رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الخميس 2 مايو 2024 3:36 ص توقيت القاهرة

الدكرورى يكتب عن مقابر البقيع

إعداد محمـــد الدكـــرورى

إن المقابر هى دار يسكن فيها الأموات، حيث ينتقلون من خلالها لدار البرزخ، وهى الحياة الوسطيه، فيعذبون ويُنعمون، على قدر أعمالهم، ثم يوم القيامة يبعثون ويساقون لأرض الحشر، ويقضى بينهم، ثم يصيرون للجنة أو النار، فالقبر أول منازل الآخرة، ومقابر البقيع وهى بقيع الغرقد وهي المقبرة الرئيسة لأهل المدينة المنورة منذ عهد الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وهى من أقرب الأماكن التاريخية إلى مبنى المسجد النبوي الشريف، ويقع في مواجهة القسم الجنوبي الشرقي من سوره.

وقد ضمت إليه أراض مجاورة وبني حوله سور جديد مرتفع مكسو بالرخام، ولا تزال المقبرة قيد الاستخدام حتى الآن، وموضع البقيع يقصد به بقيع الغرقد المنسوب إلى شجر الغرقد وهو يختلف عن بقيع الزبير وبقيع الخيل وبقيع الخبجبة وبقيع الخضمات، وتعتبر مقبرة البقيع التي يعود تاريخها إلى العصر النبوي قبل أكثر من ألف وربعمائه سنة، هى أشهر مقبرة في العالم لوقوعها قرب المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة، الذي يزوره ملايين المسلمين سنويا، للصلاة فيه. 

ثم يقومون بزيارة قبور بقيع الغرقد، للسلام على صحابة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، الذين دفنوا فيه، وتبلغ مساحته الحالية مائة وثمانين ألف متر مربع، يضم بقيع الغرقد رفات الآلاف المؤلفة من أهل المدينة ومن توفي فيها من المجاورين والزائرين أو نقل جثمانهم على مدى العصور الماضية، وفي مقدمتهم الصحابة الكرام، ويروى أن عشرة آلاف صحابي دفنوا فيه، ومنهم ذو النورين عثمان بن عفان ثالث الخلفاء الراشدين وأمهات المؤمنين زوجات النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم. 

ما عدا السيده خديجة بنت خويلد والسيده ميمونة بنت الحارث، كما دفن فيه ابنته فاطمة الزهراء، وابنه إبراهيم، وعمه العباس، وعمته صفية، وزوجته عائشة بنت أبي بكر الصديق، وحفيده الحسن بن علي، وكذلك علي بن الحسين ومحمد الباقر وجعفر الصادق، وكان عندما وصل النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، المدينة المنورة من مكة المكرمة ، كان البقيع أرض مغطاة بأشجار الغرقد، وأثناء بناء المسجد النبوي الشريف، على الموقع الذي تم شراؤه من اثنين من الأطفال الأيتام عند وصوله بعد هجرته صلى الله عليه وسلم

من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، وكان أسعد بن زرارة واحدا من صحابة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وقد مات أسعد، فاختار النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، الموقع على الفور ليكون مقبرة، وكان أسعد أول فرد يدفن في البقيع بين الأنصار، وبينما كان النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، خارج المدينة المنورة في غزوة بدر، شعرت ابنته رقية بالوعكة وتوفيت، بعد فترة وجيزة وصل النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، من بدر، فكانت رقية ابنة النبي من أوائل من دفن فيها، لتتخذ منذ ذلك الحين مقبرة نبوية

وتتوالى دفن الصحابة فيها إلى أن ضاقت بهم بعد وفاة الخليفة عثمان بن عفان، وتوفي عثمان بن مظعون ودفن في البقيع واعتبر أنه الرفيق الأول من أصحاب النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، من المهاجرون الذي دفن في المقبرة، وقد دفن الخليفة عثمان بن عفان في مكان قريب من البقيع وقد اشتراه من رجل أنصاري يدعى "كوكب" وقد تم التوسيع الأول للبقيع في التاريخ من قبل معاوية بن أبي سفيان، وهو أول الخلفاء الأمويين، من أجل تكريم عثمان بن عفان، وتم لمعاوية إضافتها إلى مقبرة البقيع. 

