رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الثلاثاء 16 أبريل 2024 5:55 م توقيت القاهرة

المؤامرة ............. الجزء الثامن عشر

مالك عادل

بعد فشل جلسات الحوار بين الجماعة والأحزاب والقوى السياسية، قرر الإخوان إطلاق بالونة اختبار أخرى، ولكن هذه المرة كان الاختبار له هدف مزدوج، رشحت الجماعة ثلاثة من أعضائها في مجلس الشعب لانتخابات مجلس الشورى التي جرت في يونيو ٢٠١٠، كان أول أهدافها من هذا الترشيح قياس مدى قبول النظام لإجراء أي صفقة معها، في إطار محاولات منعها من الارتماء في أحضان الجمعية الوطنية للتغيير، التي أعلنت الجماعة قبيل الانتخابات أنها تدرس إمكانية الانضمام إليها، والهدف الثانى تمثل في اختبار مدى شعبية نوابها بعد خمس سنوات من الوجود في مجلس الشعب.
.
وجاءت النتيجة مخيبة لآمال الجماعة بعد فشل مرشحيها الثلاثة في الفوز بأى مقعد، على الرغم من وجودهم كنواب داخل مجلس الشعب لمدة خمس سنوات متتالية، ومثل ذلك يعد مؤشرا جديدا على ضعف شعبية الجماعة ونوابها في الشارع المصري.
.
شعرت الجماعة بأزمتها الكبرى، وفى محاولة يائسة لدفع النظام لإجراء حوار معها ينقذها من تلك الأزمة، قامت الجماعة بتغيير عاجل في استراتيجيتها، واندفعت باتجاه ركوب موجة البرادعى التي التفت حولها الكثير من القوى السياسية.
.
كانت البداية مع دعوة الدكتور محمد البرادعي خلال زيارته في ٥ يونيو٢٠١٠ لمقر الكتلة البرلمانية، إلى انضمام الجماعة للجمعية الوطنية للتغيير، وذلك خلال لقائه النائب سعد الكتاتنى رئيس الكتلة البرلمانية للجماعة، قبل أن يفقد مقعده في برلمان ٢٠١٠، وكان اللقاء استكمالا للقاء سابق جرى في مارس ٢٠١٠، وتناولا فيه العديد من القضايا المتعلقة بالحريات، وموقف الإخوان من بعض القضايا، وكذا موقف الجمعية من قضايا الإصلاح.
.
كما ناقشا سبل التحرك المشترك، في إطار جمع التوقيعات على بيان «معا سنغير»، والعمل على تحقيق المطالب السبعة التي ينادى بها البيان، وأهمها تعديل الدستور، وإلغاء حالة الطوارئ، وإجراء انتخابات نزيهة، والسماح للمستقلين بالترشح لرئاسة الجمهورية، وهو اللقاء الذي وصف فيه البرادعى الإخوان بأنهم «يمثلون أكبر حزب شرعى في مصر، باعتبارهم يملكون أكبر عدد من مقاعد المعارضة في البرلمان».
.
ومع تأخر وصول أي رسالة من النظام، اندفعت الجماعة أكثر فأكثر باتجاه الجمعية الوطنية للتغيير، وفى أوائل سبتمبر٢٠١٠ دعا محمد البرادعى إلى مقاطعة الانتخابات البرلمانية لأنها «ستُزوَّر»، واعتبر بأن «العصيان المدنى السلمي» سيكون الورقة الأخيرة إذا استمرت الدولة في تجاهل مطالبات الإصلاح، وأضاف البرادعى «الانتخابات البرلمانية على الأبواب، والنظام لم يستجب لمطالبنا، وأى شخص يشترك في الانتخابات سواء أكان مرشحا أم ناخبا يخالف ضميره القومى».
.
بالطبع، وقفت الجماعة بجانبه، تؤازر هذا الطرح، وتدعو جميع القوى السياسية للاستجابة له، معلنة عن زيارات لمقار الأحزاب لإقناعها بالعدول عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة.
