رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الأربعاء 15 مايو 2024 5:23 ص توقيت القاهرة

المؤامرة ...............الجزء الثامن والعشرون

المؤامرة ...............الجزء الثامن والعشرون
.
بعد أن بثت بعض المواقع والمنتديات الإلكترونية لبعض التنظيمات الجهادية على شبكة الإنترنت بيانًا صادرًا عما يسمى (دولة العراق الإسلامية) تحت عنوان (من دولة العراق الإسلامية إلى أهلنا المسلمين في مصر الحبيبة) يتضمن دعوة العناصر الجهادية بالبلاد بضرورة إعادة تنظيم أنفسهم في مجموعات، واستهداف السجون لإطلاق سراح المعتقلين، والعمل على إسقاط النظام، والتأكيد على فرضية الجهاد في تلك الفترة
.
- رصد عدد من الأجهزة الأمنية تسلل عناصر من بعض التنظيمات الفلسطينية (كتائب عز الدين القسام بحركة حماس، الجهاد، جيش الإسلام) للبلاد عبر الأنفاق الأرضية في مدينة رفح، وتهريب كميات كبيرة من الأسلحة (من بينها أسلحة ثقيلة) وسيارات مفخخة ومبالغ مالية للقيام بعمليات عنف داخل البلاد لإشاعة الفوضى، فضلًا عن اكتشاف تورط بعض العناصر البدوية من العاملين في مجال التهريب، وتسهيل التسلل لقطاع غزة وإسرائيل، في التخطيط لتهريب أسلحة من مدينة رأس سدر إلى شرم الشيخ، إلى جانب سعى هذه العناصر لتنفيذ عدة عمليات إرهابية (تفجير مصعد بإحدى الهيئات غير المحددة بعبوة ناسفة تفجير، باستخدام أسطوانات البوتاجاز في مدينة الأقصر تفجيرات بمحافظتى القاهرة والبحر الأحمر استهداف مجرى قناة السويس)، كما جاء في أحد محاضر التحريات الخاصة بأجهزة المعلومات.
.
- قيام العديد من المواطنين بالمنطقة المحيطة بميدان التحرير بإعداد المأكولات والمشروبات تمهيدًا لتقديمها للمتظاهرين بالميدان، وطباعة المنشورات المحرضة على إسقاط النظام، وتصنيع زجاجات المولوتوف وتخزين الأسلحة، فضلًا عن مواصلة العناصر الإخوانية بكافّة المحافظات تنظيم تظاهرات ومسيرات حاشدة بمشاركة الآلاف بشكل يومى بمختلف الميادين سعيًا لممارسة الضغوط على الرئيس مبارك لإجباره على التنحى عن السلطة.
.
- امتداد التظاهرات للارتكاز أمام مقرات (مجلس الشعب ووزارة الداخلية ومجلس الوزراء) بأعداد كبيرة من المتظاهرين خلال يوم ٩ فبراير، الأمر الذي دفع رئيس مجلس الوزراء لنقل اجتماع المجلس الذي عقد بذات اليوم بمقر وزارة الطيران في مدينة نصر.
.
و في تلك الأجواء تلقى مكتب النائب العام العديد من البلاغات من مواطنين ضد بعض الوزراء والمسئولين الحاليين والسابقين بشأن تضخم ثرواتهم وإهدارهم للمال العام عقب صدور تكليفات من الرئيس بملاحقة الفاسدين وتقديمهم للمحاكمة. قام الإخوان، عن طريق الدكتور محمد سليم العوا، بإبلاغ يوسف القرضاوى الموجود بدولة قطر، بعدم الحضور للبلاد لإلقاء خطبة الجمعة بتاريخ ١١ فبراير بميدان التحرير، حتى لا يتم إضفاء الصبغة الدينية على الأحداث لحين نجاح الجماعة في إجبار الرئيس مبارك على التنحى وترك السلطة، والاكتفاء بالدور الذي قام به خلال خطبة الجمعة التي بثتها قناة الجزيرة الفضائية بتاريخ ٤ فبراير.
.
في الوقت نفسه، قام العوا بتشكيل لجنة أطلق عليها مسمى «المجموعة القانونية لاسترداد ثروات مصر»، وقام بالتنسيق مع بعض المؤسسات السويسرية والفرنسية لتحديد الإجراءات اللازمة لملاحقة الهاربين بالأموال المصرية خارج البلاد، مدعيًا أنها وصلت إلى (٣ تريليونات جنيه)، في محاولة منه لدفع الناس إلى الغضب واستمرار التظاهر، دعمًا للإخوان، الفصيل الوحيد الذي كان جاهزًا لاستلام السلطة في مصر.
