رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الأحد 28 أبريل 2024 4:32 م توقيت القاهرة

الدكرورى يكتب عن مفهوم التنمية الشاملة " الجزء الخامس عشر "

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الخامس عشر مع مفهوم التنمية الشامله، وقد توقفنا مع مصطلح اللاوعى، وهو العقل الباطن، أن اللاوعى مصطلح في علم النفس لوصف العمليات العقلية والأفكار والتصورات والمشاعر التي تدور في عقول الناس دون إدراك منهم، فمن أطلق العقل الباطن وأراد به هذه الأمور، فلا حرج عليه في ذلك، ولا يلحقه ذم ولا تثريب، من هذا الوجه، بشرط أن تكون تطبيقاته العملية مقبولة، مما يشهد لها العقل والتجربة بالصحة والقبول، وتتوافق مع أصول الشرع، أو على أقل تقدير لا تصادمها، ولا تخرج عن شيء من التصورات والأحكام الشرعية، وقد جرى استعمال هذا المصطلح على ألسنة كثير من الكتاب والمفكرين والمصنفين الإسلاميين، وأما عن الاحتمال الثاني وهو استعمال العقل الباطن على سبيل المفهوم الفلسفي الباطنى، بحيث يكون وسيلة للتواصل مع الوعي الكوني، يستقى منه معارف خاصة، وعلوما غيبية، تماما كما هي نظرية ابن عربى، الذي قرر مفهوم انعكاس العلوم الغيبية ومنها علوم اللوح المحفوظ. 

على النفس الباطنة التي تجردت من عوارض البشرية عبر مجموعة من الخطوات والممارسات، ولا شك أن هذا باب من أبواب فساد الفكر والتصورات، وهي أساس العقائد الباطنية المنحرفة، وسبيل للغواية والضلالة، والإشكال أيضا يتطرق إلى مصطلح العقل الباطن من جهة كثير من التطبيقات العملية عليه، أكثر من المصطلح نفسه، لكن المصطلح غالبا ما يتأثر بفساد الممارسات، على الأقل لدى القطاع المؤمن بتلك الممارسات الخاطئة، فبعض التطبيقات التى يمارسها المنتسبون إلى البرمجة العصبية يشوبها الكثير من المجازفات التى لم يثبتها العلم الحديث، ولم يأت بها الشرع الشريف، كدعوى علاج الأخلاق السيئة والممارسات المشينة في جلسة واحدة يدخل فيها المعالج إلى العقل الباطن فيستل الجزء الباعث على ذلك الخلق السيئ المعين، ويعيد البرمجة من جديد ليستبدل خلقا حسنا مكانه، فكل ذلك بكلام مرسل من غير إثبات تجريبي متزن، كما هي سائر العلوم التجريبية، ولا مستند شرعي مقبول وكذلك دعوى قانون الجذب. 

الذى يمكن العقل الباطن من خلاله تغيير الأشياء من حوله، من غير بذل للأسباب ولا عمل بسنن الكون المعروفة، ونحو ذلك من المبالغات التي لا ننكرها جزافا بقدر ما ندعو المعتقدين بها إلى احترام العقل التجريبي الذى هو شرط الإيمان بالتأثير الكونى، بعد العقل الشرعى، فيعد مفهوم التنمية البشرية من المفاهيم الحديثة التي شاعت في العقود الأخيرة من خلال الدراسات العلمية والتقارير الدولية التى ترصد حياة الإنسان وتسعى إلى إيجاد بيئة أفضل للعيش وممارسة الحياة، وعلى الرغم من حداثة استخدام المفهوم، فإن فكرة التنمية البشرية ليست حادثة على الإنسان بل تمتد بامتداد الوجود الإنسانى ذاته، فالسعي للتنمية والتطور والنماء ملازم لمسيرة الإنسان في حياته، وشكل إحدى الوسائل التي تطورت بها الحياة البشرية على كوكب الأرض، وقد شهدت الحياة البشرية تطورا في مفهوم التنمية البشرية حتى استقر إلى ما وصلت إليه تقارير الأمم المتحدة التي ترصد هذه التنمية منذ خمسينيات القرن الماضى، ولكن مازال هذا العلم.

