رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

السبت 4 مايو 2024 11:36 م توقيت القاهرة

" اﻹخوان " في ملفات " عمر سليمان " الجزء الثالث

بقلم / مالك عادل

 

وفى المساء كانت تسريبات قد بدأت تخرج لوسائل الإعلام حول عدم سلامة موقف الشاطر القانوني من الترشح للرئاسة ثم تلقى مكتب الإرشاد اتصالات هاتفية من السفارة الأمريكية تحدثهم أن خيرت الشاطر قد انتهى أمره فى ذلك الوقت، وأن الكتاتنى قد يلحق به، وحينها احتار مكتب الإرشاد، لأنه لم يكن لديه تصور لما تريده الإدارة الامريكية، ولكن فى النهاية وبعد يومين من لقاء السفيرة الأمريكية بالمرشد كان عصام العريان يحاول الحصول على موعد شخصى معها دون أن يصرح عن سبب رغبته فى المقابلة، لكن المقابلة لن تتم وبدلا من ذلك كانت القاهرة على موعد مع خبر تم إذاعته من داخل مكتب الإرشاد حول ترشيح محمد مرسى كمرشح احتياطي، وأن السبب فى ذلك أن هناك مخاوف من سلامة موقف الشاطر القانونى للترشح للرئاسة.

الشاطر كان يدرك أن تحركا ما جاء من داخل المجلس العسكرى الحاكم كان وراء إبعاده، وكان الشاطر لايميل كثيرا لمحمد مرسى، وكان النفور فى الواقع متبادلا من كلا الطرفين فمحمد مرسى كان يرى فى الشاطر مجرد تاجر شاطر، بينما كان الشاطر نفسه يرى أن محمد مرسى تم فرضه على الجماعة من أمريكا، وأنه مدعوم بشكل أو بآخر، مما سمح له بالصعود داخل الجماعة بأسرع مما ينتظر له فمرسى لم يكن له أى علاقة بالإخوان قبل سفره لأمريكا وحتى بعد سفره لأمريكا لم يكن معروفا عنه أى نشاط ضمن صفوف الإخوان، وكل ما كان يربطه بالمجتمعات الإسلامية فى أمريكا هو علاقة باهتة بالمركز الإسلامى فى أمريكا الذى زاره مصطفى مشهوربعد أحداث سبتمبر عام 1981اثناء رحلة هروبه من مصر.

اما بالنسبة لعمر سليمان فكان يعرف أكثر من ذلك بكثير، فكان يعرف أنه أثناء زيارة مصطفى مشهور للولايات المتحدة الأمريكية قامت عناصر من المركز الإسلامي فى أمريكا بتعريفه إلى ضباط من "إف بي آي" والذين بدورهم قاموا بتعريفه لضباط من "السى آى إيه"، وهم من حدثوه عن محمد مرسى الطالب النابه المحب للإخوان والصديق للعديد من الأمريكان الطيبين فى تلك الفترة كانى محمد مرسى يعانى كثيرا فى دراسته بسبب ضعفه فى اللغة الإنجليزية، لكنه فى النهاية لم يكن يتعثر لأسباب ظلت مبهمة، ورغم أن محمد مرسى قد نشأ فى أسرة فقيرة، واضطر أن يلتحق بالمدينة الجامعية أثناء دراسته توفيرا للمصروفات، ولكنه استطاع أن يستضيف مصطفى مشهور فى منزله الذى لم يكن يختلف كثيرا عن منازل الطبقة المتوسطة الأمريكية، وأثناء ذلك تحدث مشهور مع مرسى أنه يضع لائحة لإعادة إحياء التنظيم الخاص والدولى للجماعة وكان محمد مرسى عضوا بالجماعة قبل أن ينتهى مشهورمن وضع اللائحة الجديدة. . ومع عودة مرسى إلى مصر تم تصعيده داخل الجماعة نفسها، حيث أصبح مسئولا عن القسم السياسى للإخوان فى محافظة الشرقية ثم تم الدفع به فى انتخابات مجلس الشعب عام 2000ليصبح بعدها وبطريقة غامضة رئيس كتلة نواب الإخوان داخل البرلمان وعضو بمكتب الإرشاد، وبينما شهد عام 2000 القبض على عدد من أساتذة الجامعة المنتمين للجماعة وأحيلوا للقضاء العسكري إلا ان مرسى كان الوحيد الذى أنجي من هذا المصير.

