رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

السبت 27 أبريل 2024 7:24 م توقيت القاهرة

الدكرورى يكتب عن مفهوم التنمية الشاملة " الجزء السادس عشر "

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء السادس عشر مع مفهوم التنمية الشامله، وقد توقفنا عند التنمية البشرية، وتقوم تنمية الموارد البشرية في الإسلام على أسس تدور حول الإنسان باعتباره الهدف الرئيسي لعمليات التنمية البشرية وبرامجها المختلفة وتقوم هذه البرامج على عدد من الأسس من أبرزها هو الاستخلاف، فقد اختار الله سبحانه وتعالى الإنسان ليقوم بمهمة الاستخلاف في الأرض، انطلاقا من قوله تعالى كما جاء فى سورة البقرة " وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة" فقد كلف الله سبحانه وتعالى الإنسان بهذه المهمة العظيمة للقيام بدوره في الأرض وهيأ له سبل القيام بهذه المهمة ومكن له في الأرض بقوله تعالى كما جاء فى سورة الأعراف " ولقد مكناكم فى الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون"  وقال الإمام الرازى أى جعلنا لكم فيها مكانا وقرارا ومكناكم فيها وأقدرناكم على التصرف فيها وجعلنا لكم معايش، وهذا الاستخلاف يقتضي قيام الإنسان بدوره كما أمره الله سبحانه وتعالى من خلال تنمية مكونات الإنسان الإيمانية. 

والنفسية والعملية، وهي السمة الأساسية للتنمية البشرية، وأيضا التسخير، فإن الاستخلاف يقتضي التسخير، لأن الإنسان لا يستطيع أن يقوم بمهمته في الأرض دون أن تسخر له كل الإمكانات، وقد يسر له الله سبحانه وتعالى ذلك بتسخير عاملة المخلوقات والكائنات في الأرض للإنسان، فقال تعالى كما جاء فى سورة الملك " ألم تروا أن الله سخر لكم ما فى السموات وما فى الأرض وأسبغ عليكم نعمة ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل فى الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير " وقال تعالى أيضا فى سورة الملك " هو الذى جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور " وإن هذا التسخير يقتض من الإنسان حسن التعامل مع المسخرات، بحيث يحسن استخدامها فيما يرضي الله عز وجل، وفقا للأحكام التي شرعها في التعامل مع المخلوقات والكائنات والطبيعة، وحين انحرف الإنسان عن الالتزام، خالف مهمة التسخير، وهذا ما نجده في سوء الاستخدام للموارد الطبيعية، وللتعامل مع الكائنات المختلفة، فقد اختلت الموازين. 

وانتشرت ظواهر تهدد حياة الإنسان ذاته كالظواهر الطبيعية مثل الاحتباس الحرارى والتغير البيئى وظهور أمراض في الحيوانات والطيور وقد حذر الله سبحانه وتعالى من ذلك بقوله تعالى كما جاء فى سورة الروم " ظهر الفساد فى البر والبحر بما كسبت أيدى الناس ليذيقهم بعض الذى عملوا لعلهم يرجعون " وإن التسخير يقتضى إعداد الإنسان إعدادا جيدا بتنمية مهاراته وقدراته وتصوراته للتعامل مع ما سخر الله تعالى له حتى يستطيع أن يقوم بذلك على الوجه الذى أمر سبحانه وتعالى به، وأيضا المعرفة حتى يقوم الإنسان برسالته التي كلفه الله سبحانه وتعالى بها لابد له من العلم والمعرفة، إذ الجهل حائل دون ذلك، والمعرفة تقتضي الإحاطة بما كلف الإنسان به، فقال تعالى كما جاء فى سورة الزمر " قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب" وقال تعالى كما جاء فى سورة يونس " هو الذى جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله الله ذلك إلا بالحق يفصل الأيات لقوم يعلمون" 

