رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الأحد 19 مايو 2024 7:19 م توقيت القاهرة

صناعة الجهل

   كتب/ دكتور 
حسين علي
أستاذ المنطق وفلسفة العلوم بآداب عين شمس
 
صارت صناعة الجهل علمًا يُطْلَق عليه اسم «علم الجهل» Agnotolgy، وهو العلم الذي يدرس صناعة ونشر الجهل بطرق علمية رصينة. بدأ علم الجهل في التسعينات من القرن الماضي بالظهور بعدما لوحظ أن دعايات شركات التبغ التي تهدف إلى تجهيل الناس بشأن مخاطر التدخين. ففي وثيقة داخلية تم نشرها عام 1979 من أرشيف إحدى شركات التبغ الشهيرة، تبيّن أن أبرز استراتيجية لنشر الجهل كان عن طريق إثارة الشكوك في البحوث العلمية التي تربط التدخين بالسرطان. ومن حينها انطلق لوبي التبغ في أمريكا برعاية أبحاث علمية مزيّفة هدفها تحسين صورة التبغ اجتماعيًا ونشر الجهل حول مخاطره.
تبدأ عملية التجهيل دومًا بالتشكيك في الحقائق الواضحة، ثم في مرحلة تالية يتم نقل المتشكك إلى حالة الرفض التام للحقيقة، ومن ثمَّ يصبح عقله جهازًا لاستقبال معلومات جديدة، هى المعلومات المغلوطة، وهذه الممارسة يمكن ملاحظتها في بعض وسائل الإعلام المعادية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي من بعض الحسابات الظلامية والمتطرفة، والتي تظل تكذب، من أجل زعزعة قناعات الناس والتشكيك في ثوابتهم، ثم تسعى إلى محاولة تمرير أكاذيبها.
وفي مجتمعاتنا العربية تنتشر صناعة الجهل على نطاق واسع، فيعمد أصحاب العقول المعتمة، وأعداء التنوير والتقدم للترويج لمفاهيم مغلوطة، فيقومون بتشويه المفاهيم المخالفة لتوجهاتهم الفكرية والسياسية (كالليبرالية، والعلمانية، والاشتراكية، وحتى الديموقراطية) بهدف تنفير الناس من هذه المفاهيم.
ولكي ندرك أساليب التضليل التي يتبعها الخصوم، نذكر هذه الواقعة الحقيقية:
في بدايات النصف الأول من القرن الماضي، كان «أحمد لطفي السيد» قد قرر نزول الانتخابات البرلمانية في مصر. وقد استغل منافسوه أن الرجل يؤمن بالديمقراطية، فنزلوا إلى دائرته، وروجوا - بالكذب والباطل - بين الناخبين إن الديمقراطية تعني المساواة بين المرأة والرجل، ومن ثمَّ – وكما نشروا بالزور والبهتان بين الناس - إن الديمقراطية تنادي بأنه إذا كان من حق الرجل أن يتزوج من أربع نساء، فإنه يكون من حق المرأة أيضًا أن تتزوج من أربعة رجال!!
تزييف وتدليس وتضليل الهدف منه تشويه مفهوم الديمقراطية في أذهان الناس، حتى ينفروا منها، ويتصدوا لها ويحاربون أنصارها.
وهذا ما حدث بالفعل!!
ففي أحد المؤتمرات التي عُقِدَت لمناصرة أحمد لطفي السيد بإحدى قرى مصر، وقف مواطن يسأل فيلسوف الجيل أحمد لطفي السيد:
«هل أنت ديمقراطي؟
رد لطفي السيد:
« نعم .. أنا ديمقراطي»
ما أن سمع الناس هذه الإجابة، حتى انصرف كل من بالسرادق على الفور.
وسقط لطفي السيد في تلك الانتخابات!!
هذا هو الأسلوب ذاته الذي يتبعه أصحاب العقول المعتمة في أيامنا هذه، يروجون بالباطل:
أن «الليبرالية» .. تدعو للشذوذ الجنسي!!
و«العلمانية» .. هى كفر وإلحاد .. والعياذ بالله!!
و«الاشتراكية» .. هى تحويل المجتمع كله إلى شعب من الفقراء المعدمين!!
إن من يروج لهذه المفاهيم المغلوطة، هم الصنّاع الحقيقيون للجهل والتضليل، والأخطر أنهم في الأغلب الأعم يتخفون وراء الدين، والدين منهم براء!!

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.