رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

السبت 17 مايو 2025 12:17 ص توقيت القاهرة

الضابط الفارّ جعفر توبكايا يكشف خبايا إعتقاله فى تركيا

اللواء/ رضا يعقوب
كتب/ أيمن بحر
بعد محاولة الإنقلاب الفاشلة، تعرض الضابط التركى جعفر توبكايا للإعتقال والسجن وإعتبرته السلطات "إرهابياً"، لكن بعد تمكنه من الفرار، قرر الخروج عن صمته وكشف خبايا هذه التجربة للغرب، دون أن يخاف من يد أردوغان الطويلة.
يريد ضابط البحرية السابق، جعفر توبكايا، التحدث نيابة عن جميع "الذين لا يستطيعون الوصول للصحافة ولا حتى مقابلة محاميهم أثناء وجودهم فى السجن ولا يمكنهم إثبات براءتهم"، كما يقول ضابط البحرية، ويضيف بأنه "ليس خائفاً من أردوغان أو المخابرات التركية"، ويريد أن يعرف الغرب ما يحدث فى تركيا.
توبكايا هو واحد من آلاف الضباط الأتراك الذين يتهمهم أردوغان بدعم رجل الدين التركى فتح الله غولن، ويتهم الرئيس التركى غولن، الذى يعيش فى المنفى فى ولاية بنسيلفانيا الأمريكية، بالوقوف وراء محاولة الإنقلاب عليه صيف عام 2016 وشكل الضباط والجنود الذين يتدربون ويقيمون بمهمات خارج البلاد على وجه الخصوص، هدفاً لموجات الإعتقالات العديدة، التى تحدث فى تركيا اليوم ، وقد أمر أردوغان جميع ضباط الجيش تقريباً بالعودة الى أنقرة من أجل "إستجوابهم"، وفي معظم الحالات، كان ذلك حجة لإيقاع بهم وإعتقال من يتهمهم بالتآمر.
اختار الكثيرون عدم الإنصياع الى طلب أردوغان والبقاء فى الخارج دون أن يكون لديهم ما يسد رمقهم ويكفل معيشتهم، الحكومة التركية ردت بتحويلهم الى ما يشبه المجردين من الجنسية عن طريق إبطال جوازات سفرهم.
لكن جعفر توبكايا، لبى دعوة أردوغان الى إجتماع عاجل فى أنقرة فى تشرين الأول/ أكتوبر عام 2016، وذلك إنطلاقاً من إحساسه العميق بالواجب، كما يقول، وإفترض بأن سيتضح بسرعة أن لا علاقة له بمحاولة الإنقلاب أو حركة غولن، ويقول ضابط الناتو السابق: "لم أكن قريباً أبداً من حركة غولن"، ويضيف:" أنا شخص علمانى، تربيتى غربية، أحترم جميع الأديان والمعتقدات، لكننى لا أنتمى لأى منها"، وبصفته ضابطاً بحرياً منذ فترة طويلة مع تصريح أمنى كبير من الناتو، فقد شعر بالأمان ولم تكن زوجته ميسكور قلقة أيضاً عندما ودع الأسرة وإعتقدت بأنها ستكون رحلة قصيرة، بعدها لم يروا بعضهم البعض لأكثر من ستة عشر شهراً، وكان "الإجتماع" المزعوم مجرد خدعة من أجل جر رجله الى وزارة الدفاع، حيث تم إبطال جواز سفره وإعتقله رجال الشرطة، منذ تلك اللحظة وصفه زملاؤه السابقون بـ "الإرهابى"، زاعمين أنه أساء الى أردوغان من خلال تغريدة له على حسابه على "تويتر" ، وبالرغم من توضيحه أنه حتى ذلك الحين لم يمتلك حساباً قط على موقع التواصل الإجتماعى "تويتر"، الا أن ذلك لم يساعد توبكايا.
تم إحتجازه فى البداية فى صالة ألعاب رياضية تم تحويلها لسجن، وبعدها تم نقله الى سجن سنجانSincan سئ السمعة، يقول توبكايا، الذى كان ينام فى نفس الملابس على الأرضية الإسمنتية لمدة اثنى عشر يوماً وبالكاد يحصل على أى طعام، كان زملاؤه السجناء من كبار رجال الجيش والأكاديميين والقضاة ونشطاء المجتمع المدنى وحتى من العاملين فى المجال الطبى، لكن على الأقل لم يتعرض توبكايا للتعذيب الجسدي والنفسى، كحال السجناء الآخرين، الذين تعرضوا للضرب أثناء إستجوابهم.
ويقول توبكايا أن زوجة أحد الضباط المعتقلين معه كانت تُستدعى دائماً للتحقيق ويتم تهديده بأطفاله، كما أُجبر سجين آخر على التوقيع على إعتراف تحت ضغط التعذيب بالصدمات الكهربائية.
