رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الثلاثاء 16 أبريل 2024 3:20 م توقيت القاهرة

المؤامرة .............الجزء التاسع عشر

مالك عادل

كانت خطة الجماعة معلنة واضحة.. وهى السعى إلى صفقة كبرى مع النظام تتيح لها التوغل فى مؤسسات المجتمع المدنى، تنفيذا لأولى خطوات خطة التمكين التى تنتهى بالانقلاب على النظام (حتى لو كان البرادعى نفسه على رأسه)، وإقامة ما يعتقدون أنها الدولة الإسلامية. هذه الفكرة التى طالما طاردت الجماعة منذ إنشائها عام ١٩٢٨ على يد مؤسسها حسن البنا، مثلت جوهر تحركات الجماعة والمحرك الرئيسى لكل الخيوط الفكرية والتنظيمية والحركية لها على مدار تاريخها كله.
.
جاء حديث الدكتور محمد البرادعى لمجلة «بارى ماتش» الفرنسية الذى نشرت جزءا منه جريدة الدستور فى حينه: إن «الإخوان هم القوة السياسية الأولى فى مصر، وعلى الرغم من القيود المفروضة حولهم فإنهم يمثلون ٢٠٪ من إجمالى أعضاء البرلمان، كما أنهم يقومون بالكثير من الأشياء من أجل الفقراء، وفى المساجد يقومون بعلاجهم وتعليمهم، ويضيف البرادعى أنه أقنعهم بالعمل من أجل العدالة الاجتماعية والديمقراطية ودولة علمانية، مشددا على ما أكده لهم من أنهم يمكنهم ممارسة دينهم بالطريقة التى يريدونها ويلبسون ما يريدون من نقاب أو حجاب، لكن يتعين عليهم احترام حق الآخرين فى العيش بشكل مختلف».
.
تراجع البرادعى بعدها مباشرة عما قاله حول إقناع الإخوان بالدولة العلمانية، وجاء فى موقع «إخوان أون لاين»، الموقع الرسمى للجماعة، أن البرادعى نفى فى اتصال هاتفى بالدكتور محمد سعد الكتاتنى، عضو مكتب الإرشاد ورئيس الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين، من فيينا- أن ثمة خطأ حدث فى ترجمة ما نشرته المجلة فيما يتعلق بأنه أقنع الإخوان بالدولة العلمانية، مؤكدًا أنه أرسل تصويبا لــ«الدستور» يؤكد أن ما دار فى لقائه مع الدكتور الكتاتنى تناول العديد من القضايا الخاصة بالإصلاح والديمقراطية ورأى الإخوان فيها، وأن الإخوان أكدوا بالفعل دعوتهم لدولة مدنية ذات مرجعية إسلامية.
.
وتبع نفى البرادعى توضيح من الجماعة على لسان الدكتور سعد الكتاتنى فى نفس اليوم (نشر النفى والتوضيح فى موقع الجماعة على شبكة الإنترنت يوم ٩ مايو ٢٠١٠).
قال فيه: «إن ما نشرته المجلة منسوبا للبرادعى لم يحدث على الإطلاق، وأن الحوار الذى دار بينه وبين البرادعى تطرَّق للعديد من القضايا الخاصة بالإصلاح والديمقراطية ورأى الإخوان فيها، وأنه أكد للبرادعى أن الإخوان ينادون بدولة مدنية ذات مرجعية إسلامية، باعتبار أن الدولة فى الإسلام هى مدنية فى الأساس وليست دينية كما يردد البعض».
.
وأصبح الجميع، منذ ذلك التصريح، أمام تطابق لا يحتمل الشك بين البرادعى والإخوان حول نقطة مهمة لإدارة حوار موضوعى حولها، وأعنى بها مفهوم الإخوان للدولة المدنية الذى أقتنع به الدكتور البرادعى وراح يروج على أساسه للجماعة فى أروقة الاتحاد الأوروبى وواشنطن. لكن أحدا من النخبة لم يقف ليناقش أو يفكر من أين أتى هذا الاتفاق، ومن راعيه، وفى أى مسار سيوضع بعد ذلك؟
منذ ٢٠٠٥ , وكان هناك موازى مع خط الحوار الأمريكى الإخوانى، مدعوم من أمريكا والاتحاد الأوروبى اعتمد على استغلال وتوجيه طاقات الشباب، والاعتماد على عدم الاستقرار السياسى فى سبيل دفع المجتمع للصدام، مستغلين الظروف والأسباب الموضوعية التى ظهرت، خاصة مع نتائج انتخابات ٢٠٠٥، وتنامى فكرة التوريث، وتردى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فالأسباب كانت موجودة ومقنعة، لكن النوايا لم تكن خالصة، خاصة أن ذلك الصعود المفاجئ والمتتابع لم يكن وليد الصدفة، وإنما ارتبط بدفع الأمريكان فى هذا الاتجاه كمدخل مهم لتغيير النظام وتحقيق عدم الاستقرار، خاصة مع توفير جانب كبير من الدعم والتمويل لتلك الحركات والنشطاء.