استبقت أحزاب الوفد والتجمع والناصري الزيارات التي أعلنت الجمعية الوطنية للتغيير عن تنظيمها إلى مقارها لبحث الموقف من الانتخابات البرلمانية المقبلة، حيث جددت قيادات الأحزاب الثلاثة تمسكها بالمشاركة في الانتخابات، وعدم الالتفات إلى دعوة المقاطعة التي دعت إليها الجمعية، أما سامح عاشور النائب الأول لرئيس الحزب الناصري فأكد أن موقف الأحزاب من المشاركة في الانتخابات لن يتأثر بالزيارات التي قررت الجمعية الوطنية للتغيير إجراءها، مضيفا، أن الموقف الذي استقر عليه الحزب الناصرى هو المشاركة في الانتخابات.
.
بعد تجاهل الدعوة للمقاطعة، أفل نجم البرادعى والجمعية الوطنية في ظل الخلافات الحادة التي عصفت بقيادتها، وانتهت باستقالة منسقها العام الدكتور حسن نافعة، وتولى الدكتور عبد الجليل مصطفى رئاستها، وهو الأمر الذي تسبب في تعرية الجماعة من آخر ورقة توت كانت تستتر بها.
.
بعد اتخاذ مُجمَل أحزاب المعارضة قرار المشاركة في الانتخابات، وبعد أفل نجم الجمعية الوطنية للتغيير، وجدت الجماعة نفسها تقف وحدها في العراء السياسي، فكان قرارها المتعجل بالمشاركة في الانتخابات، بعد أن كانت هيأت كوادرها على أنها ستقاطع الانتخابات. وهو ما خلق شرخا داخليا، بسبب التعبئة التي قامت بها الجماعة لقواعدها واستنفارهم لمقاطعة الانتخابات.
أعلنت الجماعة قرارها بالمشاركة رسميا يوم السبت ٩ أكتوبر ٢٠١٠، كما أعلنت عزمها التنافس على ٣٠٪ من المقاعد وسط اعتراضات داخلية حادة. وبالطبع، كان القرار قد تأخر كثيرا قبل شهر فقط من فتح باب الترشح، وهو ما مثل أول خطأ إستراتيجي وقعت فيه الجماعة، حين اتخذت قرارها فجأة تحت ضغط الغضب من عدم تلبية الأحزاب رغبتها في المقاطعة. انطلقت الجماعة في قرارها من دعوات مغرورة، دفعت بأحد نوابها في دائرة مينا البصل لأن يقول: «لو رشح الإخوان كلبا لأنجحناه»، الأمر الذي أدى في النهاية -وبعيدا عن عمليات التزوير المنهجية للانتخابات- إلى تلك النتيجة المفجعة والصادمة للجماعة.
.
بمراجعة تصريحات قادة الجماعة التي تصدرت المشهد الإخوانى في انتخابات برلمان ٢٠١٠، بدءا من المرشد العام وحتى المرشحين في الدوائر المختلفة، سندرك حجم المأساة، فما بين الصمت الذي فرضه خيرت الشاطر ومحمد حبيب في انتخابات ٢٠٠٥، والتصريحات المتناسقة والموحدة التي ظهر بها مرشحو الإخوان، وما حدث في ٢٠١٠، فرق هائل يدل على تغيير جوهرى لتنظيم يسعى للصدام ولا يسعى مطلقا للفوز، ففى ٢٠٠٥ كان خطاب الإخوان احتوائيا، ويحمل من الذكاء السياسي ما يكفى لكى يدهش المجتمع السياسي المصري، أما في ٢٠١٠ فكنا أمام تصريحات أغلبها عنصرى وعصبى يجلب العداوة وينشر الفتنة، ويضع الجماعة في خانة «التهور السياسي»، على سبيل المثال في ٢٠٠٥ رفع خيرت الشاطر نائب المرشد العام، الذي كان يقود المعركة الانتخابية شعار الخدمات، ونزل إلى الشارع بشعارات تحمل تفصيلات للشعار العام.
