رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الأربعاء 24 أبريل 2024 12:52 م توقيت القاهرة

الدكرورى يكتب عن شهر رمضان " الجزء الثامن "

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

نكمل الجزء الثامن مع شهر رمضان، إن الطاعات تنقضى مشقتها، ويبقى أجرها، وإن المعاصى تنقضى لذتها، و يبقى إثمها فالبطل ليس الذى يفرح أولا، بل الذى يفرح آخرا، فليست البطولة أن تضحك أولا، وقد قيل من ضحك أولا ضحك قليلا، و من ضحك آخرا ضحك كثيرا، كما قال تعالى فى يورة المطففين" فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون" فإن بطولتك أن تضحك آخرا لا أن تضحك أولا، فإن الطفل حينما يولد كل من حوله يضحك، و هو يبكى وحده، أما إذا وافته المنية كل من حوله يبكى، فإذا كان بطلا ومؤمنا وملتزما ومستقيما ومحسنا ضحك وحده، فيقول تعالى كما جاء فى سورة يس " قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومى يعلمون" إذن فإن للصائم فرحتان يفرحهما، وهى صبيحة العيد، تأكل كما كنت تأكل قبل رمضان، طعام فطور، وطعام غداء، وطعام عشاء، عدت إلى طبيعتك، وقد كسبت أجر الصيام والقيام، وقد ارتقيت إلى الله عز وجل، أما الذى أفطر فى رمضان فيأكل فى العيد مع بقية الناس.

ولكنه يأكل وقد فرط بهذه العبادة العظيمة التى لا يعدلها صوم الدهر لو صامه، فإن شهر رمضان هو شهر التدريب على التقوى، ولقد أراد الله عزوجل فى هذا الشهر الكريم أن نتقي الله عزوجل، وأن نألف الطاعات، فأنت في رمضان تغض البصر، فيجب عليك أن تغضه فى رمضان وفى غير رمضان، وإن كنت تائبا تغضه فى رمضان مبدئيا، فإذا ألفت أن تغض البصر ثلاثين يوما هذا الغض يستمر بعد رمضان، وإذا ألفت أن تصلى الفجر في المسجد هذا يستمر بعد رمضان، وإذا ألفت أن تصلى العشاء فى جماعة، فهذه العبادة تستمر بعد رمضان، وإذا ألفت أن تضبط لسانك فى رمضان، فهذا ينبغى أن يستمر بعد رمضان، أى أراد الله أن ينهض بنا فى رمضان، دورة مكثفة، تقوية إرادة، أن تعيش ما يعانيه الفقراء، فالأمر البشرى أحيانا يقول لك أحدهم أنا ضربت عصفورين بحجر فالله عز وجل إذا أمر أمرا فإن مليون هدف يتحقق فى آن واحد، ومن قال لك إن رمضان فقط يقرب الإنسان من الله ؟

فإن شهر رمضان عمليا هو صيانة لأجهزة الجسم، لابد منها فى كل عام مرة، حينما ترتاح الأجهزة من عبء الهضم، وثقل الطعام، فإن النشاط يتجدد، وإن شهر رمضان مدرسة تربوية جامعة للخير، يتلقى فيه المؤمن من العظات البالغة والدروس النافعة ما ينشط من خلالها في عامه كله، جدّا واجتهادا ونشاطا في طاعة الله عز وجل جل، وإن ذلكم الشهر العظيم والموسم الكريم، موسم مبارك، يتلقى فيه المؤمنون دروسا عظيمة، وعبرا جليلة، وعظات بالغة، ولهذا ينبغى على المؤمن الحريص على سعادة نفسه، وفوزها فى الدنيا والآخرة أن يستفيد حقا من ذلك الموسم الكريم، وأن يستفيد من عبره ودروسه، وعظاته التى لا تعد ولا تحصى، وألا يكون حظه من ذلك الشهر بما أداه فيه من طاعة، وقام فيه من عبادة، بل ينبغى عليه أن يكون متلقيا لتلك الدروس العظيمة، والعبر والعظات التي يتلقاها المؤمن المجد فى موسم الخير، وشهر الفضل شهر رمضان المبارك، وإن من دروس شهر رمضان العظيمة.