لقد بدا واضحًا، فى معسكر السلطة، أنه لم تكن هناك خلية أو مجموعة لإدارة الأزمة، لا سيما أن موعد التظاهرة الأولى فى الخامس والعشرين من يناير كان محددًا من قبل، فقد جرى التهوين كثيرًا من أهمية الحدث، كما جرى الاعتماد على وزارة الداخلية فى معالجة الموقف برمته، فالإدارة كانت أمنية بامتياز من اللحظة الأولى، ولم تكن هناك رؤية أو دور للقيادة السياسية أو الحكومة فى التعامل مع الأزمة فى أيامها الأولى، واستمر الوضع كذلك حتى مساء يوم الثامن والعشرين من يناير، وهو يوم الجمعة الدامى الذى شهد كثافة فى استخدام القوة ضد المتظاهرين، واقتحاما من الجانب الآخر «الإخوان وحماس وحزب الله» للسجون وأقسام الشرطة، وكان أول ظهور سياسى يومئذ عبارة عن كلمة وجهها الرئيس الأسبق إلى الشعب.
.
كانت كلمة الرئيس الأسبق مبارك التى سبق الإعلان عنها قد تأخرت كثيرًا، الأمر الذى فتح المجال لتكهنات كثيرة، ورفع من سقف التوقعات والمطالب أيضا، وعندما ظهر الرئيس مبارك ليوجه كلمة إلى المصريين جاءت دون سقف التوقعات بكثير، فغاية ما جاء فى الكلمة هو إقالة الحكومة وتشكيل حكومة جديدة.
.
فى اليوم التالى، قرر الرئيس الأسبق تعيين نائب له، كي ينفى مخطط التوريث، دون أن يفتح حوارًا مع المتظاهرين على الأرض، أو حتى الأحزاب السياسية التى كانت مشاركة، فقد كانت إدارة الأزمة تجرى من جانب النظام دون الانفتاح على القوى والأحزاب الداعية للتظاهر، وعلى الرغم من أن الخطاب الثانى للرئيس الأسبق مبارك، استخدم لغة عاطفية دغدغت مشاعر عامة المصريين، إلا أن البعض فسر كلماته حول الاختيار بين الفوضى أو الاستقرار على أنها تهديد للمتظاهرين.
فقد اختتم الرئيس الأسبق خطابه الثانى بالقول: «إن الأيام الماضية تفرض على الشعب والقيادة الاختيار ما بين الفوضى والاستقرار».
.
ولم يبدأ النظام فتح حوار مع الأحزاب والقوى السياسية إلا فى ٣١ يناير، كان قد مضى أسبوع كامل، تصاعدت فيه حدة المطالب كثيرًا، كما أن حالة الانفلات الأمنى وانكسار الشرطة، عقب فتح السجون واقتحام الأقسام، أشاع الفوضى فى الشارع ما آثار غضب المواطنين، الأمر الذى دفع باتجاه تدفق قطاعات جديدة من المصريين على ميدان التحرير، وجرى تكليف نائب الرئيس عمر سليمان بإدارة الحوار مع القوى السياسية المختلفة.
.
فى كلمته قال نائب الرئيس عمر سليمان: «إن مبارك كلفه بإجراء الاتصالات بجميع القوى السياسية ومناقشة جميع القضايا المثارة المتصلة بالإصلاح الدستورى والتشريعى على نحو يخلص لتحديد واضح للتعديلات المقترحة والتوقيتات المحددة لتنفيذها»، فى الوقت نفسه حملت الأخبار تعرض اللواء عمر سليمان لمحاولة اغتيال، وهو الأمر الذى بادرت الحكومة بنفيه، لكن وزير الخارجية الأسبق أحمد أبوالغيط أكد حدوثه فى حوار تليفزيونى فى نهاية فبراير ٢٠١١، وبشكل عام، فقد فتح هذا الحادث الطريق مجددًا أمام تكهنات حول الانقسام فى صفوف النظام والنخبة، وتناثرت شائعات تتحدث عن دور لمجموعات محسوبة على نجل الرئيس فى محاولة الاغتيال، وهو ما ثبت عدم صحته على الإطلاق، كما ثبت أن حركة حماس كانت وراء المحاولة الفاشلة، نظرًا لما يعلمه نائب الرئيس عن دورها فيما يحدث على الأرض فى مصر.

