رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الجمعة 19 أبريل 2024 4:31 م توقيت القاهرة

السوشيال ميديا حولتنا نسخ الكترونية!

بقلم الناشط الحقوقى /مصطفى الوكيل

اليوم، وبكلّ أسف، أصبحت الأشياء جامدة لا تتحرّك، ولو خيّرنا بين وضع آلات التحكم الإلكترونية في كل مكان لا نرفض العرض، اليوم، وبكل أسف أيضا، لا تبدو الأشياء في لونها السابق، بهتت ألوانها، وأصبحنا حتى في التقاط الصور نعالجها وننقلها بطريقة ما مغايرة للواقع ألف مرة.. أذكر تماما كيف كانت الأشياء حولي في سن مبكرة، كان لونها أنقى، وشكلها أرقى، كنت أشعر بكل كلمة تقال، وألاحظ حركة شفاه الناس حين يتحدثون وينطقون بها، وتعابير وجوههم التي تقول ما يريدون أكثر من ألسنتهم، رأيت الناس وهم يضحكون ويحركون عضلات وجوههم، وحين تتساقط دموعهم، وتذبل ملامحهم، رأيت كل هذا وأكثر مما أن يكتب في حدود سطور صغيرة أيضا، ولا تشبه نفسها الآن، ولا تمد بأي صلة إلى ما نعيش.. اليوم، وبكل أسف، لا نشعر بالكلمات التي تقال، وإن أقل كلمة تكتب قادرة على إنهاء آلاف العلاقات لقلة الشعور وعدم الإدراك للحالة التي قيلت بها، لقد استبدلنا الضحكات بالوجوه الضاحكة، وكلما رغبنا في إظهار ضحكتنا أكثر، ازداد عدد الوجوه المعبرة داخل شاشة المحادثات، استبدلنا دموعنا بأوجه باكية، ونحسِبُ درجة حزننا كذلك بعددها.. لم نعد حقيقيين، لا تهمنا الحياة بقدر ما يهمنا أنا نملك عدد المتابعين الضخم في مكان ما، ونتسابق في عالم كبير أسميناه "السوشيال ميديا" أنسانا الواقع تماما، بل نحسب ذلك يكفي إنجازا واقعيا لنا! ما الذي جنيناه من هذه الأعداد كلها، ونحن دون أن نشعر ننقلب إلى آلة حاسبة لكل منشور نقوم بوضعه قائلين: لقد أخذتُ اليوم العدد كذا، وغدا أحاول الوصول إلى العدد الأكبر من الإعجابات والمشاركات، وبعد غد سأحطم كل الأرقام؟!

وإن قمت بسؤاله عن المضمون يجيبك؛ المضمون؟ عن أي مضمون تسألني، لا يهم! المهم الآن أن أصل لا يهم ما الطريقة، ولا يهم ما الذي قدمته للناس على اعتبار أنهم يتابعونني اليوم لشخصي، لأبدو مؤثرا وناشطا ومشهورا وتلتف علي أضواء الشهرة حين تقع أعين الناس علي! في مكان ما.

ما زلت لا أفهم، رغم أن هذا العصر لا يمكن لنا فصل ارتباطنا بأجهزتنا التي تبدو عضوا من أعضاء أجسادنا، لماذا نعطيها كل هذا الاهتمام؟ ونزيّف الواقع بها؟ لماذا دائما نمحي خصوصية الكثير من الأشياء التي لا تصلح أصلا للنشر تحت مبدأ حسابي الشخصي، أنا أملك كامل الحريّة به؟ لماذا نفعل الكثير من الأشياء التي إن فكّرنا بها على حدّ المنطق سنرى أنّا لم نعد أكثر من عبيد لأجهزة محمولة صغيرة؟
لا أفهم ما الذي جنيناه أكثر من بلادة الشعور، وأكثر من عدم التماس الدفء في وجود أحبائنا وأصدقائنا، ونستبدل هذه الجلسات بأخذ كلمة السر لشبكة الإنترنت في المكان الذي نجلس فيه، ونختفي عن الأنظار، بل نصبح غير مرئيين! فلنلتقط صور الذكرى، ولتبقى أيامنا محفورة في صور، ما المانع؟ لكنّا اليوم نفرط ونبالغ في كل شيء، نحن لا نلتقط الصور للذكرى، ولا لنخزنها في مخزن الصور الخاص بنا، نفعل ذلك لاعتيادنا أن نضغط الأزرار ونلمس الشاشات لا أكثر!

كم يكون الأمر مزعجا حين يقوم أحد بتصوير مصيبة ما في مكان ما، وانتهاك خصوصية أصحابها ونشرها مثلا على مواقع التواصل الاجتماعي، وآسفة على قول هذا، لم نعد نملك قلوبا، كلّنا تحوّلنا إلى شرائح إلكترونية تغير جودتها وتغير شكلها بتغير الهاتف النقال الذي لا تفلته أيدينا، نحن نفضل أن نوثق الحدث على أن نقدم المساعدة، لا فرق إن كان أحد في خطر، لا فرق إن كان يلفظ أنفاسه الأخيرة، المهمّ أن نوثق اللحظة، ونتسابق في نشرها. شعورُ السخط على حالنا المحزن هذا لا يفارقني، ولا حين أرى الجيل الجديد، الأطفال تحديدا ممن لا يفهمون أصلا ماذا تعني كلمة هاتف نقال يطلبون من أمهاتهم تشغيل مقاطع الفيديو الخاصة بهم، وهم حتّى لا يتقنون نطق الكلمات!

لا شيء يستطيع انتشالي من شعور الاستياء الكبير الذي يصيبني حين أرى الأطفال لا يبالون بطفولتهم قدر ما يبالون بنوع الجهاز الذي يحملونه بأيديهم، وبتقدم عمرهم كثيرا رغم أنهم لا يزالون صغارا، حزينة على كلّ الأيام التي لم يستطيعوا عيشها حين سُرقوا وغسلت عقولهم ووجهوا نحو الإلكترونيات جميعا، على كل ساحات اللعب الفارغة، على كلّ رفوف محلات الألعاب التي تحتاج أياما لإزالة الغبار، على سؤالهم المستمر عن أي مكان يودون الخروج إليه، هل تتوافر شبكة إنترنت في المكان؟

لا أجد الأمر منطقيا، نحن لسنا حقيقيين، نحن نسخ مزيفة تسير باتجاه لا يشبه اتجاه الإنسان، ولا أجد ما يدعو اليوم للفخر لما وصل له التطور رغم أنه يقدم الكثير من المميزات، لكنّا لا نحسن استخدامها، ونفرط كثيرا، أكثر من اللازم، وهنا كل العقدة، ولا حل.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.