بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين حق قدره ومقداره العظيم أما بعد ذكرت كتب الفقه الإسلامي أن هناك مقارنة بين الوسطية والغلو أو التطرف، فالوسطية تعني الوقوف بين طرفين في المكان أو الزمان أو في الصفات أو الأفعال، أما التطرف فهو الوقوف عند أحد الطرفين، بمعنى التوازن والإعتدال، والحسنة بين السيئتين، هو سيئة الإفراط وسيئة التفريط وإن الخير بين الشرين هو شر الغلو وشر المجافاة، وإن الحق بين الباطلين هو باطل الزيادة وباطل النقص وإن السعادة بين الشقائين هو شقاء التهور وشقاء الجمود.
وعن الوسطية في الإسلام يقول تعالي " وكذلك جعلناكم أمة وسطا " وقال رسول لله صلي الله عليه وسلم " سددوا وقاربوا واغدوا وروحوا وشيء من الدّلجة " والقصد القصد تبلغوا، وقال الإمام الأوزاعي ما من أمر أمر الله تعالي به إلا عارض الشيطان فيه بخصلتين لايبالي إياهما أصاب الغلو أو التقصير، وعن وهب بن منبه قال إن لكل شيء طرفين ووسطا فإذا أمسك بأحد الطرفين مال الآخر، وإذا أمسك بالوسط إعتدل الطرفان فعليكم بالأوساط من الأشياء، ولبعضهم ولقد أجاد في القول، عليك بأوساط الأمور فإنها نجاة ولا تركب ذلولا ولا صعبا، وهذا المفهوم واضح لدى أغلب الناس ولكن غير الواضح هو تحديدها أي تحديد نقطة الطرف والوسط، وإن الناظر في حال الأمة الإسلامية اليوم يرى بعدا بينا عن النموذج المنشود، وهذا البعد ليس في مجال التطبيق فحسب.
بل في مجال التصورات كذلك، لأن التصورات إن كانت صحيحة واضحة، لوجدت الطريق إلى التطبيق، ومن أكبر ثغرات التصور تلك التي تتعلق بوعي وسطية منهج الإسلام، فالإسلام لا ينحصر كما يرى العلمانيون في العقيدة والعبادة فقط، بل يمتد ليصبغ الحياة كلها حيث يقول الله تعالي " صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون " ويتسع ليكون رسالة لإصلاح المجتمع، وسياسة الدولة وبناء الأمة ونهضة الشعوب وتجديد الحياة، تماما مثلما أنه عقيدة وشريعة ودعوة ودولة وسلام وجهاد، وحق وقوة، وعبادة ومعاملة، ودين ودنيا، ذلك أن الإسلام هو الرسالة التي إمتدت طولا حتى شملت آباد الزمن، وإمتدت عرضا حتى إنتظمت آفاق الأمم وإمتدت عمقا حتى إستوعبت شؤون الدنيا والآخرة، وحتى تتحقق وسطية المنهج.
ينبغي على الدعاة مراعاة أمور مهمة مثل أسبقيات الفهم، ومرحليات البناء، وتكامل السلوك، ومن مظاهر الوسطية في الإسلام هو العقيدة والتصور وهي مقولة شيخ الاسلام وذلك هو الوسط، وأيضا الحكم على الأشخاص والمواقف وهو رأي الخوارج والمرجئة، وأيضا العبادة وهو حديث عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهما قال دخل عليّ رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال "ألم أخبر أنك تقوم الليل وتصوم النهار" قلت بلى قال " فلا تفعل قم ونم وصم وأفطر فإن لجسدك عليك حقا وإن لعينك عليك حقا وإن لزورك عليك حقا، أي لضيوفك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا " وقول سلمان لأبي الدرداء إن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا فأعطي كل ذي حق حقه فأتى النبي صلي الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال النبي صلي الله عليه وسلم "صدق سلمان"
وكما رّد رسول الله صلي الله عليه وسلم التبتل وقال لمعاذ لما أطال بالناس في الصلاة " أفتّان أنت يا معاذ" وقال صلي الله عليه وسلم " إن منكم منفرين" وكما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لحنظلة " ساعة وساعة " وكما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما في رمي الجمار والغلو.
إضافة تعليق جديد