رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

السبت 25 مايو 2024 8:07 م توقيت القاهرة

القطار

بقلم - رافت صادق 

مئات الكيلو مترات يقطعها القطار أثناء رحلته اليومية إلى العاصمة , ركبت القطار المتجه إلى القاهرة وسط شعور داخلي بالملل الذي يحتويني عند السفر , رغبة ملحة في العودة مرة أخرى الى الاقصر وبلدتى الصغيرة , برغم مشقة السفر إلا اننى أتقابل مع أشخاص كثيرون وأتعرف أكثر وأكثر على طبيعة المصريين وظروفهم والمعنى الحقيقي للتجارب الإنسانية والظروف والمعاناة التي يعيشها المواطن البسيط , تحرك القطار المكتظ بالمسافرين والمتثاقلين والباعة الجائلون من محطة المدينة التي اقطنها ليحمل معه أحلام الشباب وهمومهم والطلبة إلى مدارسهم والمرضى , أصحاب الحالات الحرجة إلى المستشفيات الجامعية في رحلة للبحث عن العلاج وسط زحام المدن , انها رحلة يومية يقطعها القطار دون ان يعترض يوما على حمولته التي يئن منها , بصعوبة بالغة عثرت على مقعد و بعد رحلة طويلة من البحث جلست بجوار رجل طاحن في السن تبدو عليه اثار البؤس والحاجة ودون أن أتحدث إليه , جلست بجواره و بين الحين والأخر اختلس النظر إلى وجهه الشاحب و يبدو شارد الذهن تجولت ببصري داخل العربة فإذا بالجالسين لا يختلفون كثيرا عن ذلك الرجل في ملابسه وملامحه , من محطة إلى أخرى ينتقل القطار وتتبدل الوجوه وتأتى وجوها أخرى وتتصاعد الهتافات من الباعة الجائلون شاي على ميه بيضا ... اقرأ الحوادث انفجار قنبلة ومصرع شرطي .. كارت شحن بعشرة وبطارية عليها ولاعة هدية الجميع هنا داخل القطار يتسابق لعرض سلعته وسط حكايات المواطنين عن الغربة وظروف الحياة القاسية التي أجبرت البعض للسفر وحمل الامتعه من بلد إلى بلد والعودة مرة أخرى إلى ديارهم تغمرهم الفرحة العارمة فما أجمل لحظات العودة إلى الأهل بعد شهور طويلة من السفر أنها حكاية شاب يجلس بنفس العربة ويتحدث في هاتفه مع زوجته التي تبادله نفس شعوره فيعلو صوته داخل العربة والأولاد وحشوني أوعى تخليهم يناموا لغاية ما ارجع لهم سمعت تلك الكلمات من أب ينتظر العودة إلى ابنائة وزوجته في شوق ولهفة وغربه موجعه سعيا في طلب الرزق , نظرت الى الحقول الخضراء المترامية الأطراف عبر النافذة الزجاجية التي التصقت بها ذرات التراب مشهد خلاب للزراعات وعدت بذاكرتي إلى الإنسان المصري القديم وكيف كان يهتم بالزراعة وأعمال الفلاحة وما تركه للأحفاد من مهارة فائقة في الزراعة .
مرت ساعات وما زال القطار لم يصل بعد وهناك أطراف حديث من بعض المسافرين يتحدث عن تأخر القطار لمرور قطار مكيف وعلى مقربة منى يجلس ثلاث جنود يتبادلون حكاياتهم في الغربة وما يدور داخل البلاد من أحداث شعرت بالحزن في تلك اللحظات لما أراه بشكل يومي من استشهاد لرجال الجيش والشرطة بلا ذنب اقترفه هؤلاء والعودة الى ذويهم جثث هامدة نتيجة صراعات يدفعون ثمنها , شعرت بالملل يحتويني من طول المسافة فتجولت داخل القطار من عربة لأخرى للقضاء على حالة الملل التي تنتابني وعند عودتي إلى المقعد وجدت سيدة ريفية قد جلست مكاني وفى عينيها تبدو نظرات الفرح وكأنها عثرت على شيء ثمين ودون ان انطق بكلمة تركتها وانصرفت أقف على باب القطار وأحصى ما تبقى من مسافة باقية يقطعها القطار .

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.