلك،على الراجح من أقوال أهل العلم، وقد دل على ذلك أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما منها، ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال. 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء، فإذا موسى قائم يصلي، فإذا رجل ضرب جعد كأنه من رجال شنوءة، وإذا عيسى ابن مريم عليه السلام قائم يصلي أقرب الناس به شبها عروة بن مسعود الثقفي، وإذا إبراهيم عليه السلام قائم يصلي أشبه الناس به صاحبكم يعني نفسه صلى الله عليه وسلم، فحانت الصلاة، فأممتهم فلما فرغت من الصلاة قال قائل يا محمد، هذا مالك صاحب النار، فسلم عليه، فالتفت إليه فبدأني بالسلام، وأما عن كيف كان ذلك؟ فهو مما لا إدراك لنا به، وهو من الأمور الغيبية التي يجب التصديق بها من غير شك، فما دام صح الخبر عنه صلى الله عليه وسلم إن قال فقد صدق، وبذلك نال أبو بكر درجة الصديقية لما كذب كفار قريش بحادثة الإسراء والمعراج، وعليه، فلا حاجة لنا لمعرفة هل رآه حارس المسجد أو غيره من المصلين أو لا ؟ لاسيما وأن الموجود إنما هو سور وليس بناء المسجد الموجود اليوم، ولا يؤثر ذلك على تصديقنا مع أنه يبعد أن يكون للمسجد حراس في ذلك الزمان، كما يحتمل عدم وجود مصلين في هذا الوقت المتأخر من الليل في المسجد وهو وقت الإسراء، وفى النهاية فإن الإسراء قد نص عليه القرآن في سورة الإسراء، وجاءت أحاديث كثيرة تدل عليه، وقد ذكر الطبري وابن كثير والبغوي في تفاسيرهم كثيرا منها، وذهب إلى القول بكونه أسري بجسده صلى الله عليه وسلم يقظة ليلة الإسراء وعرج به إلى السماء جمهور أهل العلم، ورجحه كثير من أعلام المفسرين وعلى رأسهم الطبري وابن العربي وابن كثير والبغوي والبيضاوي، وقال القرطبى أنه ثبت الإسراء في جميع مصنفات الحديث، وروي عن الصحابة في كل أقطار الإسلام فهو من المتواتر بهذا الوجه, وذكر النقاش ممن رواه عشرين صحابيا.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.