وهنا كان عمر سليمان يعرف تماما، أن الشاطر كثيرا ما سال مرسى عن اللغز وراء عدم اعتقاله ومحاكمته عسكريا على خلفية تلك القضية لتأتي بعدها قضية ميليشيات الأزهر عام 2006 ليتم القبض على معظم قيادات الإخوان بما فيهم خيرت الشاطر دون أن يسال أحد عن محمد مرسى الذي بقى إلى هذه اللحظة القيادى الإخواني الوحيد الذى لم يتم القبض عليه أو حتى تحويله إلى محاكم عسكرية، وكان دائما يتغيب عن اجتماعات تنظيمية يتم القبض على من فيها، ولم يتم القبض عليه إلا مرة واحدة أثناء حركة القضاة التى قضى على ذمتها حوالى سبعة أشهر فى سجن مزرعة طرة الذى أنفق عليه 75 ألف جنيه من أموال الإخوان، وهناك لم يكن مرسى يقضى يومه كأى سجين عادى، لكن يمكن اعتبارها فترة استجمام حقيقية وجدها البعض مجرد ذرا للرماد فى العيون. وفى عام 2005 كان محمد مرسى أحد الداعمين لتوريث جمال مبارك الأمر الذى دفعه للقاء زكريا عزمى بالقصر الجمهوري لوضع خطة مساندة الإخوان لتوريث جمال مبارك مقابل حصول الإخوان على مقاعد برلمانية وعدد من المقاعد الوزارية لكن عنصر من داخل الرئاسة فى ذلك الوقت قام بتسريب تفاصيل الاجتماع لإحدى الصحف الكويتية ليتم كشفها وفضحها وبعدها حدث تباعد بعض الشىء بين الرئاسة والإخوان لقناعة الرئاسة بأن الإخوان يسربون كل ما يتوصلون إليه، بينما كان الإخوان يصرون على أن عناصر داخل الرئاسة لاتريد هذا التحالف.

لكن فى النهاية كان محمد مرسى هو من استقرت عليه الإدارة الأمريكية فى النهاية، وأزاحت من طريقه شخصيات لها وزنها وقادرة على المنافسة بشكل أو بآخر للدرجة التى دفعت بهيلارى كلينتون شخصيا القدوم إلى مصر عشية الانتخابات الرئاسية، وعقدت لقاء مع المشير طنطاوى لم يتناول سوى مغبة وصول منافسي مرسي للحكم وعدم استعداد الولايات المتحدة التعامل مع رموز من الماضي، وفي النهاية ووسط اجواء مليئة بالشكوك ثم التغاضى عن عمليات تزوير واسعة، وتم تجاهل مخالفات مؤثرة فى العملية الانتخابية وحتى فى فرز الأصوات لتعلن نتيجة الانتخابات الرئاسية متأخرة أيا ماكان موعدها. ورغم ذلك أعلنت النتيجة بشكل من الإيجاز المخل، وتم التغاضى عن أي شىء فيما عدا أن محمد مرسى أصبح الرئيس المصرى، بعد أن تم الاطاحة على طول الطريق بشخصيات أخرى من داخل الإخوان، لتدخل مصر مرحلة جديدة تماما مخيفة إلى اقصى درجة وشخصية بامتياز ومبهمة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، لكنها فى النهاية مرحلة قد تصل بها إلى ما وصلت إليه إبان حكم الرئيس المعرول . . في زيارته الأخيرة للمنطقة زار أوباما إسرائيل والسلطة الفلسطينية والأردن دون أن يوجه ولو رسالة لمصر، وهو تغير غير مسبوق في شكل العلاقات بين الدولتين. وتوقع السيد عمر سليمان بل أكد أن زيارة الرئيس أوباما لإسرائيل لن تناقش التطورات الأمنية ولا قدرات جيش الدفاع الإسرائيلي ولا حتى متطلبات إسرائيل العاجلة التي هي دائما بند هام لأي أجندة محادثات بين إسرائيل وأمريكا.

