رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الأحد 28 أبريل 2024 12:03 ص توقيت القاهرة

الدكروري يكتب عن الإمام إبن ناصر الدين الدمشقي " جزء 2"

بقلم / محمـــد الدكـــروري   

ومن مؤلفاتة هو بديعة البيان، أرجوزة في التراجم، على طريقة مبتكرة في تواريخ الوفيات، والسراق والمتكلم فيهم من الرواة، وكشف القناع عن حال من ادعى الصحبة أو له اتباع، والإعلام بما وقع في مشتبه الذهبي من الأوهام، وسلوة الكئيب بوفاة الحبيب، وإتحاف السالك برواة المرطأ عن الإمام مالك   السيرة الذاتية والعلمية للحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي، وكان ابن ناصر الدين الدمشقي من أكابر علماء عصره، وشهد له العلماء بالفضل، وأثنوا عليه ثناء حسنا، وذلك لغزارة مؤلفاته وعلمه، وقال ابن حجر، وسمع من شيوخنا وممن مات قبل أن أرحل من الدمشقيين، وأكثر، ثم لما خلت الديار من المحدثين صار هو محدث تلك البلاد، وأجاز لنا غير مرة، وشارك في العلوم ونظر في الأدب حتى نظم الشعر الوسط، وقال التقي ابن فهد المكي وهو تلميذه وصاحبه، وهو أبقاه الله تعالى مُكثر سماعا، كبير المداراة، شديد الاحتمال، حسن السيرة. 

لطيف المحاضرة والمحادثة لأهل مجالسه، قليل الوقيعة في الناس، كثير الحياء، قل أن يواجه أحدا بما يكره ولو آذاه، إمام حافظ مجيد، وفقيه مؤرخ مفيد له الذهن السالم الصحيح، برز على أقرانه وتقدم، وأفاد كل من إليه يمم، وكما قال ابن تغري وسمع الكثير وطلب الحديث ودأب وحصل وكتب وصنف وصار حافظ دمشق ومحدثها إلى أن مات، وكما قال السخاوي أتقن هذا الفن، أي علم الحديث حتى صار الـمُشار إليه فيه ببلده وما حولها، وخرّج وأفاد، ودرّس وأعاد، وأفتى وانتقى، وتصدّى لنشر الحديث، فانتفع به الناس، وحدث بالكثير في بلده وحلب وغيرها من البلاد بل حدث هو وشيخنا ويقصد ابن حجر العسقلاني  معا في دمشق، فكان إماما علامة حافظا كثير الحياء سليم الصدر حسن الأخلاق دائم الفكر متواضعا محببا إلى الناس حسن البشر والود لطيف المحاضرة والمحادثة، وكما قال السخاوي. 

وقد سئل شيخنا أي ابن حجر العسقلاني رحمه الله عنه وعن البرهان الحلبي فقال ذلك نظره قاصر على كتبه، وأما هذا فيحوش، وأثنى عليه في غير موضع، فقرأت بخطه كتب إليّ الشيخ الإمام العالم الحافظ مفيد الشام فذكر شيئا، وفي موضع آخر الشيخ الإمام المحدث حافظ الشام، ونقل عن البرهان الحلبي إبراهيم بن محمد بن خليل ابن سبط العجمي أنه قال الشيخ الإمام المحدث الفاضل الحافظ، وقد اجتمعت به، فوجدته رجلا كيّسا متواضعا من أهل العلم، وهو محدّث دمشق وحافظها نفع الله به المسلمين، وكما نقل عن ابن خطيب الناصرية أنه قال رأيته إنسانا حسنا، محدثا فاضلا، وهو محدث دمشق وحافظها، وكما نقل عن المحب بن نصر الله فقال فيما قرأته بخطه ولم يكن بالشام في علم الحديث آخر مثله ولا قريب منه وممن أخذ عنه التقي بن قندس وتلميذه العلاء المرداوي، وقال الإمام الحافظ، الناقد الجهبذ، المتقن، حافظ عصره. 

وراوية زمانه وعلامته له التصانيف الحسنة والنظم المتوسط، وقال السخاوي في تواضعه ويمشي هو معهم أي شيوخ بلده إلى السماع عليهم مع كونه هو المرجع في هذا الشأن وربما قرأ لهم هو ثم ختم السخاوي فقال اتفقوا على توثيقه وديانته، وكما قال الشوكاني وأتقن فن الحديث واشتهر به حتى صار المشار إليه فيه ببلده وما حولها واستفاد منه الناس وصنف التصانيف، وقال أيضا وبالجملة فكان صاحب الترجمة إماما حافظا مفيدا للطلبة وقد أثنى عليه جماعة من معاصريه كابن حجر والبرهان الحلبي والمقريزي، وكان ابن ناصر الدين الدمشقي من أصحاب الخـط الحسن الجميل، فقال التقي ابن فهد له الخط الجيد المليح على طريقة أهل الحديث النبوي المحاكي لخط الحافظ الذهبي، كتب به الكثير، وعلق وحشّى، وزاد السخاوي بحيث بيع بعض الكتب التي بخطه، ورغب المشتري فيه لظنه أنه خط الذهبي، ثم بان الأمر.

وكتب به الكثير راغبا في إفادة الطلبة شيوخ بلده، وكان رحمه الله شافعي المذهب، وذكر ذلك كل من ترجم له، وقيل كان حنبليا وذكره ابن العماد، ولم يكن متعصبا لمذهبه فقد كان يأخذ مـن المذاهب الأخرى بدليل أن شيوخه كان منهم الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي، وذكره في طبقات الشافعية تلميذه محمد بن أحمد الغزي، وكما مر في ترجمة ابن ناصر الدين الدمشقي أنه كانت له رحلات علمية واسعة، وهذا يعني أنه أكثر عن الأخذ من الشيوخ، فقد ذكرت المصادر في ترجمته ما يزيد على الثمانين شيخا، وعندما تصدى ابن ناصر الدين الدمشقي للتدريس في دار الحديث الأشرفية وللإمامة والخطابة ودروس العلم كان من الطبيعي أن يكون له تلاميذ تلقوا عنه، على أن أغلب المصادر التي ترجمت له اقتصرت على ذكر شيوخه ولم تذكر تلامذته، ولكن كان له تلاميذ وتم ذكرها في بعض المصادر، وكما ازدهرت حركة التأليف في عصر المماليك.

وتسابق العلماء إلى تصنيف الكتب وشمّروا عن ساعد الجد وتركوا لنا تراثا غنيا في كافة العلوم، وقد ترك لنا الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي مصنفات كثيرة زادت على سبعين مؤلفا، منها ما هو في الحديث، ومنها ما هو في التراجم، ومنها ما هو في التصوف وغير ذلك، وكما اتفقت المصادر التي ترجمت له على سنة وفاته وهي سنة ثماني مائة واثنين وأربعين من الهجرة، واختلفت في اليوم الذي توفي فيه، فقال السخاوي مات في ربيع الثاني على المعتمد سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، وقيل في ليلة الجمعة السادس عشر من ربيع الثاني، وقيل السابع عشر من ربيع الثاني، وقيل الثامن عشر من شهر من ربيع الثاني، وقيل الثامن والعشرين شهر ربيع الآخر، وذلك في دمشق صبيحة يوم الجمعة عندما خرج مع جماعة لقسم قرية من قرى دمشق فسمّهم أهلها وحصلت له الشهادة، وصُلي عليه في جامع التوبة، ودفن بمقابر العقيبة، عند والده، ولم يخلف في هذا الشأن بالشام بعده مثله، بل سُد الباب هناك رحمه الله رحمة واسعة وأدخله فسيح جناته.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.