.
أثار ذلك الحراك اهتمام الكثيرين ممن يتابعون الأوضاع فى الشرق الأوسط عموما والمنطقة العربية خصوصا، وتفاوتت الرؤى واختلفت التشخيصات من جانب أولئك الذين تناولوا هذه الظاهرة، وفهم ما هى الأسباب والدوافع التى أدت إلى ما أصبح يُعرف اليوم باسم «الربيع العربى»، ورأى محلل بصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية أن السبب الرئيسي وراء ذلك «الربيع» إنما تعود حسب رأيه إلى توقف الناس عن الشعور بالخوف تجاه زعمائهم (وأصبحت القوى الاجتماعية الفاعلة عوضا عن ذلك) تخشى بعضها البعض، فالقبائل لا تزال تخاف من القبائل الأخرى فى ليبيا واليمن، والطوائف تخشى بعضها البعض فى سوريا، والعلمانيون والمسيحيون يخشون الإسلاميين فى مصر وتونس، وأخر قال أن هناك أيدى أمريكية لعبت فى الخفاء، وأنها تضع من لا يقف مع مشروعاتها فى المنطقة، فى جبهة الأعداء الذين ينبغى التخلص منهم .
.
وكان هناك العديد من الذين تناولوا تلك الظاهرة، معتمدين على وثائق سربها موقع «ويكيليكس»، وورد فيها: «أن الولايات المتحدة دفعت عشرات الملايين من الدولارات إلى منظمات تدعو إلى الديمقراطية فى مصر، وحسب الوثيقة السرية التى سربها الموقع والصادرة عن السفارة الأمريكية فى القاهرة فى ٦ ديسمبر ٢٠٠٧، فإن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية «يو آس آيد» خصصت مبلغ ٦٦،٥ مليون دولار عام ٢٠٠٨، و٧٥ مليون دولار فى عام ٢٠٠٩ لبرامج مصرية لنشر الديمقراطية والحكم الجيد.
وبالرجوع لمصدر الوثيقة، نتبين حجم الدعم الهائل لتلك الحركات، ليس فقط هذا، ولكن يأتى وفق خطة مرسومة لسنوات مقبلة، وبتوصية لاستمرار ذلك الخط الذى «يخدم المصالح الأمريكية».
وحقق الدعم الأمريكى هدفه، وبدأ يؤتى ثماره، وهو ما وضحه تقرير سرى من وثائق ويكيليكس بتاريخ ٣٠ مارس ٢٠٠٩، وتحمل الوثيقة رقم ٥٤٤٠٠، وتحدثت عن تزايد أعداد المدونات فى مصر إلى ١٦٠ ألف مدونة، وأن المدونين والنشطاء فى مصر يلعبون دورا له أهمية متزايدة فى توسيع نطاق الخطاب السياسى والاجتماعى الداعى للتغيير، إضافة إلى ازدياد أهمية مناقشاتهم للقضايا الحساسة، مثل التحرش الجنسى، والتوتر الطائفى والعسكرى، وانتقاد الشرطة، التى مثلت قضايا مهمة فى آخر خمس سنوات سبقت ٢٥ يناير ٢٠١١، وقد أثرت هذه المعالجات على المجتمع ووسائل الإعلام.
وتحدثت الوثيقة عن كيفية التعامل مع اعتقال المدونين وفى مقدمتهم، محمد عادل الذى شارك بقوة فى تنظيم ودعم الاحتجاجات فيما بعد.
كما أكدت دور الإنترنت فى مناقشة الشباب لقضايا معينة، وإبرازها مثل التوترات الطائفية، والتحرش الجنسى، والوضع القانونى للبهائيين، وقالت الوثيقة: «إن إحدى المنظمات غير الحكومية على اتصال بهم، وأن أمريكا قدرت أن أغلبية كبيرة من المدونين ما بين ٢٠ و٣٥ سنة، وأن حوالى ٣٠٪ منهم يصبون التركيز على السياسة.
كما ركزت الوثيقة على ضرورة الاهتمام بالقنوات الفضائية التى تناقش القضايا الحساسة مثل الجنس والإجهاض، وفى تعقيب المختص بالمتابعة والتقارير، أوصى بضرورة دعم هؤلاء الشباب واستغلالهم، مدللا على ذلك بزيارة حوالى ٣٠٠٠ شخص كل يوم لمدونة الناشط محمد عباس.
.
وفى هذا الإطار، أفرزت تلك الفترة السابقة لـ«٢٥ يناير» العديد من الحركات الاحتجاجية والمدنية والمنظمات المدعومة غربيا، ومنها: «كفاية، وشباب ٦ إبريل، الجمعية الوطنية للتغيير، وكلنا خالد سعيد»، ونجحت تلك الحركات فى القيام بتظاهرات محدودة فى القاهرة وعدد من المحافظات، فى مناسبات مختلفة، وأصدرت عددا كبيرا من البيانات المطالبة بالتغيير.
