رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الأربعاء 15 مايو 2024 7:04 ص توقيت القاهرة

المؤامرة ...............الجزء التاسع والعشرون

المؤامرة ...............الجزء التاسع والعشرون
.
نظرا للتباطؤ الشديد فى التجاوب مع مطالب القوى السياسية المختلفة، فقد كانت هذه المطالب تتصاعد سريعًا، فاعتبارا من الخامس من فبراير تصدر مطلب رحيل الرئيس عن السلطة مطالب شباب الثورة المزعومة ، وهو الأمر الذى ركز نائب الرئيس على ضرورة تجاوزه والتركيز على إنجاز الأهداف من خلال الحوار، ونجح نائب الرئيس فى شق صفوف القوى السياسية المتحاورة، عندما وعد هذه القوى بإمكانية تحقيق ما يريدون من أهداف عبر الحوار، وأنه لأسباب عديدة لا بد أن يبقى الرئيس مبارك فى موقعه رسميًا إلى نهاية ولايته التى تحل فى شهر سبتمبر ٢٠١١، مؤكدًا أن الرئيس سوف يصبح بدون صلاحيات حقيقية قبل هذا التاريخ، حيث ستبدأ الاستعدادات للانتخابات الرئاسية، ويصبح لدينا قبل هذا التاريخ رئيس جديد منتخب، وقد أكد ذلك عدد من قادة الأحزاب السياسية والشخصيات العامة التى تم اختيارها فى لجان للحوار، حيث تحدث كثيرون اعتبارًا من السادس من فبرير عن أن ما تم تحقيقه يزيد كثيرًا عما كان يطالب به الثوار فى الأيام الأولى للثورة، وأن الرئيس مبارك ينبغى أن يستمر فى موقعه حتى نهاية فترة ولايته الخامسة والأخيرة، وربما كان حديث رئيس الوزراء، وقتئذ، الفريق أحمد شفيق عن أن الجيش لن يسمح بالمساس بأحد رموز المؤسسة العسكرية وقادة حرب أكتوبر، ساهم فى هذه التحولات على أساس أن قوى سياسية عديدة وشخصيات عامة لها مصالح متشعبة، التقطت رسالة القوات المسلحة بأنها لن تسمح بالمساس بالرئيس مبارك، ومن ثم بدأت تتحدث عن إمكانية بقاء الرئيس حتى نهاية ولايته.
.
وبدا واضحًا فى ذلك الوقت أن عناصر عدة تجمعت لتدفع بالموقف إلى التأزم، وتضعف من قدرات نائب الرئيس على إدارة الحوار مع القوى السياسية المختلفة أبرزها:
غياب الثقة فى رئيس الجمهورية، والتأكد من أن نائب الرئيس يعمل وفق التعليمات الصادرة إليه من الرئيس، ونظرًا لأن الرئيس تأخر كثيرًا فى التجاوب مع المطالب، وكان يتخذ القرار بعد فوات الأوان، فقد تمسكت غالبية القوى السياسية بضرورة تفويض الرئيس صلاحياته كاملة إلى النائب، فى حين كان النائب حريصًا على إبداء إخلاصه التام للرئيس، رافضًا جميع الدعاوى من أجل تنحى الرئيس أو نقل صلاحياته كاملة إليه.
- استمرار الانفلات الأمنى، وتواصل عمليات ترويع المواطنين، شكلا عاملين إضافيين لغياب الثقة بين أطراف التفاوض.
- عدم تراجع سيناريو التوريث، فعلى الرغم من التطورات التى حدثت، وتعيين نائب للرئيس، وتأكيد الرئيس نفسه أنه لن يترشح للرئاسة، وتشديد النائب على أن نجل الرئيس لن يترشح لانتخابات الرئاسة القادمة، إلا أن القوى السياسية المختلفة كانت لديها شكوك كبيرة من أن سيناريو التوريث لم يسقط بعد، وتزايدت هذه الشكوك بعد نشر أخبار عن تعرض نائب الرئيس، عمر سليمان لمحاولة اغتيال، وهى المحاولة التى أكدها وزير الخارجية، وقتئذ، أحمد أبوالغيط بعد تنحى مبارك، رغم أن جميع المصادر الرسمية حرصت على النفى القاطع لصحة محاولة الاغتيال.
الإصرار على عدم الاقتراب من رموز النظام الذين أفسدوا الحياة السياسية والاقتصادية، أقام الشكوك تجاه ما يجرى من حوارات.
- تهديد نائب الرئيس فى الثامن من فبراير القوى السياسية المختلفة بأنه فى حال عدم التجاوب مع ما يطرحه من أفكار وحلول، سوف يدفع الرئيس مبارك إلى تسليم السلطة إلى الجيش، مخيرًا القوى السياسية المختلفة بين مواصلة الحوار والقبول بما يطرح من أفكار أو الانقلاب العسكرى، وهو أمر أعتقد أنه أدى إلى تشدد القوى السياسية المختلفة فى مواقفها .