ولكن أكد عمر سليمان، أن تلك الزيارة ستناقش موضوعا واحدا فقط وهو إعطاء الضوء الأخضر لعملية المستنقع المصري، والتي ستتضح في كشف شكلها وتحركاتها والمساهمين فيها قبل أن نتطرق في الحلقة القادمة إلى الشق العسكري النهائي منها.. . لكننا هنا سنركز على ماهية خطة عملية المستنقع المصري والمحددات التي دفعت بالرئيس الأمريكي لإعطاء الضوء الأخضر. . وخطة المستنقع المصري هي خطة حبيسة الأدراج يعود أصلها التاريخي إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، وفي الوقت الذي أدركت فيه الولايات المتحدة الأمريكية أنها سترث الاستعمار القديم بشكل أو بآخر بصرف النظر عن محاولات المقاومة التي تبديها قوى الاستعمار القديم والتي كانت آخر تجلياتها في حرب السويس 1956، والتي كانت أمريكا تنتظرها تماما لتنهي الأمر مرة واحدة وللأبد. . حيث ظلت الحالة المصرية تخضع لمتابعة خاصة متواترة الأهمية حسب الأوضاع السياسية الدولية، فبينما كانت الولايات المتحدة الأمريكية على وشك أن تسدل الستار على حقبة تاريخية كاملة من الصراع مع الاتحاد السوفييتي بعد برنامج حرب النجوم طفت الحالة المصرية على السطح مرة أخرى ضمن الترتيبات المحتملة في منطقة الشرق الأوسط استباقا لانهيار رآه الأمريكان قادما في الاتحاد السوفييتي فتم تحديث الكثير من البيانات والتأكد من كفاءة المصادر. وبداية من عام 2001 بدأ الاهتمام بالحالة المصرية يأخذ شكلا عمليا بصورة أكبر عبر دعم مجموعات المجتمع المدني المؤسسات العاملة في ذلك المجال، كما جرى الدفع بالعديد من المانحين أتى على رأسهم مؤسسة فورد فاونديشن؛ لتوفر دعما كبيرا لقطاعات معينة في مصر وفقا لفارق العملة بالطبع.. ليمتد ذلك أيضا إلى برامج تعميق الديمقراطية التي كثرت في الفترة الأخيرة من حكم مبارك والتي اهتمت أكثر من أي وقت مضى بتحليل المجتمع، فمارست تلك الجمعيات والمؤسسات الكثير من التحليل العلمي لمكونات المجتمع المصري وأصبحت تملك قاعدة بيانات أفضل مما يتواجد لدى الحكومة المصرية نفسها. . بحلول النصف الأخير من العام 2010 استنفرت قطاعات مرتبطة بالحالة المصرية لعمل مراجعة شاملة لكل البيانات والتأكد من المصادر، بينما جرى عقد ثلاثة اجتماعات على مدار النصف الأخير من العام بين منفذين من الولايات المتحدة الأمريكية وبين منفذين بالإدارة الإسرائيلية. . ومع بداية أحداث الثورة المصرية كان على أرض مصر أكثر من أي وقت مضى عدد من الزوار الأمريكان دخلوا مصر قبل أحداث كنيسة القديسين وظلوا بها لعدة أشهر بعد قيام الثورة وتم رصد لقاءات غير مبررة جمعت البعض منهم ومواطنين ينتمون للحزام العشوائي في محيط القاهرة الكبرى والإسكندرية ومنطقة القنال.