جاء حادث تفجير كنيسة القديسين، ليضع اللمسات النهائية لما يحاك لمصر من مؤامرة.. الأمر الذي وضعنا أمام عدد من المعطيات الأساسية التي تربط الداخل بالخارج، ولا تنفصل عنه.. 
و قبل الحادث بأسبوع وبالتحديد في الرابع والعشرين من ديسمبر ٢٠١٠، نشرت جريدة التايمز البريطانية، تحقيقًا صحفيًا تحدث عن إفراج إيران عن عدد من كبار رموز تنظيم القاعدة المعتقلين لديها في صفقة غامضة، قالت الجريدة - التي تتمتع بمصداقية عالية ومصادر غاية في الدقة - إنها جزء من صفقة للإفراج عن الإيرانى حشمت أتار زادة، وهو دبلوماسى كان قد اختطف سابقًا بأيدى عناصر القاعدة ومقاتلى جلال الدين حقانى.
.
الجزء المهم الذي ذكرته الصحيفة "أن مسئولى استخبارات في دول شرق أوسطية وفى باكستان- طلبوا حجب هوياتهم- أطلعوها على أن المعلومات بحوزتهم تشير إلى أن إيران عرضت "مساعدات مباشرة" من حرسها الثورى للقاعدة في الأشهر الأخيرة".
.
وذكرت الصحيفة أن من بين من تم الإفراج عنهم، سيف العدل مسئول استخبارات التنظيم، وأبو الخير المصرى عضو جماعة "الجهاد" المصرية سابقًا، وأقرب رجل إلى أيمن الظواهرى القائد الميدانى للتنظيم، كما شملت القائمة، وفق ما ذكرته الصحيفة، أبو محمد المصرى خبير المتفجرات ومهندس تفجيرات كينيا وتنزانيا، إضافة إلى الكويتى سليمان أبو غيث، الناطق الرسمى السابق باسم القاعدة، وثلاثة من أبناء بن لادن.
.
وختمت الصحيفة أن جميع المطلق سراحهم من عناصر القاعدة في الأشهر الأخيرة، كانوا قد وَقَعُوا في أسر إيران بعد فرارهم إليها أمام تقدم القوات الأمريكية في جنوب أفغانستان في أكتوبر عام ٢٠٠١، واحتفظت بهم سلطات الملالى قيد الإقامة المنزلية الجبرية في ضاحية في شمال طهران باعتبارهم "ورقة للمقايضة الإستراتيجية"
.
وشددت على أن سيف العدل عُيِّن فور الإفراج عنه في منصب كبير قادة العمليات في أفغانستان وباكستان، وأنه أشرف بنفسه على تنفيذ عدد من الهجمات عبر الحدود بين البلدين (أفغانستان وباكستان) في شهرى سبتمبر وأكتوبر ٢٠١٠.
.
ثم فاجأتنا إذاعة النور التابعة لحزب الله اللبنانى الموالى لإيران في السابع والعشرين من شهر أكتوبر، بخبر انفردت به مشاركة مع موقع جريدة مسار الأخبار السورية، قالت فيه إن عاموس يادين الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية في إسرائيل "أمان" أعلن خلال حفل تسليم وتسلم زمام قيادة الجهاز لخلفه أن الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية نجحت في "تصعيد التوتر والاحتقان الطائفى والاجتماعى في مصر لتوليد بيئة متصارعة متوترة دائمًا ومنقسمة إلى أكثر من شطر، في سبيل تعميق حالة الاهتراء داخل البنية والمجتمع والدولة المصرية" ,
الغريب أن الخبر لم تأت أي صحيفة إسرائيلية على ذكره، على الرغم من أهميته، إضافة إلى أن هذا النوع من المهمات، وفق خبراء، لا يقع ضمن مسئوليات جهاز المخابرات العسكرية الإسرائيلية "أمان"، وإنما يقوم به جهاز الموساد، والأكثر غرابة أن هذا النوع من المناسبات، وفق ذات الخبراء، يتم بعيدًا تمامًا عن الإعلام، ولا يحضره صحفيون، الأمر الذي يدلل بما لا يدع مجالًا للشك على أن الخبر لا يخرج عن كونه نوعًا من التعمية على حدث قد تقوم به جهات أخرى لحرق أجهزة التحقيق وتوجيهها وجهة مغلوطة، إضافة إلى تمهيد الرأى العام لقبول مثل هذا النوع من التحليلات.

الى اللقاء مع الجزء العشرون

 

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.