رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الأحد 28 أبريل 2024 12:33 ص توقيت القاهرة

الدكروري يكتب عن الإمام ابن القاسم

 

بقلم / محمـــد الدكـــروري 

 

الإمام ابن القاسم عالم الديار المصرية ومفتيها أبو عبد الله العتقي مولاهم المصري صاحب مالك الإمام، هو أبو عبد الله عبد الرحمن بن القاسم بن خالد بن جنادة، صحب الإمام مالك عشرين عاما، وقد كان ابن القاسم من تلاميذ الإمام مالك المخلصين، يسمع من شيخه، ويحفظ جيدا، ويعمل بنصحه، فقد قال له مالك ذات يوم اتقي الله وعليك بنشر العلم، وكان ابن القاسم أعلم تلاميذ مالك بن انس بعلمه، وآمنهم عليه، وكان رجلا زاهدا تقيا عزوفا عن الحكام لا يقبل جوائزهم ولا هداياهم وكان يردد دائما هذه المقولة "ليس في قرب الولاة، ولا في الدنو منهم خيرا" وبعد موت مالك انتفع أصحاب مالك بابن القاسم، وهو صاحب المدونة الكبرى في المذهب المالكي، وهي من أفضل كتبهم، والحق أن ابن القاسم كان الحجة الأولى في مذهب مالك حتى إن زميله عبد الله بن وهب وهو أطول التلاميذ صحبة لمالك يقول عنه إذا أردت هذا الشأن. 

 

وهو يعني الفقه عند الإمام مالك، فعليك بابن القاسم فإنه انفرد به وشُغلنا بغيره، وترجم له الإمام ابن ناصر الدين في كتابه إتحاف السالك برواة الموطأ عن الإمام مالك، بأن عبد الرحمن بن القاسم أصله من الشام، من مدينة الرملة، وسكن مصر، والرملة هي مدينة عظيمة بفلسطين وكانت رباطا للمسلمين، وسبب تسميتها الرملة لما غلب عليها الرمل، وبينها وبين القدس ثمانية عشر ميلا، ومدينة الرملة واسطة بلاد فلسطين وهي مدينة مسورة ولها اثنا عشر بابا، وتقع اليوم في فلسطين المحتلة يسكنها يهود وفلسطينييون بين يافا والقدس، وكان من كبار المصريين وفقهائهم، وجده مولي زبيد بن الحارث العتقي وذلك نسبة إلي العتقاء وهم جماع من عدة قبائل، والعتقاء جماع من عدة قبائل وليسوا قبيلة واحدة منهم من حجر حمير، ومن سعد العشيرة، ومن كنانة مضر وغيرهم، وعامتهـم بمصر، وكانت هذه القبائل يقطعون الطريق. 

 

على من أراد النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث إليهم، فأتي بهم أسرى، فأعتقهم، فقيل لهم العتقاء، وذكر السمعاني قول النبي صلى الله عليه وسلم فيهم " الطلقاء من قريش والعتقاء من ثقيف، بعضهم أولياء بعض في الدنيا والآخرة والمهاجرون والأنصار بعضهم أولياء بعض في الدنيا والآخرة، وروى الإمام ابن القاسم عن مالك وعبد الرحمن بن شريح ونافع بن أبي نعيم المقرئ وبكر بن مضر وطائفة قليلة، وكما روي عنه أصبغ والحارث بن مسكين وسحنون وعيسى بن مثرود، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، وآخرون، وكان ذا مال ودنيا، فأنفقها في العلم وقيل كان يمتنع من جوائز السلطان وله قدم في الورع والتأله، وقال النسائي عنه أنه ثقة مأمون، وقال الحارث بن مسكين سمعته يقول اللهم امنع الدنيا مني، وامنعني منها، وعن مالك أنه ذكر عنده ابن القاسم فقال عافاه الله مثله كمثل جراب مملوء مسكا، وقيل إن مالكا سئل عنه وعن ابن وهب؟ 

 

فقال ابن وهب رجل عالم وابن القاسم فقيه، وعن أسد بن الفرات قال كان ابن القاسم يختم كل يوم وليلة ختمتين، وقال فنزل بي حين جئت إليه عن ختمة رغبة في إحياء العلم، وبلغنا عن ابن القاسم قال خرجت إلى الحجاز اثنتي عشرة مرة وأنفقت في كل مرة ألف دينار، وعن ابن القاسم قال ليس في قرب الولاة ولا في الدنو منهم خير، وعن أحمد ابن أخي ابن وهب قال حدثنا عمي قال خرجت أنا وابن القاسم بضع عشرة سنة إلى مالك ، فسنة أسأل أنا مالكا، وسنة يسأله ابن القاسم وروى الحارث بن مسكين عن أبيه قال كان ابن القاسم وهو حدث في العبادة أشهر منه في العلم، ثم قال الحارث وكان في ابن القاسم العبادة والسخاء والشجاعة والعلم والورع والزهد، وكما قال محمد بن وضاح أخبرني ثقة ثقة، وعن علي بن معبد، قال رأيت ابن القاسم في النوم فقلت كيف وجدت المسائل ؟ فقال أف أف، قلت فما أحسن ما وجدت ؟ قال الرباط بالثغر.