هو أن يعلم المسلم أن وجوب الصيام عن الطعام والشراب، وسائر المفطرات محله شهر رمضان، وأما الصيام عن الحرام، فمحله طيلة عمر الإنسان، فالمسلم يصوم في أيام شهر رمضان عن الحلال والحرام، ويصوم طيلة عمره وأيام حياته عن الحرام، وذلك أن الصوم فى اللغة هو الإمساك عن الشيء، فامتناع العين واللسان، والأذن واليد، والرجل والفرج عما مُنعت منه من الحرام هو صيام من حيث اللغة، وهو واجب على المسلم مدة حياته وطول عمره، وإن الله سبحانه وتعالى لما تفضل على عباده بهذه النعم العظيمة، العين واللسان والأذن واليد، والرجل والفرج، أوجب عليهم استعمالها فيما يرضيه، وحرم عليهم استعمالها فيما يسخطه، ومن أعظم شكر الله على هذه النعم أن يكون المسلم مستعملا لها حيث أمر أن يستعملها فيه، ممتنعا عن استعمالها في معصية من تفضل بها، وهو الله سبحانه وتعالى فالعين شُرع استعمالها فى النظر إلى ما أحل الله، ومنع من استعمالها في النظر إلى الحرام، وامتناعها عن ذلك صيامها وحكمه مستمر دائم.

والأذن شُرع استعمالها فى استماع ما أبيح لها، وحُرم على العبد استعمالها في سماع ما لا يجوز سماعه، وامتناعها عن ذلك صيامها وحكمه مستمر دائم، واليد شُرع استعمالها في تعاطي ما هو مباح، ومُنع من استعمالها في كل حرام، وامتناعها عن ذلك صيامها وحكمه مستمر دائم، والرجل شُرع استعمالها في المشي في كل خير، ومنع من المشي فيها إلى الحرام، وامتناعها من ذلك صيامها وحكمه مستمر دائم، والفرج أبيح استعماله في الحلال، ومنع من استعماله في الحرام، وامتناعه من ذلك صيامه وحكمه مستمر دائم، ولقد وعد الله تعالى من أدّى شكر هذه النعم واستعملها حيث أمر الله أن تستعمل وعده بالثواب الجزيل، والأجر العظيم، والخير الكبير في الدنيا والآخرة، وتوعّد سبحانه من لم يحافظ عليها، ولم يراع ما أريد استعمالها فيه، بل أطلقها فيما يسخط الله ولا يرضيه توعّده بعقابه، وأخبر سبحانه وتعالى أن هذه الجوارح مسؤولة يوم القيامة عنه, وهو مسؤول عنها، فقال الله تعالى كما جاء فى سورة الإسراء.

" ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا" وقال تعالى أيضا كما جاء فى سورة يس " اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون" وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل رضى الله عنه بعد أن أمره بحفظ لسانه، وقال له معاذ يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بم نتكلم به؟ قال عليه الصلاة والسلام " ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس على وجوههم، أو قال على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم" رواه الترمذى، وعن سهل بن سعد رضى الله عنه قال صلى الله عليه وسلم " من يضمن لي ما بين لحييه، وما بين رجليه، أضمن له الجنة" رواه البخارى، وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال صلى الله عليه وسلم" من وقاه الله شر ما بين لحييه، وما بين رجليه دخل الجنة" وعن أبى هريرة رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرا أو ليصمت" رواه البخارى ومسلم، وعن أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه قال.

قال صلى الله عليه وسلم "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" رواه البخارى ومسلم، وروى أن النبى الكريم صلى الله عليه وسلم قال " إن المفلس من أمتى من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يُقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح فى النار" رواه مسلم، فلقد دلت هذه النصوص وما جاء في معناها على أن الواجب على العبد أن يصون لسانه وفرجه، وسمعه وبصره، ويده ورجله، أن يصونها عن الحرام، وهو صيام من حيث اللغة، وهذا الصيام لا يختص بوقت دون آخر، بل يجب الاستمرار عليه حتى الممات طاعة لله، وليفوز برضا الله عز وجل وثوابِه، ويسلم من سخطه وعقابه، فإذا أدرك المسلم أنه في شهر الصيام، امتنع عما أحلّ الله له لأن الله حرّم عليه تعاطى ذلك في أيام رمضان، فالعبرة من ذلك، والعظة أن يدرك أن الله قد حرّم عليه الحرام مدة حياته.

 

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.