وقد اكتسبت مقبرة البقيع أهميتها وقدسيتها للآثار الواردة عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، حيث ثبتت زيارته لها والدعاء لأهلها، كما جاء في الحديث النبوي، "إن جبريل أتاني فأجبته، فقال: إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم" ، ومنذ ذلك الحين أصبحت زيارة البقيع جزءًا أساسيًا، من طقوس زيارة المدينة المنورة، بعد زيارة المسجد النبوي الذي ضم غرفة السيدة عائشة رضى الله عنها، التي دفن فيها النبي وصاحبيه أبوبكر وعمر ثم ألحقت بالمسجد النبوي في عهد الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان.

وعن محمد بن قيس بن مخرمة بن المطلب أنه قال: سمعت عائشة تحدث فقالت: ألا أحدثكم عن النبي صلى الله عليه وسلم وعني؟ قلنا: بلى قالت: لما كانت ليلتي التي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيها عندي انقلب، فوضـع رداءه، وخلع نعله، فوضعها عند رجليه، وذكرت قصة خروجه إلى البقيع ثم قالت: فجعلت درعي في رأسي، واختمرت، وتقنعت إزاري، ثم انطلقت على إثره حتى جاء البقيع، فقام، فأطال، ثم رفع يده ثلاث مرات، ثم انحرف، وذكرت قصة عودتها قبله، وفيه قال النبي: " فإن جبريل أتاني فأجبته. 

فقال: إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم "، قالت عائشة: كيف أقول لهم يا رسول الله ؟ قال: " قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون" وتعتبر "البقيع" مقبرة للمشاهير في العالم الإسلامي، ففضلا عن مشاهير الصحابة، وآل بيت النبي الكرام الذين دفنوا فيها، ضمت كذلك مشاهير من القرن العشرين، مثل السلطان عبدالمجيد الثاني، آخر سلطان عثماني ، وملك ليبيا محمد إدريس السنوسي. 

وكذا شيخ الأزهر الراحل محمد سيد طنطاوي، وإضافة إلى المفكر الإسلامي المصري محمد الغزالي، وتشرف على البقيع أمانة المدينة المنورة، التي توفر فيها كافة الخدمات، منها تجهيز أكبر مغسلة أموات في العالم، بسبب الضغط الذي تشهده المقبرة خاصة في مواسم الحج والعمرة، كما تقدم فيها الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على المقبرة لتقديم الإرشادات والنصح للزائرين، إضافة إلى وضع العديد من اللوحات الإرشادية داخل المقبرة ومتابعة الجنائز.

وفى النهايه نقول أن مقبرة البقيع مكان غني عن التعريف، فالزائر للمدينة المنورة لا بد من أن يزور هذا المكان، ويدعو لأهله بالرحمة والغفران، وسُمّي البقيع بهذا الاسم نسبة إلى نبات بقيع الغرقد، أو نبات العوسج الذي كان ينتشر في تلك البقعة، وتقع مقبرة البقيع جنوب شرق سور المسجد النبوي الشريف، وكانت المقبرة الرئيسية لأهل المدينة، فطول المقبرة لا يتجاوز الثمانين متراً، فكانت تحيط بها المزارع من الشرق والجنوب والشمال، وفي عهد الإسلام أمر الله تعالى رسوله بأن تكون مقبرةً للمسلمين. 

وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن هذه القبور ممتلئة على أهلها ظلمة، وإن الله ينوّرها لهم بصلاتي عليهم" ولقد انتشر بين الناس هجران المقابر، فلا يكاد البعض من الناس يدخل المقابر إلا أن يموت أحد أقاربه، فيضطر للذهاب، والبعض من الناس تجده يذهب للمقابر لدفن قريب له، وتجد منهم الأحاديث الجانبية والضحكات التي تدل على الغفلة وعلى تبلد الإحساس، بل ربما تكلموا في البيع والشراء، وهذا خلاف الهدي النبوي، وخلاف ما كان عليه سلف الأمة من الصحابة ومن بعدهم. 

حيث كان للمقابر نصيب في وقتهم، بل كان بعضهم يمر بالمقابر يوميا قال الثوري: عمرو بن قيس هو الذي أدَّبني، وعلمني قراءة القرآن والفرائض، وكنت أطلبه في سوقه، فإن لم أجده ففي بيته، إما يصلي، أو يقرأ في المصحف، كأنه يبادر أمرًا يفوته، فإن لم أجده وجدته في مسجده قاعدًا يبكي، وأجده في المقبرة ينوح على نفسه ".

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.