ما هدد به نائب الرئيس لم يكن سلبيًا بالكامل فى عيون القوى السياسية المختلفة، بل إن هذه القوى وجدت فى التهديد ما يحقق هدفًا مأمولا لها، فجميع القوى السياسية كانت تثق فى القوات المسلحة من ناحية، وتدرك من ناحية ثانية أن تسلم الجيش للسلطة قد يكون هو المدخل لإحداث تغيير شامل فى النظام يصل إلى درجة إسقاط النظام القائم واستبدال آخر جديد، لا سيما أن الجيش من اليوم الأول لم يضع نفسه فى مواجهة المتظاهرين، وتحديدًا اعتبارًا من صباح الثالث من فبراير، وبعد إنهاء موقعة «الجمل» بكل ما شهدته من تمرير القوات الموجودة فى الميدان للبلطجية على أنهم متظاهرون مؤيدون للرئيس، وصولًا إلى الحجم الكبير من الخسائر فى صفوف المتظاهرين بفعل نشاط القناصة وحاملى زجاجات المولوتوف طوال الليل، تولى الجيش تأمين المتظاهرين تماما، وهو الأمر الذى كان بمثابة رسالة غير مباشرة من القوات المسلحة للمتظاهرين بأنه يتولى حمايتهم، ولن يبادر بإطلاق النار عليهم أو ترك البلطجية يعتدون عليهم مرة ثانية.
.
بمرور الوقت، لم يدرك النظام أن تركيبة المتظاهرين فى ميدان التحرير قد تغيرت تمامًا، فقد بات الميدان بمثابة ساحة أمل لجميع شرائح المجتمع المصرى، وكل من لديه «مظلمة» كان يذهب إلى الميدان، وكل من يريد مصر «جديدة» كان يذهب إلى الميدان، وهو الأمر الذى ولد إحساسًا قويًا بالأمان لدى المتظاهرين، ومن ثم صَعدوا من مطالبهم.
.
بدا واضحًا أن النظام . لم يكن لديه دراية تامة بالتطورات الجارية سواء فى ميدان التحرير أو ميادين أخرى فى محافظات مختلفة، أو بتغير تركيبة المتظاهرين التى اتسعت لتشتمل جميع شرائح المجتمع، أو التحولات فى المواقف الإقليمية والدولية، وهو الأمر الذى قرأته القوى السياسية المصرية على نحو جيد، ومن ثم أخذت فى تصعيد سقف المطالب.
.
بدا واضحًا، أيضًا، أن النظام كان يرفض مطالب ثوار التحرير والقوى السياسية المصرية، ويستمر فى الرفض، إلى أن تتغير المعطيات على الأرض، فيستجيب، عندئذ يكون العرض قد تم سحبه، وجرى رفع سقف المطالب من جديد، بسبب تغير الظروف فى الشارع، وهكذا، بدأ النظام يتنازل بالاستجابة للمطالب السابقة، ويتشدد تجاه المطالب الجديدة، ويستمر فيتنازل للمطالب التى وجدها متشددة بالأمس، فتطرح مطالب أشد يرفضها، وبذلك ظهر كمتنازل مستمر، وإن كان بشكل متأخر، كما ظهر الشارع كمنتصر مستمر ورافع لسقف المطالب، إلى أن طرح مطلب تنحى الرئيس عن السلطة تماما.
.
فى ٣١ يناير ٢٠١١، وفى أوج الانتفاضة الثورية، قام الرئيس مبارك بتشكيل حكومة جديدة برئاسة الفريق أحمد شفيق، وكلف النائب عمر سليمان بإجراء اتصالات مع جميع القوى السياسية، لبدء حوار حول مختلف القضايا المثارة المتعلقة بالإصلاح الدستورى والتشريعى، على نحو يخلُص إلى تحديد واضح للتعديلات المقترحة والتوقيتات المحددة.
.
فى البداية، قالت أحزاب المعارضة المصرية إنها غير مستعدة للحوار مع عمر سليمان، نائب الرئيس، إلا بعد تنحى الأخير، كما أبدت حكومة أحمد شفيق استعدادها للحوار مع جميع القوى السياسية المعترف بها والمحجوب عنها الشرعية القانونية.
.
وقد رفضت المعارضة المصرية بجميع أطيافها خطاب الرئيس الأسبق، محمد حسنى مبارك، الذى تعهد فيه بعدم الترشح مجددًا للرئاسة بعد انتهاء ولايته، ففى حين وصفه البعض بالخدعة، اعتبر آخرون أنه لا يلبى الحد الأدنى من تطلعات الشعب المصرى.

