رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الخميس 16 مايو 2024 6:02 ص توقيت القاهرة

الشهود علي الإنسان

بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن الشهداء يوم الدين هم أولا نفس الإنسان تشهد عليه، وتكون هذه الشهادة عند الاحتضار، حيث لا ينفع الندم، ولا يجدي الأسف في تلك اللحظات التي يكون الواحد فيها في ذروة الحسرة، وشدة الألم، وتقفل أبواب التوبة ويعترف الإنسان ويشهد على نفسه بالتقصير والتفريط، فأغلى أمانيه أن يقول كما قال الله تعالي واصفا هذا المشهد " رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت" ولكن الله تعالي يكذبه، ولكن الله يأبى ذلك ويقول " كلا" وقد قال سبحانه في تكذيب هذا الإنسان، كما جاء في سورة الأنعام " ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه" وقال تعالي أيضا " وشهدوا علي أنفسهم أنهم كانوا كافرين" وإن من الشهود عليك هو الكتاب الذي كتبه الملكان، هذا الكتاب شاهد عليك وأول من يقرأه؟ أنت. 

فيقول تعالي في سورة الكهف " ووضع الكتاب فتري المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا" وقال تعالي في سورة الإسراء " وكل إنسان ألزمناه طائرة في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقله منشورا إقرأ كتابك كفي بنفسك اليوم عليك حسيبا" وكما يقول الله تعالي " من اهتدي فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخري وما كنا معذبين حتي نبعث رسولا" ومن ضل فإنه سيعظ أصابع الندم في يوم لا ينفع مال ولا بنون، يفرح صاحب كتاب ويحزن صاحب كتاب, الفرحان هو من أوتي كتابه بيمينه، فيقول تعالي في سورة الحاقة.

" فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرؤوا كتابيه، إني ظننت أني ملاق حسابية، فهو في عيشة راضية، في جنة عاليه، قطوفها دانية، كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية" وأما الآخر فيقول كما قال تعالي في سورة الحاقة " وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه، ولم أدر ما حسابيه، يا ليتها كانت القاضية، ما أغني عني ماليه، هلك عني سلطانية، خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه" فعليكم أن تحسنوا في هذه الحياة لتفوزوا برضى رب العالمين، فتأخذون كتبكم بأيمانكم فتعيشون سعداء في جنة المأوى, فإذا فرطتم في طاعة الرحمن ومارستم المعاصي والمنكرات فستندمون في يوم لا ينفع فيه الندم, فتأخذ كتابك بالشمال وتخسر الآخرة. 

فإن الله تبارك وتعالى خلق الخلق وأحصاهم عددا, وأنعم عليهم بسائر النعم الظاهرة والباطنة قال الله تبارك وتعالى في سورة النحل " وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم" وأرسل إليهم الرسل, وأنزل عليهم الكتب, ليعبدوه ويوحدوه, وسبحانه وتعالي القائل في كتابه الكريم كما جاء في سورة هود " وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه علي الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين" وسبحان الله العظيم القائل في محم التنزيل في سورة الملك " الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور" وقال الإمام الشنقيطي رحمه الله في تفسيره. 

"ولا شك أن العاقل إذا علم أن الحكمة التي خلق من أجلها هي أن يبتلى أي يختبر بإحسان العمل فإنه يهتم كل الاهتمام بالطريق الموصلة لنجاحه في هذا الاختبار، ولهذه الحكمة الكبرى سأل جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا ليعلمه لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال "أخبرني عن الإحسان" أي وهو الذي خلق الخلق لأجل الاختبار فيه، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الطريق إلى ذلك هي هذا الواعظ، والزاجر الأكبر الذي هو مراقبة الله تعالى، والعلم بأنه لا يخفى عليه شيء مما يفعل خلقه، فقال له " الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك" وقال العلامة ابن سعدي رحمه الله "فإن الله خلق عباده، وأخرجهم لهذه الدار، وأخبرهم أنهم سينقلون منها، وأمرهم ونهاهم، وابتلاهم بالشهوات المعارضة لأمره.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.