والقائمين عليه في بلادنا بدائيين إلى حد ما, في أدائهم وفي إيصال رسالتهم, وبطريقة تسويق هذا العلم وإيصال أهميته للمجتمع بشكل عام, ونحن أحوج مانكون إليه, فإن تعريف التنمية البشرية يتطلب منا الإحاطة بمفهوم التنمية أولا باعتبارها الأساس الذي يتم فهم المصطلح من خلاله، فقد تطور تعريف التنمية وتعددت رؤية الباحثين له باختلاف رؤيتهم وتخصصهم واهتمامهم، فبعضهم كان يرى فيه الجانب الاقتصادي، وبعضهم نظر إلى التنمية من جانبها الاجتماعى، إلا أن هذه التعريفات لم تصمد طويلا، إذ سريعا تطور التعريف ليشمل جميع جوانب الحياة الإنسانية، ولذا يصعب إعطاء المفهوم تعريفا محددا لكن يمكننا تحديد مفهوم تنمية الموارد البشرية بأنه عملية واسعة وشاملة ومستمرة ومتعددة الجوانب لتغيير حياة الإنسان وتطويرها إلى الأفضل، وإذا كان الإنسان هو مرتكز التنمية البشرية فإن الإسلام قد سبق كل الرؤى لذلك إذ إن اختيار الإنسان لحمل الرسالة الإسلامية جعله المحور الذي تقوم عليه عملية البناء والتنمية والتطوير. 

فى المجتمعات الإسلامية، فهو الحامل للأمانة التي ذكرها الله سبحانه وتعالى بقوله فى سورة الأحزاب " إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا " وهذا الحمل للأمانة يقتضى استعدادا لدى الإنسان المسلم لذلك، وهو ما تتجه إليه الرؤية الإسلامية لمفهوم التنمية البشرية، فعلى الرغم من أن مصطلح التنمية لم يرد في المصادر الإسلامية، فإن المفهوم حملته مصطلحات أخرى وردت فى القرآن الكريم والسنة النبوية ومن ذلك التزكية، في قوله تعالى فى سورة الشمس " ونفس وما سواها، فألهما فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها" وقد قال الطبرى فى قوله تعالى " قد أفلح من زكاها" أى قد أفلح من زكى نفسه فكثر تطهيرها من الكفر والمعاصي وأصلحها بالصالحات من الأعمال، وقال مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة " من زكاها" أى بمعنى من أصلحها، وقال الشيخ السعدى أى طهر نفسه من الذنوب ونقاها من العيوب ورقاها بطاعة الله. 

وعلاها بالعلم النافع والعمل الصالح، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وعذاب القبر، اللهم آت نفسى تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها " رواه مسلم، والتزكية هنا بمعنى النماء والزيادة والصلاح والطهر، وهى المعانى التي تتضمنها التنمية بمفهومها الإسلامي فليس المقصود هو الزيادة فقط، بل المقصود أن تكون هذه الزيادة صالحة ونافعة، وأيضا من مفهومها هو الإعمار، فقد قال تعالى فى سورة هود " هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفرواه ثم توبوا إليه إن ربى قريب مجيب" وقال ابن كثير فى قوله تعالى "استعمركم فيها" أى جعلكم عُمارا تعمرونها وتستغلونها، وقد شرح القرطبى معنى الأعمار بقوله أى جعلكم عُمارها وسكانها، والاستعمار طلب العمارة، والطلب المطلق من الله تعالى على الوجوب، كما أن "استعمركم فيها" 

أى خلقكم لعمارتها، ولا شك أن عمارة الأرض تتطلب عنصرا فاعلا ومؤثرا وهو الإنسان، إذ لا يمكن أن تتم عملية الإعمار إلا بإنسان قادر ومهيأ بالإيمان والعلم والفكر والمهارة التي تمكنه من القيام بعملية الإعمار، وهذا لب التنمية البشرية التي ترتكز على تطوير الإنسان بجميع مكوناته النفسية والعملية، وأيضا من مفهوم التنميه كما جاء فى القرآن الكريم هو التنشئة، فقال تعالى فى سورة هود " هو أنشأكم من الأرض " وقوله تعالى كما جاء فى سورة المؤمنون " فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون" والتنشئة تأتى بمعنى التربية والزيادة والإيجاد والتنمية، وقال ابن منظور، نشأ ينشأ، وربا وشب، وارتفع، وتقوم تنمية الموارد البشرية في الإسلام على أسس تدور حول الإنسان باعتباره الهدف الرئيسي لعمليات التنمية البشرية وبرامجها المختلفة وتقوم هذه البرامج على عدد من الأسس من أبرزها هو الاستخلاف، فقد اختار الله سبحانه وتعالى الإنسان ليقوم بمهمة الاستخلاف في الأرض.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.