رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الثلاثاء 30 أبريل 2024 7:24 ص توقيت القاهرة

"صائد التكفيريين".. "أسد سيناء" هذا هو الشهيد البطل العقيد محمد هارون

بقلم شقيق الشهيد / د . أحمد هارون

فى 12 نوفمبر 2015 قال القدر كلمته الأخيرة فى حياة قادر هارون
منطقة " منصة الصواريخ".
هكذا كان اسمها، قد كان الإرهابيون يستخدمونها لإطلاق الصواريخ الحديثة المضادة للدبابات والمدرعات، ثم يشتبكون مع قوات الجيش، وهى الاشتباكات التى كانت تستلزم تدخل الطيران ناحيه مزرعه تسمى مزرعه ابو كبريت ..
فى هذه المنطقة تم اكتشاف عبوة ناسفة، ظلت لعشرة أيام لا يقترب منها أحد، حتى جاء هارون الذى يبدو أنه كان مقدر له أن يموت بها.
كان هارون بإجازته، لم يكن مر على زواجه أكثر من ثلاثة شهور.
تم استدعاءه على وجه السرعة، فالمهمة التى تتنظره لا يستطيع أن يقوم بها غيره.
قرر أن يغادر، كان آخر مكان شهد طلته فى بنى سويف هو قبر والدته، زارها وقرأ لها الفاتحة وتذكر كل أيامها معه، ثم سافر إلى القاهرة ومنها إلى سيناء.
وصل إلى سيناء مساء يوم الأربعاء .
كعادته التى لم يتخل عنها أبدا قبل أى مداهمة، صلى ركعتين، وجمع رجاله من حوله ليتحدث معه، لكنه هذه المرة قال لهم حديث ذو شجون كما قال احد الجنود لشقيقه د.احمد هارون وهو ينظر فى عيونهم : أتمنى ألا يكون أحد منكم غاضب منى... وإذا كنت أغضبت أحدا فليسامحنى !
وصل هارون لمنطقة الصواريخ، لم يعثروا على العبوة الناسفة فى البداية، قال له أحد رجاله: عملنا اللى علينا يا فندم.. مفيش هنا حاجة.
يفيد مهندس المفرقعات انه كان يشعر بالرهبه من هذا المكان وفور علمه بان قائد المداهمه المقدم هارون انفرجت اساريري وفرحت بشدة واطمئننت
شئ ما كان يقول لهارون أن العبوة موجودة، طلب مزيدا من البحث ومزيدا من الدقة، وبالفعل تم العثور على العبوة، وقبل تفكيكها انفجرت فيه.
وجد رجال محمد هارون قائدهم فى بركة من الدماء، حاولوا ايقاف النزيف، حاولوا سد الجرح، لكن حجمه كان أكبر من أن يستطيع أحد أن يسده، فنقلوا قائدهم إلى مقر قوات حفظ السلام الدولية بالجورة.
قوة الانفجار التى تعرض لها هارون تسببت فى كسر عظمة الفخذ الأيسر، وانقطاع شريان الفخذ الرئيسى بحفرة عميقة كالإناء تتطلب البتر ! واستقرت شظيه ثانيه بالكبد
أمسك أحد رجال هارون بقائده وهو يبكى، صرخ عبر اللاسلكى: المقدم هارون بيمووووت.
كانت مفاجأة للرجال، فالمقدم هارون ورغم عظامه التى تكسرت ودماءه التى تفجرت وأوتاره التى اهترأت وكبده التى انشقت وروحه التى انسحبت إلا أنه طلب من رجاله أن يعودوا إلى مقر الكمين.
فى مقر قوات حفظ السلام جرت 4 عمليات لهارون، لكن كلمة الله قد نفذت وظل حتى اللحظة الأخيرة دون أن يهتز أو يرتجف أو يصرخ.
عاش محمد هارون 36 عاما من حياته بين الناس، كان يحبهم ويحبونه، يتواصل معهم عارضا خدماته التى لم تكن تنقطع أبدا.
لكن كانت هناك لحظة خاصة جدا جمعته بشقيقه الأكبر أحمد، هذه اللحظة هى لحظة الخلوة فى القبر، نزل معه أحمد إلى حيث مستقره الأخير.
يقول أحمد: فى القبر جلسنا سويا، أنا وهو، مرت علينا سنواتنا الطويلة معا فى دقائق قليلة، اقتحمتنى قصته من المهد إلى اللحد، كان نائما كالطفل كنومته منذ كنا صغارا... ودعته وواعدته باللقاء قريبا ..
لم يكن أحمد هارون وحده من توقف عند وصية أخيه التى تركها.
بدا من سطورها كم كان نبيلا وراقيا ورائعا فى آن واحد.
على ورقة عادية جدا كتب هارون كلماته الأخيرة، لم يهتم بأن تكون الورقة لائقة، كان يهمه ما سيدونه فيها.
طلب ألا يتم الإبطاء فى دفنه، بل يسارعوا بذلك، فهو يريد أن يلقى ربه مباشرة، لا مجال لانتظار أحد، ولا ضرورة لاستقدام أحد.
طلب هارون فى وصيته قبل دفنه أن يؤدى أهله ما عليه من ديون، وحدد لهم ما عليه بدينان هما: قسط العربية لبنك القاهرة ولها كارت فيه كل المعلومات، والكارت موجود مع الجندى على ودون رقم تليفونه حتى لا يضل أحد الطريق إليه.
الدين الثانى كان 1000 جنيه للأسطى جمال الأستورجى.
ولأنه يريد أن يمتد عمره بصالح الأعمال طلب من أهله أن يتصدقوا على روحه بمبلغ كبير من المال، ولم يكن هذا بغرض الصدقة المطلقة، فلعل لأحد فى رقبته دين لا يتذكره.
هل طلب محمد هارون شيئا آخر؟
فالوصية لم تنته بعد.
طلب ممن تركهم خلفه أن يتوجهوا إلى الله بالدعاء له، لأنه فى حاجة شديدة إلى الدعاء الصادق وهو بين يدى الله.
أين أحمد فى هذه الوصية؟
وضع محمد فى رقبة أخيه أحمد وصية خاصة، طلب منه أن يصلى عليه هو صلاة الجنازة لأنه سيكون – كما قال – الأكثر حزنا عليه والأصدق فى الدعاء على قدر البساطة والورع والنبل.
هل أدركتم لماذا نضع الشهداء فوق رؤوسنا؟
سلم محمد هارون روحه لله وهو لا يملك من الدنيا شيئا إلا بعض ديون، طلب من أهله أن يسددوها عنه، وياليتها ديون كبيرة، مجرد قسط سيارة وألف جنيه لأستروجى، فقد كان العريس الجديد الذى خرج لمهمة موته بعد أقل من 3 شهور فقط على استشهاده لا يزال يسدد ديون زواجه.
طوى الموت صفحة حياة محمد هارون، لكنه لم يقدر على طي سيرته.
حتى الآن تتجدد الحكايات.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.