بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وما أقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين وإنتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين وحجة الله على الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ثم أما بعد، إن الحج المبرور هو أن يرجع العبد زاهدا في الدنيا، راغبا في الآخرة، كما قال ذلك الحسن البصري رحمه الله، وإن من صفة الحج والعمرة، وهو أن يُحرم الحاج من الميقات، ثم يلبّي حتى يصل إلى البيت الحرام، ثم يبدأ بالطواف من الحجر الأسود.
ويسن في هذا الطواف وهو أول طواف يأتي به القادم شيئان الاضطباع في جميع الأشواط، والرمل في الأشواط الثلاثة الأولى فقط، فإن أقيمت الصلاة أثناء الطواف، بدأ بعدها من موضعه الذي وقف فيه، على الأظهر من قولي العلماء، ثم يسوي رداءه بعد الفراغ من الطواف، ويصلي ركعتين خلف المقام، ويشرب من ماء زمزم إن تيسر له، ويسعى بين الصفا والمروة، وينبغي للنساء عدم مزاحمة الرجال بتقبيل الحجر، أو الرمي، أو الطواف، فيحلق إلا إذا كان متمتعا فإنه يقصّر لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضي الله عنهم بذلك، وحتى من أراد الأضحية يقصر، وأما عن محظورات الإحرام، فهى إزالة شعر الرأس بحلق أو غيره، والحلق به القلع أو النتف أو نحوه، وأيضا إزالة الظفر، وأيضا استعمال الطيب في بدنه أو ثيابه، أو المأكول أو المشروب.
وأيضا لبس القفازين، وأيضا المباشرة بشهوة، سواء القبلة، أو الغمز، أو الوطء دون الفرج، وإن فدية هذه الأشياء على التخيير، وهي فدية الأذى، وهى صيام ثلاثة أيام، أوإطعام ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع، أو ذبح شاة، وهذا إذا فعلها متعمدا، وأما عن الجماع في الفرج، إن كان قبل التحلل الأول فسد نسكه، ووجب المضي فيه، وعليه بدنة، والقضاء من العام القادم، وأما عن عقد النكاح "لا ينكح المحرم ولا ينكح" وأما عن قتل صيد البر المتوحش فقد قال تعالى فى سورة المائدة " يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم" وعليه جزية، وهي ذبح شاة يفرقها على فقراء الحرم، أو يقومه بطعام يفرقه على فقراء الحرم، أو يصوم عن إطعام كل مسكين يوما، وأيضا تغطية الرأس بملاصق، أو لبس المخيط، أو تغطية الوجه على أية صفة كانت، إلا المرأة إن مرّ بها رجال أجانب.
وأما عن صفة الحج إذا كان اليوم الثامن، فإنه يسمى اليوم الثامن من ذي الحجة يوم التروية، وفي وقت الضحى من هذا اليوم يُحرم الحاج من المكان الذي هو نازل فيه، حيث ينوي أداء مناسك الحج، وقبل التلبية، ويغتسل المتمتع ويتنظف، ويقص أظافره، ويحف شاربه، ويحلق عانته، ويلبس الإزار والرداء الأبيضين، وأما المرأة فتلبس ما شاءت غير النقاب والبرقع والقفازين، وأما القارن والمفرد فيكون عليهما الإحرام من قبل، فلا يفعلان كما يفعل المتمتع من قص وغيره، وبعد ذلك من السنة على كل حاج تغطية كتفه بعد لبس الإحرام، ثم يلبي ويقول "لبيك حجّا" وإن كان خائفا من عائق يمنعه من إتمام حجه، يشترط فيقول "إن حبسني حابس، فمحلي حيث حبستني" وإن لم يكن خائفا لم يشترط، وبعدما ينوي الحج يجب عليه أن يتجنب محظورات الإحرام، ثم يكثر من التلبية.
وهي "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك"، ولا يقطع التلبية حتى يرمي جمرة العقبة في اليوم العاشر، وينطلق إلى منى، ثم يلبي حيث يصلي فيها الظهر والعصر والمغرب والعشاء، كل صلاة في وقتها، ويقصر الرباعية منها إلى ركعتين قصرا، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يحافظ على شيء من السنن الرواتب في السفر، إلا سنة الفجر والوتر، وعليه أن يحافظ على الأذكار التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم وخاصة أذكار الصباح والمساء والنوم وغيرها، ثم يبيت في منى هذه الليلة.
إضافة تعليق جديد