فى البداية وضع توبكايا جدولاً زمنياً فى دفتر يومياته، فى نهايته كانت مكتوبة كلمة "بروكسل"، كان يقوم بشطب كل يوم يمر عليه، لأنه كان يعتقد أن الأمر لن يستغرق سوى بضع أيام حتى يعود الى بروكسل، لكن بعد مرور اليوم الـ 39 له فى السجن توقف الضابط عن شطب الأيام.
فى أول جلسة تحقيق معه، كان من الصعب على توبكايا الوقوف أو التفكير من شدة الجوع، وتحول ولاؤه للناتو، الذى كان يعتقد بأنه حجر أساس فى دفاعه عن نفسه، الى جزء من "جريمته". وقالت القاضية:" أنت تعمل لصالح الناتو، صحيح؟" أجبتها بـ "نعم" و قلت بأنى أعمل هناك لصالح الجيش التركى فى المقر الرئيسى وأن قائد الجيش التركى قد أمرنى بذلك"، لكن لم أتمكن من إقناعهم بإطلاق سراحى، الموالاة للغرب وللناتو تعد جريمة كبيرة فى تركيا اليوم، على حد تعبيرتوبكايا، لم يمنحه الصبر والحفاظ على سلامته العقلية لأكثر من ستة عشر شهراً من الأسر سوى الرسائل والمكالمات الهاتفية مع زوجته وأطفاله.
فى الأخير قيل له إن التحضير للمحاكمة سيستغرق وقتاً أطول، ربما لأنه لم يكن هناك أى دليل ضده، كما يعتقد توبكايا، بعدها تم الإفراج عنه شرط أن يعيش مع والديه ويزور مركز الشرطة بشكل أسبوعى، بعد ذلك حذره محاميه من وجود دلائل على إحتمال إعتقاله مرة أخرى، وعندما وجد جواز سفر قديم له، لا يزال سارى المفعول لبضعة أشهر أخرى، يبدو أن الشرطة لم تنتبه له خلال عمليات التفتيش، قرر الهرب لكنه لا يريد الكشف عن كيفية تنفيذه لذلك بالضبط، وذلك حتى لا يعرقل الطريق أمام من يريدون الفرار فى المستقبل، ولكن مع الكثير من المساعدة والحظ، عاد توبكايا الى شقته فى بروكسل بعد أسبوع، وإتصل بعائلته وإستراح لبضعة أشهر، لكن ما رآه من فظاعات بحق السجناء الآخرين فى السجن، لم يستطع نسيانه وأثر به أكثر مما حدث له شخصياً.
بعد عودته قرر توبكايا نشر قصته للرأى العام، وأنشأ حساباً على موقع التواصل الإجتماعى "تويتر" شرح فيه بالتفصيل ما مر به وما لا يزال الآخرون يمرون به حتى الآن، ويقول بأن ما ينشره قد أحدث ضجة كبيرة ويقدر أنه يتلقى ردود فعل إيجابية بنسبة 90 فى المائة على تغريداته على "تويتر".
وتصفه الصحف التركية التى تديرها الحكومة بـ "الخائن" ، كما نُشرت تقارير تفيد بأنه وغيره من الضباط المعتقلين سيعقدون "إجتماعات تآمرية" فى المانيا، وعن هذا يجيب توبكايا مبتسماً: "مع كل تغريدة أشعر بالراحة أكثر وأعرف أنهم خائفون من ذلك". إنهم حكام أنقرة والحكومة التركية وحزب العدالة والتنمية والجيش الموالى لأردوغان.
الضباط الآخرين من حلف شمال الأطلسى، الذين تحدثت اليهم أعجبوا بتوبكايا، ولكنهم فى الوقت نفسه قلقون على سلامته، ويقول أحدهم: "أنا لا أجرؤ على ذلك، إن يد أردوغان الطويلة تصل الى كل مكان، ويكتشفون مكان عيشنا، ما نكتبه، ما نفعله وعندما يحصلون على الأوامر، فإنهم ينفذونها، ولهذا نحن نبعد أنفسنا عن الجالية التركية هنا فى بلجيكا".
كذلك عائلته علمت بالخطر، لكنها كانت دائماً تؤيده فى قراره. يقول توبكايا أنه لا يخاف ولا يندم على قراره لا يريد الهرب من أردوغان كان يفضل مقابلة الرئيس التركى ومن يقودون عمليات الإعتقال: "أريد أن أقابلهم وجهاً لوجه وأخبرهم أن ما يفعلونه خطأ"، ويختم بالقول: "نحن على الطريق الصحيح يجب أن نكون أكثر شجاعة".
هكذا يفعل الديكتاتور فى شعبه.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.