رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الخميس 25 أبريل 2024 1:51 م توقيت القاهرة

الدكروري يكتب عن المتاجرة بكلمة الحق

 

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن المتاجرة بكلمة الحق والعدول عنها إلى الباطل والنفاق والمجاملة ليست من سلوكيات المسلمين ولا من صفاتهم وإنما هي صفات أمم غضب الله عليها ولعنها من اليهود والنصارى، فقال الله تعالى كما جاء فى سورة النساء " يا أهل الكتاب لا تغلوا فى دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق" وقال تعالى كما جاء فى سورة المائدة " لعن الذين كفروا من بنى إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون" وإن واقعنا اليوم يشهد بأن هناك خلل وضعف وتهرب من قول كلمة الحق، بل هناك من يتاجر بها فسفكت الدماء في بلاد المسلمين، وانتهكت الأموال والأعراض وحدث الشقاق والنزاع وحدث الخلافات بين أفراد هذه الأمة واستطال المسلم في عرض أخيه وماله ودمه، وبهذا السلوك تم تبرير ظلم الظلمة وتجبر الطغاة وتغييب الحق والعدل. 

 

ولماذا يلجأ المرء إلى المتاجرة بكلمة الحق والسكوت عن قولها؟ هل خوفا من الموت وطلبا للحياة؟ فإنها بيد الله تعالى، أم من أجل حفنة من المال؟ أم طمع في منصب أو جاه؟ فإن ما عند الله خير وأبقى، ثم إن قول كلمة الحق لا يقرب من أجل ولا يحرم من رزق فيقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم "ألا لا يمنعن أحدكم رهبة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده، فإنه لا يقرب من أجل ولا يباعد من رزق، أن يقول بحق، أو يذكر بعظيم "رواه أحمد، وقال صلى الله عليه وسلم أيضا "لا يمنعن رجلا هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه، أو شهده، أو سمعه" أم أن سبب ذلك الخوف والجبن؟ فأين إيمانك؟ وأين عقيدتك؟ وأين خشيتك من الله عز وجل، فعن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يحقرن أحدكم نفسه، قالوا يا رسول الله، كيف يحقر أحدنا نفسه‏‏؟ ‏‏قال يرى أمرا لله عليه فيه مقال، ثم لا يقول فيه. 

 

فيقول الله عز وجل له يوم القيامة ما منعك أن تقول ‏في ‏‏كذا وكذا‏‏؟ ‏‏فيقول خشية الناس، فيقول فإياي كنت أحق أن تخشى " رواه ابن ماجة، والله عز وجل يقول كما جاء فى سورة الأحزاب "والذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله" وقد توعد الله عز وجل، الذين لا يقولون الحق ويعدلون عنه إلى غير بعذاب شديد فقال سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة الأنعام " اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون" وانظروا جميعا إلى هذه الأمة عندما كان الإيمان يملأ قلوب أبنائها، وعندما كانت تقول كلمة الحق وتصدع به دون خوف أو وجل كيف أثرت في الحياة فشيدت حضارة، وأورثت عزا، وبنت مجدا وقبل ذلك كله أنها أرضت الخالق العظيم سبحانه وتعالى، وقيل أنه دخل سليمان بن عبد الملك المدينة، فأقام بها ثلاثا، فقال‏ ما ههنا رجل ممن أدرك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا‏؟ 

 

فقيل له ها هنا رجل يقال له أبو حازم، فبعث إليه فجاء‏،‏ فقال سليمان‏ له يا أبا حازم، ما هذا الجفاء‏؟ قال أبو حازم‏، وأي جفاء رأيت منى؟ فقال له‏ أتاني وجوه المدينة كلهم ولم تأتني‏؟‏‏ فقال‏ ما جرى بيني وبينك معرفة آتيك عليها،‏ فقال صدق الشيخ، يا أبا حازم، ما لنا نكره الموت‏؟ قال لأنكم عمرتم دنياكم وخربتم آخرتكم، فأنتم تكرهون أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب،‏ قال‏ صدقت يا أبا حازم، فكيف القدوم على الله تعالى‏؟ قال‏ أما المحسن فكالغائب يقدم على أهله فرحا مسرورا، وأما المسيء فكالآبق والآبق أي العبد الهارب من سيده، يقدم على مولاه خائفا محزونا،‏ فبكى سليمان وقال‏‏ ليت شعرى، ما لنا عند الله يا أبا حازم؟ فقال أبو حازم‏‏ اعرض نفسك على كتاب الله‏؟ قال‏ ‏عند قوله تعالى كما جاء فى سورة الانفطار " إن الأبرار لفى نعيم وإن الفجار لفى جحيم" ‏قال يا أبا حازم، فأين رحمة الله‏؟‏ قال يقول الله تعالى كما جاء فى سورة الأعراف. 

 

" ولا تفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمت الله قريب من المحسنين" قال‏ يا أبا حازم، من أعقل الناس‏؟‏ قال‏ ‏من تعلم الحكمة وعلمها الناس،‏ قال‏ ‏فمن أحمق الناس‏؟‏ قال‏ من حط نفسه في هوى رجل وهو ظالم، فباع آخرته بدنيا غيره،‏ قال‏ يا أبا حازم فما أسمع الدعاء‏؟‏ قال‏‏ دعاء المخبتين،‏ قال‏ فما أزكى الصدقة‏؟‏ قال‏‏ جهد المقل‏،‏ قال يا أبا حازم، ما تقول فيما نحن فيه‏؟ قال‏ أعفني من هذا،‏ قال سليمان، نصيحة تلقيها،‏ قال أبو حازم إن ناسا أخذوا هذا الأمر عنوة من غير مشاورة المسلمين، ولا إجماع عن رأيهم، فسفكوا فيه الدماء على طلب الدنيا، ثم ارتحلوا عنه، فليت شعرى، ما قالوا‏؟‏ وما قيل لهم‏؟‏ فقال بعض جلسائهم‏‏ بئس ما قلت يا شيخ، فقال أبو حازم‏ كذبت، إن الله أخذ ميثاق العلماء ليبيننه للناس ولا يكتمونه،‏ قال سليمان‏ ‏يا أبا حازم، أصبحنا تصيب منا ونصيب منك، قال‏ أعوذ بالله من ذلك، ‏قال‏ ولما‏؟ 

 

قال‏‏ أخاف أن أركن إليكم شيئا قليلا، فيذيقني ضعف الحياة، وضعف الممات، ‏قال فأشر عليّ، قال‏‏ اتق الله أن يراك حيث نهاك، أو يفقدك حيث أمرك‏، قال‏‏ يا أبا حازم، ادع لنا بخير،‏ فقال‏‏ اللهم إن كان سليمان وليك فيسره للخير، وإن كان غير ذلك، فخذ إلى الخير بناصيته، فقال‏ يا غلام، هات مائة دينار، ثم قال‏‏ خذ يا أبا حازم، ‏قال لا حاجة لي فيها.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.