في ٢٠١٠ سعى محمد بديع لاستعداء المجتمع، حينما استعلى عليه وعلى أفراده بتصريحات من نوعية أن الإخوان هم ماء السماء الطهور الذي سيطهر المجتمع المصرى من النجاسات، هكذا ببساطة قسم المرشد المجتمع إلى أطهار هم الإخوان فقط، وأنجاس هم بقية المواطنين، دون أن يدرى فضيلته أن هؤلاء المواطنين الذين ألصق بهم صفة النجاسة هم أصحاب الأصوات الانتخابية التي تعلو بمرشح وتخسف بآخر، وفى الوقت الذي اجتهد فيه الإخوان خلال انتخابات ٢٠٠٥ لنفى صلتهم بالعنف، خرج علينا المرشح والقيادى الإخوانى صبحى صالح في ٢٠١٠، ليقول إن «أي اعتداءات على الإخوان ستفتح أبواب جهنم على الأمن».
وهذه التصريحات كانت تؤكد أن الوضع الانتخابى الصعب الذي كانت تعيشه الجماعة، سيدفعها إلى خيار آخر، كانت تعد له جيدا، وهو ما تأكد ما بين ٢٥ و٢٨ يناير ٢٠١١.
.
فى إطار خطة الجماعة للعب على كل الحبال، سواء كانت حبال النظام أو الأمريكان، طلب يوسف ندا، مسئول ملف العلاقات الخارجية بالجماعة، من مهدى عاكف الذى كان يُشرف على التشكيلات غير المعلنة للتنظيم الدولى للإخوان فى الخارج، بأن يقابل الدكتور محمد البرادعى. 
.
كان يوسف ندا قبلها قد حصل على تركة كبيرة من واشنطن عندما رفعت اسمه من قوائم الداعمين للإرهاب، وأسقطت جميع التهم التى سبق أن وجهتها له عقب أحداث الحادى عشر من سبتمبر، فى واحدة من صفقات أمريكا الشهيرة مع الجماعة.
وكان ندا قد عقد عدة لقاءات فى الآونة الأخيرة مع عدد من رجال الاستخبارات الأمريكية فى إحدى العواصم الأوروبية، شملت جزءا كبيرا من حديثهم عن ظاهرة البرادعى، ومدى إمكانية دعم الإخوان له وقبولهم ببرنامجه للتغيير فى الانتخابات الرئاسية المقبلة. حمل ندا كل ما تم التوصل إليه فى تلك اللقاءات إلى مهدى عاكف (نقطة الوصل الرئيسية بين المؤسسات غير العلنية فى التنظيم الدولى وقادة الجماعة الجدد).
.
أمر عاكف يوسف ندى بالاستمرار فى الحوار، وإيهام الأمريكان بأن الإخوان سيقفون مع البرادعى فى أى انتخابات مقبلة، شريطة أن تضغط أمريكا على مصر كى لا تضع العراقيل أمام حركة الجماعة فى الانتخابات التشريعية المقبلة.
لم تدخر الجماعة جهدا، إذ أرسلت الدكتور سعد الكتاتنى، رئيس اللجنة البرلمانية للجماعة فى مجلس الشعب، للقاء الدكتور البرادعى، وفتح حوار معه حول رؤيته للتغيير ومطالب الجماعة منه.
كان المطلب الأول الذى طلبه الكتاتنى من البرادعى هو تجميل صورة الجماعة فى دول أوروبا وأمريكا بما لديه من علاقات قوية فى تلك الدول، وهو ما وعد البرادعى بتنفيذه على الفور، بعدها أعلنت الجماعة مباشرة مساندتها لخطة البرادعى فى التغيير، لم تتجاوز جماعة الإخوان تلك الخطوة حتى لا تفقد بريق خطتها لمغازلة النظام، إذ أن إعلان الجماعة تأييدها للبرادعى فى انتخابات الرئاسة يحرق مراكب الجماعة التى تمتلكها فى بحر النظام، الأمر الذى يمكن أن يتسبب فى غرق كل شيء

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.