 

قال ورأيت ابن وهب أحسن حالا منه، وقال سحنون رأيته في النوم فقلت ما فعل الله بك ؟ قال وجدت عنده ما أحببت قلت فأي عمل وجدت ؟ قال تلاوة القرآن، قلت فالمسائل ؟ فأشار يلشيها، وسألته عن ابن وهب، فقال في عليين، قال الطحاوي بلغني عن ابن القاسم قال ما أعلم في فلان عيبا إلا دخوله إلى الحكام، ألا اشتغل بنفسه ؟ وقال سعيد بن الحداد سمعت سحنون يقول كنت إذا سألت ابن القاسم عن المسائل يقول لي يا سحنون أنت فارغ إنى لأحس في رأسي دويا كدوي الرحى، يعني من قيام الليل، قال وكان قلما يعرض لنا إلا وهو يقول اتقوا الله فإن قليل هذا الأمر مع تقوى الله كثير، وكثيره مع غير تقوى الله قليل، وعن سحنون قال لما حججنا كنت أزامل ابن وهب وكان أشهب يزامله يتيمه وكان ابن القاسم يزامله ابنه موسى فكنت إذا نزلت ذهبت إلى ابن القاسم أسائله من الكتب وأقرأ عليه إلى قرب الرحيل فقال لي ابن وهب وأشهب لو كلمت صاحبك يفطر عندنا.

 

فكلمته فقال إنه ليثقل علي ذلك قلت فبم يعلم القوم مكاني منك ؟ فقال إذا عزمت على ذلك فأنا أفعل فأتيت فأعلمتهما فلما كان وقت التعريس قام معي فأصبت أشهب وقد فرش أنطاعه، وأتى من الأطعمة بأمر عظيم وصنع ابن وهب دون ذلك فلما أتى عبد الرحمن، سلم وقعد ثم أدار عينه في الطعام، فإذا سكرجة فيها دقة فأخذها بيده فحرك الأبزار حتى صارت ناحية ولعق من الملح ثلاث لعقات وهو يعلم أن أصل ملح مصر طيب ثم قام وقال بارك الله لكم واستحييت أن أقوم قال فتكلم أشهب وعظم عليه ما فعل قال له ابن وهب دعه، دعه وكنا نمشي بالنهار ونلقي المسائل فإذا كان في الليل قام كل واحد إلى حزبه من الصلاة، فيقول ابن وهب لأصحابه ما ترون إلى هذا المغربي يلقي المسائل بالنهار وهو لا يدرس بالليل ؟ فيقول له ابن القاسم هو نور يجعله الله في القلوب، قال ونزلنا بمسجد ببعض مدائن الحجاز فنمنا فانتبه ابن القاسم مذعورا. 

 

فقال لي يا أبا سعيد رأيت الساعة كأن رجلا دخل علينا من باب هذا المسجد ومعه طبق مغطى وفيه رأس خنزير، أسأل الله خيرها فما لبثنا حتى أقبل رجل معه طبق مغطى بمنديل وفيه رطب من تمر تلك القرية فجعله بين يدي ابن القاسم وقال كل، قال ما إلى ذلك من سبيل، قال فأعطه أصحابك قال أنا لا آكله أعطيه غيري فانصرف الرجل فقال لي ابن القاسم هذا تأويل الرؤيا وكان يقال إن تلك القرية أكثرها وقف غصبت، وقال الحارث بن مسكين كان ابن القاسم في الورع والزهد شيئا عجيبا، وعن ابن القاسم عن بكر بن مضر عن عمرو بن الحارث عن يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لو لبثت في السجن مثل ما لبث يوسف ثم جاءني الداعي لأجبته الحديث" وعن سحنون قال أخبرني عبد الرحمن بن القاسم عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج. 

 

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "قال الله إذا أحب عبدي لقائي أحببت لقاءه، وإذا كره لقائي كرهت لقاءه" وعن عبد الرحمن بن القاسم عن مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة ثم يضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن فيصلي ركعتين خفيفتين" رواه مسلم، وقال أبو سعيد بن يونس ولد ابن القاسم سنة اثنتين وثلاثين ومائة وتوفي في شهر صفر سنة إحدى وتسعين ومائة رحمه الله عاش تسعا وخمسين سنة، وقيل توفي رحمة الله بمصر ليلة الجمعة لتسع خلون من شهر صفر سنة إحدى وتسعين ومائة، بعد قدومه من مكة.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.