رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الجمعة 3 مايو 2024 11:36 م توقيت القاهرة

الدكروري يكتب عن الإمام محمد الغزالي " جزء 5"

 

بقلم / محمـــد الدكـــروري  

 

ونكمل الجزء الخامس مع الإمام محمد الغزالي، وترك رحمه الله مكتبة ضخمة من الكتب الفكرية، والدراسات الدعوية التي يجد فيها الناس والدعاة بشكل خاص الفائدة الفكرية، والمتعة الوجدانية، وذلك لما تميزت به هذه الكتب من فخامة في الأسلوب، وبراعة في الإنشاء، وجمال في التعبير، وإن الحديث عن تجربة الشيخ الغزالي الواسعة في مجال الدعوة الإسلامية، وجهوده خلال فترة زمنية زادت على نصف قرن أمر قد تستوعبه أكثر من دراسة علمية متخصصة، ولقد وفق الإمام الغزالي أيما توفيق في التعامل مع الكلمة وطرق أدائها، واختيار الوسائل الخطابية التي تناسب الناس في هذا العصر الذي تنوعت فيه الثقافات، وامتزجت فيه الأفكار، وأصبح التفاوت بين الناس واضحا في جميع مستويات الحياة الفكرية والثقافية، وعلى غرار فنه الأدبي الجميل في الكتابة عُرف الشيخ بفصاحة اللسان.

 

وبراعة الخطابة، وحسن الإلقاء، وإن المتابع لكتابات الشيخ الغزالي لابد أن يلحظ أن جلها مطبوع بالطابع الأدبي، وإن كان موضوعها هو الفكر والعقيدة والدعوة الإسلامية، ويتجلى هذا الطابع الأدبي في جانبين أولهما هو توظيف النماذج الأدبية الراقية في خدمة الفكر الإسلامي، وثانيهما هو اختيار الأسلوب الأدبي الجميل في التعبير والإنشاء، أما الجانب الأول فإن الشيخ كثيرا ما كان يوظف النماذج الأدبية الراقية، سواء أكانت شعرا أم نثرا، في خدمة فكرة يريد بثها، وغرسها في النفوس، فهو يختار بحسه الأدبي ما يراه مناسبا من الموروث القديم، ومن الإنتاج الحديث، ويمزجه بالحقائق الدينية ويعرضه في وقته ومكانه المناسبين، ليلائم به أذواق الناس ويلبي حاجتهم إلى القيمة الفكرية والمتعة الأدبية، وهو يدرك بلاشك أن الأدب في هذا العصر أصبح بفنونه وأساليبه المختلفة. 

 

يجذب قطاعا عريضا من الناس، وأصبح الذوق بشكل عام ميالا إلى اكتساب المعرفة والثقافة بطرق فيها يسر واقتصاد، وفيها أيضا جاذبية وإمتاع، وإن اللغة هي أداة الفكر وهي الوسيلة الأساسية المستخدمة في مجالات الدعوة والإعلام، والتغيير والبناء، ولأهميتها الكبيرة حرص الشيخ في الجانب الثاني على اختيار اللغة الجميلة، والأسلوب الأدبي اللطيف في الكتابة والتعبير، فحين كتب الشيخ كتابه عقيدة المسلم، دعا إلى عرض العقيدة الإسلامية بأسلوب يجمع بين فخامة اللغة وجمالها، ودقة المعنى ووضوحه لتميل إليها النفوس، وتعلق بها القلوب، وقد حرص على تطبيق هذه الدعوة في كتابه هذا مخالفا بذلك كثيرا من العلماء قديما وحديثا، ممن كانوا يعرضون العقيدة في قوالب جامدة، وأساليب عقيمة، بل كثيرا ما كانوا يقحمون خلافات أهل الكلام. 

 

واختلافات أهل الجدل حول مسائل العقيدة في كتبهم، فكيف يكون حال متلقي العقيدة من هذا كله؟ إنه مثل الصياد الجائع الذي يقضي نهاره في اللهث وراء الأسماك السابحة في النهر، وفي آخر النهار يذهب بخفي حنين، ويقول في هذا رحمه الله إذا كان علم التوحيد على النحو الذي وصفنا، فإن كتبه التي تشيع بيننا الآن فشلت في أداء رسالتها شكلا ومضمونا، فمن ناحية الشكل لا معنى ألبتة لعرض علم ما في توزيع مضطرب بين متن وشرح وحاشية وتقرير، وفي لغة ركيكة، سقيمة الأداء، لغة تصور سقوط البلاغة العربية في عهد الحكم التركي، ثم يتحدث عن أهمية الأدب في هذا العصر، وعن وظيفته المفقودة، ولقد كان الهم الذي يراود الشيخ هو الوصول بالفكر الإسلامي إلى شغاف القلوب، وأداء واجب الدعوة إلى الله بالمنهج الذي حدده القرآن الكريم. 

 

في قوله تعالى في سورة النحل"ادعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" وبالسبيل الذي حدده الرسول صلى الله عليه وسلم وسار عليه في حياته "إن من البيان لسحرا، وإن من الشعر لحكمة" رواه الإمام مالك، وأن من يتعامل مع كتابات الشيخ سيجد تأثرا كبيرا بمصدري الإسلام القرآن والسنة النبوية، وبروائع الكلام في تراثنا الإسلامي الكبير، وهذا ما أكسب أسلوبه جمالا في العرض، وبراعة في التمثيل، ولطافة في التعبير، وكما عُرف الشيخ في حياته الدعوية الحافلة بعاطفة جياشة، وحماسة فياضة تجاه المشكلات التي تهم المسلمين، ومع أن أمر الدعوة قد أخذ منه جل وقته وجهده، ذلك لعظم التحديات الحضارية التي واجهت الأمة الإسلامية في هذا العصر، والعمل الإسلامي في حاجة ماسة إلى جهود العلماء المهيئين نفسيا وعلميا للدفاع عن الفكر الإسلامي، ينفون عنه تأويل الجاهلين.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.