كانت جماعة الإخوان قد رفضت جميع أشكال الحوار مع الحكومة، وقالت إنها فاقدة الشرعية، معتبرة أن الشرعية الوحيدة التى يمكن الانطلاق منها هى الشرعية الشعبية، وكان التعبير الأكثر وضوحًا على ذلك بيان الائتلاف الوطنى للتغيير، الذى ضم عددًا من القوى والأحزاب السياسية المعارضة، والذى أكد أن قبول المعارضة للحوار جاء «حفاظًا على أمن وسلامة واستقرار الوطن، وأنهم لا يملكون توجيهًا لأحد غير أنفسهم»، مطالبين بالتمسك الكامل بمطالب الإصلاح التى رفعتها غالبية القوى الاجتماعية والشبابية، على وجه الخصوص يوم ٢٥ يناير، كأساس للحوار ومنها:
تشكيل حكومة وحدة وطنية وجمعية تأسيسية لوضع دستور جديد.
حل المجالس النيابية
إجراء تعديلات على المواد «٧٦ و٧٧ و٨٨ و٩٣»، مع إضافة مادة جديدة تسمح للرئيس بالدعوة لانتخاب جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد، مع الفصل الكامل خلال الفترة الانتقالية بين رئاسة الدولة والحزب الوطني.
.
غير أن قوى معارضة أخرى أكدت فى إطار اللجنة الوطنية لمتابعة مطالب الثورة الشعبية المنبثقة عن البرلمان الشعبى، «اجتمعت صباح ٢ فبراير بمقر حزب الغد»، رفض ما جاء فى خطاب الرئيس مبارك، والتأكيد على استمرار الاعتصام والإضراب، والاستعداد الكامل لجمعة رحيل مبارك، وقال المنسق العام للجمعية الوطنية للتغيير (عبدالجليل مصطفى)، إن اللجنة «ليست ضد التفاوض ولكنه مشروط برحيل الرئيس».
.
فيما أكد مؤسس حزب الغد، أيمن نور، فى تصريحه، أن الحوار مع الرئيس أصبح «مستحيلًا»، موضحًا أن «الغد» يقبل بالحوار فور تنحى الرئيس، وصولًا لأجندة تتمثل فى «تفكيك منظومة الفساد والاستبداد وأولاها الحزب الوطنى، مع إعادة هيكلة مباحث أمن الدولة وتحرير السياسة من القبضة الأمنية».
.
وفى ٤ فبراير أعلنت جماعة الإخوان المسلمين قبولها الحوار، بشرط أن يكون حوارًا جادًا منتجًا مخلصًا يبتغى المصلحة العليا للوطن، وذلك شريطة أن يتم فى مناخ طبيعى، ولا يحمل لغة التهديد والوعيد، بغية التوافق حول طريقة الخروج من الأزمة العنيفة.
وقد شارك فى الحوار ٢١ من الأحزاب الصغيرة فى مقر مجلس الوزراء، إلا أنه، وفى ٣ فبراير، أعلنت أحزاب المعارضة الرئيسية رفضها تلبية دعوة عمر سليمان للحوار من أجل الخروج من الأزمة الحالية، ومنها الوفد، والتجمع، والناصرى، والجبهة، وخبراء قانونيون، ورجل الأعمال المصرى نجيب ساويرس.
.
كما أعلن الائتلاف الوطنى المصرى للتغيير، الذى يضم ١٠ من أحزاب المعارضة، تعليقه أى مفاوضات مع النظام الحاكم قبل رحيل الرئيس مبارك، وفى الصدد نفسه قال المتحدث باسم الائتلاف، د. محمد أبو الغار: «موقفنا واضح، لا مفاوضات مع الحكومة قبل مغادرة مبارك»، وفى السياق ذاته أعلن حزب الوفد المعارض فى مصر تعليقه بدء الحوار الذى دعا إليه نائب رئيس الجمهورية، عمر سليمان، مع أحزاب المعارضة، مطالبًا بوقف ما سماه «الأحداث الإجرامية»، فى إشارة إلى المواجهات التى شهدها «ميدان التحرير» بين المتظاهرين المطالبين بتنحى مبارك ومناصرين له.

الى اللقاء مع الجزءالثلاثون

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.