رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الأحد 5 مايو 2024 1:46 ص توقيت القاهرة

عذرًا !! - الجزء الثالث OOPS !! 3  

   بقلم: أحلام رحاليّ   

 مراجعة: تامر إدريس 

في صباح اليوم التالي وبعد تناول إفطار شهي من يد الجدة الحانية طارت جنى مسرعة إلى أبيها الذي كان مشغولا باحتساء قهوته المرة في صالون الشقة الخاصة بوالدته حيث أن بيته مكون من عدة طوابق وكل طابق بمثابة شقة مستقلة قائلة: "أبي، هيا موعد الانطلاق". كريم: "حسنا حبيبتي؛ اطلبي من جدَّتك أن تهيئك للخروج".

وبالفعل هرولت إلى جدتها لتجهزها بأبهى حُلَّةٍ وقد فعلت، نظر الأب إلى السماء ليجدها مكتظة بالغيوم والسحب السوداء المطيرة وعقَّب بتنهيدة عميقة قائلا: "OOPS!!" يا للحظ العاثر!!. يبدو أنها ستمطر اليوم؛ هذا لا يبدو جيدا ليتها لا تمطر وتفسد عطلتنا المميزة!!. أراد أن يحمل ابنته كالعادة لكنها فاجأته بقولها: "لا، أريد أن أمشي يا أبي، قد كبرت الآن". تبسم لها وقال: "والله!!؛ حقا!!؛ كبرت علي!!" وضحك حتى بدت نواجذه.

لعب، ضحك، رقص، أكل، شرب، ركض، بكاء، دلال، نوم، شراء، ألعاب، تجهيز هدايا للجدَّة، انتظار على أبواب المراحيض العمومية. استمتعا بكل تفاصيل يومهما المميز معا حتى حان موعد الإياب إلى منزلهما الجميل والجدَّة الحنون. بدت جنى الحلوة مرهقة متعبة ناعسة راغبة في الاستلقاء والنوم بشدة والأب يسرع في ترتيب الأشياء بالسيارة بينما يحمل ابنته خشية هطول الأمطار بشكل مفاجئ.

زخات المطر تتوالي كحبات لؤلؤ تُرَصِّعُ أوراق الأشجار كذا الزهور، ونسائم الجو المحمَّل بشذرات المياه ينعش الأبدان ويجلي الرُّوح. أريج التراب الندي واغتسال الطرقات ووضاءة واجهات المنازل بعد الغدق تطرب الوجدان وتبعث الأمل فيمن حقُّه الأفول.

عاد كريم بصغيرته إلى المنزل، أوقف سيارته ثم خرج، حمل صغيرته على كتف فسندها بإحدى يديه وحمل الأغراض بيده الأخرى، وبينما هو يسير متخبطا على رصيف الشارع ولا يكاد يبصر طريقه جيدا إذا به يصطدم بأحد المارة فتسقط منه الأكياس على الأرض بينما يتمكن من الاحتفاظ باتزانه قليلا فلا تسقط جنى هي الأخرى من على كتفه. يفاجئ بيد أخرى تساعده في التقاط تلك الأكياس وتعطيه إياها فيشكر صاحبها دون أن ينتبه لماهية من يساعده أو أن ينظر في وجهه.

فجأة يرفع رأسه ليبصر الطريق فيدهش بمعرفته لهوية ذلك الشخص، إنها امرأة؛ تعاجله بقولها: "لا بأس، ولكن كن حذرا في المرَّات القادمة"، تأسف لها واعتذر ممَّا بدر منه خطأً. توقفت جوارحه على ذلك المشهد وكأن كيانه قد سجن في تلك اللحظة دون سواها، ثم تمتم قائلا: "أأنت هي؟!، أهذه أنت؟!، أجل أنت هي".

دهشت المرأة من كلماته ممَّا دفعها لسؤاله عن سلوكه الغريب هذا قائلة: "أتعرفني؟!، هل تقابلنا من قبل؟!، من تكون؟!". فأجابها: "نعم، أعرفك جيدا، فأنت صاحبة تلك العيون الناعسة التي تشع نورًا يسطع في تلابيب القلب ويدفئ أرجاء الوجدان". عفوا !، ماذا تقول؟، كفّ عن هذا رجاءً!".

"أنا ذلك الذي كان يحتسي قهوته المرة في المقهى المطلِّ على محطة الترامواي التي كنت تمرين عليه كل يوم في نفس الموعد حتى ذلك اليوم الذي عرفت فيه منك أنك قد تزوجت؛ حقا ما أشبه اليوم بالبارحة! هذا اليوم المطير أشبه ما يكون بيوم تعارفنا الأول وكأنه عاد بي مجددا إلى ذلك اليوم الأول فذكرني بك؛ لكنك تغيرت كثيرا".

قالت: "أهذا أنت؟!، كيف حالك؟، لعلك بخير". تبسمت وهي تنظر إلى الملاك النائم على كتفه ثم تساءلت: "أهذا ابنك؟" فأجابها بقوله: "بل ابنتي جنى"، "سميرة هذا اسمي"، "وأنا كريم"، "تشرفت بمعرفتك أستاذ كريم"، "الشرف لي أنا أستاذة سميرة"، "ربي يحفظها لك"، "شكرا لك"، "ألهذا السبب لم تنتبه إلى الطريق جيدا؟!، لا بأس فحتى أنا الأخرى لم أنتبه لابنتك بسبب غزارة الأمطار فظننتها ولدًا بالبداية".

استأذنت منه على وعد بلقاءٍ جديد إن تيسر لها ذلك؛ فودعها بحرارة وطلب موعدًا قريبًا فقالت له: "دعها للصدفة قد كان لقاؤنا الأول من قبيل الصدفة كذا الابتعاد كان صدفة والعودة أيضا كانت صدفة؛ وما أجملها من صدفة!، سلام".

مرت الأيام سريعا وصولا إلى عطلة الخريف التي سرعان ما انقضت وكأنها حلم خاطف، الجميع يلملم شتات نفسه استعدادا لمزاولة طقوسه اليومية المعتادة، كريم في شركته الناشئة ساعيا بهمَّة ونشاط لتنميتها وتقويتها، سميرة في روضتها الساحرة ببراءة الأطفال والدافئة بحنان الأمهات، وها هي جنى تستمع ببيئتها البهيَّة الشجيَّة وتستأنس برفقة الأطفال وتلهو مع العرائس والألعاب، والجدَّة شغوفة برعاية الابن كريم والحفيدة جنى الغالية؛ فتقوم على شؤون البيت وتعزيز الذوات وبثّ الحماسة وإشاعة البهجة والألفة في آفاق أسرتها البسيطة.

تصحو مبتهجة متحمسة متَّقدة بالهمة والنشاط والحيوية بأول يوم دراسي بالروضة بعد انقضاء العطلة، تفطر سريعا، تقبل يد جدتها، تركض إلى السيارة وتنادى والدها بلهفة ودلال عجيبين ليسرع الخطا وينطلق بها إلى الروضة التي استبد بها الاشتياق لها، طول الطريق وهي تتحدث وتتحدث دون توقف فيندهش الأب من سلوكها ذلك ويستوقف حالتها تلك بسؤال عميق؛ "جنى، ما بك اليوم؟، ماذا هناك؟، لماذا كل هذا الحماس؟"، ترد بصوت عذب رقيق قائلة: "أبي، اشتقت إلى روضتي، زملائي، ألعابي، قسمي، وبخاصة الجميلة اشتقت للقائها جدا جدا جدا".

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.