رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

السبت 27 أبريل 2024 3:51 ص توقيت القاهرة

الدكروري يكتب عن الشكل الأولي لنظام الطقوس الصوفية

 

بقلم / محمـــد الدكـــروري

ذكرت المصادر التاريخية الإسلامية الكثير عن أئمة الإسلام والمسلمين والأدباء والمفكرين والشعراء والذي كان من بينهم الحلاج، وقيل أنه قد رحل إلى البصرة في فترة متخمة بالقلاقل السياسية، حيث انطلقت ثورة الزنج وأثرت تطورات مرافقة لها على تستر لذلك تم إخلاؤها، فرحل سهل إلى البصرة وشرع الحلاج باقتفاء آثار سهل وأفكاره، فقلده في التنسك وفي مجاهدة النفس، وهما تقليدان انتقلا إلى البصرة التي أصبحت مركزا للتصوف وكانت ترتبط بجزيرة العبادين القريبة منها، لتخرج فيها أشكال تنسك على الطريقة الصوفية، ولم يعتنق الحلاج التصوف حتى انتقل إلى البصرة، حيث لبس الخرقة التي أصبحت تميز المتصوفة، والتي بدأها المحدث العربي عمرو بن عثمان المكي والذي بدأ أيضا تقليد قص الشارب، وهكذا فإن الشكل الأولي لنظام الطقوس الصوفية. 

 

الذي تطور لاحقا قد جرى تبنيه في أوساط الصوفيين من أصحاب الرؤى التقليدية، وكان هذا التحول جزءا من وضع معقد عام ثماني مائة وسبع وسبعين من الميلاد، حيث تزوج الحلاج من ابنة أبي يعقوب الأقطع البصري، الذي كان بدوره من تلامذة المتصوف ذائع الصيت الجنيد البغدادي وأحد أفراد عائلة من الكتاب الإيرانيين من الأحواز، وقد كان هذا هو الزواج الوحيد للحلاج ورزق فيه أربعة أبناء وابنة واحدة وقد تحدث أحد أبنائه واسمه حمد، في إحدى الروايات عن شجار حدث بين الحلاج وأحد تلامذة الجنيد وكان يدعى عمرو ابن عثمان المكي، حيث اعترض على زواج الحلاج ويروى أن الحلاج سافر إلى شمال بغداد لحل هذه المشكلة مع الجنيد نفسه.

 

فما كان من الجنيد إلا أن نصح بالصبر وعدم الزواج فعاد الحلاج إلى بيت حماه في البصرة، أما التطور المعرفي للحلاج فيفسره المؤرخون بأسباب مختلفة، حيث كان تصوف الحلاج أكثر تعقيدا من أي تصوف تقليدي آخر وأي تنسك آخر، حيث لا تروي سير أخبار المتصوفة ما يكفي لفهم ذلك، على الرغم من أن باحثين حديثين كشفوا بعض التفاصيل، ولم تكن البصرة بالمدينة المثالية آنذاك، حيث كانت حرب الزنج مشتعلة في المناطق المجاورة في هذه الأعوام وقد كان الزنج عبيدا جُلبوا من إفريقيا ومن مناطق أخرى وكان العديد منهم يعملون في مناجم الملح في ظروف سيئة، كما كان معهم عبيد من أعراق أخرى وكذلك عرب أحرار وفارسيون وقد دعم الشيعة ثورتهم.

 

وهكذا لم يكن بمقدور الحلاج أن ينفذ بجلده من هذه الأحداث السياسية في حين كانت زوجته وأهلها من الشيعة الموالي الداعمين للثورة، أما نهاية الثورة فكانت بمجازر واسعة ارتكبتها الدولة العباسية، فقتلت الزنج ومات من هرب منهم في الصحراء، كما أعدمت قائد الثورة صاحب الزنج، أما الحلاج فكان رأيه متشددا منذ شبابه في هذا الشأن، فكان دائم الاعتراض على الأوضاع القاسية التي يعاني منها الزنج في مناجم الملح وكان يوجه سهام نقده للخلافة العباسية، وهو الموقف ذاته الذي اتخذه في الدفاع عن البدو الجائعين الذين أتوا إلى البصرة وبغداد في جماعات بحثا عن الطعام، وفي تلك الفترة الصعبة كان متصوفو بغداد عرضة للتهجم اللفظي من الشيخ غلام خليل، وهو ما دفع البعض لاستلام منصب القضاء. 

 

وقد كان أمرا مستجدا في الصوفية، الأمر الذي خلق الشقاق بين المتصوفة وكان الشيخ غلام خليل ينتقد على الصوفية قولهم بالحلول، أي حلول الله في روح المرء، وقد أسهب الحلاج في هذا الجانب إلى حد كبير، وانتهت حروب الزنج عام ثماني مائة وثلاث وثمانين للميلاد، بالقضاء على الثوار واستعادة الخلافة العباسية السيطرة على البصرة، فانتقل الحلاج إلى مكة حاجا وبقي هناك عاما كاملا يقود نمطا جديدا من الطقوس الصوفية، ولم يعرف الكثير عن آرائه في تلك الفترة، وبعد ذلك عاد الحلاج إلى زوجته أم الحسين في البصرة، وهناك بدأ بالجهر بآرائه وبالحديث عن تجاربه كما بدأ يتحدث بلسان الله، وهو ما أدى على ما يبدو إلى نزاع بين الأقطع ومكي، فرحل وزوجته إلى تستر بسبب تهجم مكي. 

 

وإرساله رسائل وعيد من البصرة مستنكرا ادعاء الحلاج بأنه مرسل من الله، وفي تستر كان الحلاج يحكي مواعظه بالعربية لسكان المدينة الفرس الذي اعتنقوا الإسلام، كما تعرف هناك على علوم الفلسفة والطب الفلك الإغريقية، وقد اشتهر الحلاج بالشعر الصوفي، ومن أبرز القصائد المُغناة له هي يا نسيم الروح قولي للرشا، والله ما طلعت شمس ولا غربت، إذا هجرت فمن لي، عجبتُ منك ومني، لي حبيب، اقتلوني يا ثقاتي واحرقوني بعظامي الفانيات، لبيك لبيك يا سري ونجوائي، وكان من أبرز القصائد في ديوان الحلاج، قصيدة إلى كم أنت في بحر الخطايا، كادت سرائر سري أن تسر بما، قلوب العاشقين لها عيون، التلبية، عجبت منك ومني، وأي الأرض تخلو منك حتى، العشق في أزل الآزال من القدم.

 

لي حبيب أزور في الخلوات، أنتم ملكتم فؤادي، كل بلاء علي مني، وكانت نهايتة أن تمت محاكمته بسبب آرائه وأدبه وفلسفته في الحياة وتم اتهامه بالكفر والزندقة، حتّى صُلب حيّا وقطعت رأسه وأحرق جثمانه بعد وفاته.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.