وقال تعالى كما جاء فى سورة البقرة " واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شئ عليم" وتتوالى الآيات القرآنية التى تتحدث عن العلم والمعرفة في إشارة إلى أهمية ذلك في حياة الإنسان، ولذا اعتنى الإسلام بالعلم ودعا إليه، وأمر أتباعه بتعلم كل العلوم النافعة حتى يستطيع المسلم أن يؤدي دوره نحو ربه بإخلاص العبودية وتأدية الواجبات المفروضة، وكذلك بتعمير الحياة، ونفع الناس، وجعل الإسلام العلم مدخلا لمعرفة الله سبحانه وتعالى فقال تعالى فى سورة محمد " فاغلم أنه لا إله إلا الله" وإذا أراد المسلم أن يقوم برسالته في الحياة فلابد له من علم ومعرفة مستمرة ودائمة يتابع خلالها ما استجد من العلوم والمعارف والحاجات، وذلك لا يأتى إلا من خلال تنمية مهاراته وقدراته، فإن غياب العلم والمعرفة يفسح المجال لأن يتقدم الجهل والجهلاء وفي ذلك فساد وإفساد للحياة، وقد حذر النبى صلى الله عليه وسلم من ذلك، فعن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد. 

ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما، اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا" البخارى، وأيضا فإن هناك التخطيط فإن تنمية الموارد البشرية تقوم على التخطيط وحسن التدبير، وذلك يقتضى دراسة الواقع الذي يعيشه الفرد والمجتمعات وتحليله بايجابياته وسلبياته، ووضع الحلول لمعالجة المشكلات ودراسة التوقعات المستقبلية بالمقاييس العلمية واقتراح الرؤى لذلك والإعداد الجيد للبرامج والخطط المستقبلية، وقد أمر الله سبحانه وتعالى بالإعداد في قوله تعالى كما جاء فى سورة الأنفال " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شئ فى سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون" وقد وردت الآية بشأن الحرب، إلا أن دلالتها عامة في وجوب الاستعداد والتخطيط، فإذا كان الأمر يوجب التخطيط للحرب ومواجهة العدو وهو أمر طارئ ومؤقت فإن التخطيط للحياة في غير الحرب واجب كذلك لأنها الفترة الدائمة والممتدة. 

والتي فيها معاش الناس وحياتهم مما يتطلب الاستعداد المبكر لها، وقد علمنا القرآن الكريم أهمية التخطيط في قصة نبى الله يوسف عليه السلام، بقوله تعالى كما جاء فى سورة يوسف " قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه فى سنبله إلا قليلا مما تأكلون " وكما حث النبى صلى الله عليه وسلم على أهمية التخطيط المستقبلي حيث قال " إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس" رواه مسلم، وإذا كان التخطيط لمستقبل الورثة وهم أفراد محدودون مأمور به، فإن التخطيط لمستقبل المجتمعات والشعوب والدول أهم وأكثر حاجة، وأيضا فإن هناك المسؤولية حيث تشكل المسؤولية إحدى الأسس التى تقوم عليها تنمية الموارد البشرية، وإذا كانت مسؤولية الفرد تتطلب منه أن يطور مهاراته ويجدد علمه فإن مسؤولية الدولة تدعوها أن تولي الموارد البشرية أهمية خاصة بحيث توفر لهم سبل التنمية والتطوير والإبداع، فعلى المستوى الفردي تؤكد الآيات الكريمة أهمية المسؤولية الفردية فقد قال تعالى كما فى سورة النجم " وأن ليس للإنسان إلا ما سعى " 

وقد حذر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من الغفلة عن المسؤولية الفردية فقال صلى الله عليه وسلم "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيما فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن جسمه فيما أبلاه " رواه  الترمذى، أما على مستوى المسؤولية العامة أو مسؤولية الدولة، فقد أخبر النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك في الحديث الذي يرويه ابن عمر رضي الله عنهما حيث قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذى على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " رواه مسلم، ولذا فإن اهتمام الدولة بتنمية الموارد البشرية يأتي ضمن مسؤوليتها العامة، وكذلك أيضا العمل حيث هو المحور الذى تدور عليه عملية تنمية الموارد البشرية.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.