وظلت مصر تحت مراقبة دقيقة في تلك الفترة من العديد من الأجهزة لكن معلومات مؤكدة سننشرها بصورة منفصلة وتفصيلا أكدت وجود عناصر من العديد من الأجهزة داخل مصر وبصفة خاصة بالقاهرة خلال تلك الفترة. . وفي تلك الفترة، كانت الولايات المتحدة الأمريكية وبعد سلسلة من الاجتماعات داخل الإدارات الخاصة قد حسمت أمرها بدعم تولي محمد مرسي دون غيره لمنصب الرئاسة، وبعكس ما يظن البعض أن الكثير من المصالح الأمريكية في مصر والمنطقة سيحققها محمد مرسي فإن أكبر هذه المصالح ليست سوى تحقيق الحالة التي يحتاجها الرئيس الأمريكي ليعطي الضوء الأخضر لعملية المستنقع المصري. . أما عملية المستنقع المصري ولماذا تم إعطاء الضوء الأخضر تحديدا أثناء زيارة الرئيس الأمريكي لإسرائيل، فيرجع ذلك إلى ماهية عملية المستنقع المصري نفسها. . عملية المستنقع المصري هي الشكل التنفيذي الذي يشمل أسماء أفراد وجماعات وتسهيلات لوجستية وأيضا شق اقتصادي يشمل الحديث عن معدل تضخم محدد ومقدار العجز في تقديم الخدمات الأساسية، إلى جانب اختبارات حقيقية يجريها أفراد لسرعة تلبية أجهزة الأمن للمثيرات المختلفة وزمن التلبية وفقا لحالة الطرق وغيرها. . في النهاية فإن المستنقع المصري هو اللحظة التي يضغط فيها الرئيس الأمريكي وفقا لإرادة الأجهزة التي تحرك الإدارة الأمريكية على الزر ليبدأ سيناريو التفتيت المخطط له منذ الخمسينيات والذي جرى تطويره طوال الوقت بمنتهى الدقة لكن هناك محددات تجعل الرئيس الأمريكي أيا كان اسمه يضغط على الزر ويقرر إعطاء الضوء الأخضر من عدمه وهذه العوامل محددة وليست على سبيل المثال كما يلي: .. وصول كراهية الشعب للنظام إلى الحد الذي لا ينتظر منه أن يتعاون مع ممثلي النظام. استعداد الشعب لممارسة العنف ضد قوى الأمن الداخلي. إدراك القدرة على الإفلات من العقاب وفقا لتعداد الميليشيات الداعمة لفرد ما أو فصيل ما أو توجه ما. معدل التضخم يقلص سلة الغذاء المتاحة للطبقات المتوسطة. كشف وتعرية رموز النظام. قلة مخزونات الغذاء لحدود الخطر.

ووفقا لذلك فإن زيارة أوباما الأخيرة لإسرائيل تأتي بعد أن تحققت الشروط، وخلال تلك الزيارة لإسرائيل ووفقا لما كان يعلمه عمر سليمان فإن زيارة لأعلى مستويات السلطة سواء في إسرائيل أو أمريكا يجب أن تتم قبل لحظة إعطاء الضوء الأخضر، وكان من المخطط أن يكون رئيس الوزراء الإسرائيلي أيا كان اسمه هو من يأتي إلى واشنطن للتباحث على التفاصيل النهائية مصطحبا فريقا محددا، لكن وبظروف وصول بنيامين نتنياهو للسلطة في إسرائيل ولأن أوباما يريد أن يقدم لإسرائيل (الشعب) رسالة خاصة عبر زيارة خاصة لا يمر فيها على مصر، فإن الترتيبات النهائية يبدو أنها تغيرت قليلا في الشكل عما كان لدى عمر سليمان من معلومات وبدلا من ذهاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بالفريق الخاص لمناقشة الترتيبات النهائية لأمريكا فإن أوباما زار إسرائيل مصطحبا الفريق الخاص بالعملية.

إلى اللقاء مع الجزء الرابع

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.