بدأت القوى السياسية المختلفة تتجاوب مع دعوة نائب الرئيس للحوار، وفى الوقت نفسه شددت على ضرورة عدم المساس بأمن المتظاهرين فى ميدان التحرير، وأن يتولى نائب الرئيس إدارة المرحلة الانتقالية بالكامل، فالمتظاهرون لم تكن لديهم ثقة فى الرئيس أو نجله، إضافة إلى الأجهزة الأمنية المختلفة، وفى مقدمتها جهاز مباحث أمن الدولة، لذلك طالبوا بوضوح بأن تكون هناك ضمانات بعدم استهداف المتظاهرين فى ميدان التحرير، وأيضًا أن يتولى نائب الرئيس إدارة المرحلة الانتقالية بما فيها ملف الحوار، أى أن المطلب هنا كان يعنى تراجع الرئيس عدة خطوات إلى الخلف حتى تسود الثقة بين نائبه من ناحية والقوى السياسية المختلفة من ناحية ثانية.
.
جاءت موقعة «الجمل»، التى دبرها بدقة شديدة الإخوان فيما عرف بالفرقة ٩٥، لتنسف الثقة بين نائب الرئيس ورئيس الوزراء، وبين المتظاهرين بشكل شبه نهائى، وهذا هو ما سعت إليه جماعة الإخوان منذ اللحظة الأولى.
.
أشاعت جماعة الإخوان وحلفاؤها، بعد موقعة «الجمل» شائعات عديدة، مفادها أن النظام يسعى إلى الالتفاف على مطالب «الثوار»، وأنه يعمل على شراء الوقت، وأنه بمجرد أن يتمكن من استعادة زمام الأمور فسوف يقوم بهجوم مضاد على الثوار ويلاحق المتظاهرين، كما أشاعوا أن ما يجرى من حوار مع نائب الرئيس لا يعدو أن يكون مجرد الاستماع إلى رؤية نائب الرئيس التى تقترب من أن تكون مطالب أو وجهة نظر أكثر من كون ما يجرى حوارًا.
.
ما لم يعجب المتظاهرين أو ممثليهم ممن أطلق عليهم حركات ثورية، هو تأكيد عمر سليمان فكرة الدور الخارجى أو «نظرية المؤامرة»، ففى الثالث من فبراير قال إن حركة الخامس والعشرين من يناير لم تكن تخريبية، إلا أنه أضاف: «ولكن اندست بينها عناصر لها أجندات خاصة»، وقد فهمت العبارة الأخيرة بأكثر من معنى، منها أنها تعنى قوى أجنبية سبق تحديدها فى «الولايات المتحدة، إسرائيل، إيران، قطر، وحزب الله»، ومنها أنها تعنى حركة الإخوان المسلمين، وهو أمر لا يمكن أن يساعد على حوار إيجابى بناء، لا سيما أن نائب الرئيس دعا الجماعة إلى الحوار، ومن ثم لا يجوز بعد هذه الدعوة الإشارة إلى أن للجماعة أجندات خاصة، حتى لو كان مقتنعًا بذلك، فلا يمكن الحديث عنها صراحة لوسائل الإعلام، طالما أن الهدف هو التوصل إلى صيغة للتوافق، أيضا لم تكن لدى عمر سليمان مساحة من حرية الحركة للتحاور مع القوى السياسية المختلفة أو القبول بحلول كانت كفيلة بالتوصل إلى تسوية مقبولة من مختلف الأطراف، ومن قبيل ذلك رفضه على نحو قاطع مطالب القوى السياسية بحل مجلسى الشعب والشورى، وإجراء انتخابات مبكرة للمجلسين نتيجة عمليات التزوير التى وقعت وأدت إلى تزوير إرادة المصريين، فقد رفض عمر سليمان ذلك على نحو قاطع، متعللا بأن حل المجلسين سوف يعرقل إجراء التعديلات الدستورية، وقد طرحت القوى السياسية المتحاورة هذا المطلب فى الثالث من فبراير، وكان التجاوب مع هذا المطلب على افتراض حدوثه كفيلًا بأن يوجد مدخلا لبدء تسوية حقيقية للأزمة.
.
فى الوقت نفسه طلبت القوى السياسية المختلفة أن يقوم الرئيس بتفويض صلاحياته لنائبه عمر سليمان، حتى يمكن التعامل مع النائب بدرجة عالية من الثقة، وهو الأمر الذى لم يتجاوب معه الرئيس الأسبق، الذى ظل متمسكًا بموقفه عند حدود ما ورد فى خطابه الثانى الذى ألقاه فى الأول من فبراير،

الى اللقاء مع الجزء التاسع والعشرون —

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.