رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الخميس 16 مايو 2024 3:03 ص توقيت القاهرة

في الذكرى السنوية لرحيل أحد أعمدة الشعر العربي والعراقي المعاصر بدر شاكر السياب

في الذكرى السنوية لرحيل أحد أعمدة الشعر العربي والعراقي المعاصر بدر شاكر السياب في1964رحمه الله علماً بأنه من مواليد 1926 في محافظة البصرة قرية جيكور

جمع وتحقيق واعداد

ماجد محمد طلال السوداني العراق - بغداد

*******************************************

في أحدِ أيام شهر أيلول من عام 1943وقف قطار البصرة القادم من الجنوب العراقي في محطة علاوي الحلة في بغداد الكرخ وكان الهابطين من الفلاحين الحفاة والعسكرين ومن الباعة المتجولين

ونساء محجبات وصغار الحرفين ومرضى من عربات الدرجة الثالثة هبط فتى نحيل الجسم لم يكن أحد في انتظاره انهى دراسته الإعدادية وجاء لبغداد ليلتحق بكلية دار المعلمين العالية ((كلية التربية لاحقاً))

((اسمه بدر شاكر عبد الجبار السياب ))

وكان فتى غض نحيف فيه صفرة له فم كبير وأذانان كبيرتان وانف طويل بارز في وجه النحيل كان آنذاك نموذجاً للريفي العربي

يفد لأول مرة الى المدينة الكبيرة التي بدأت مرحلة جديدة في تاريخها – كان خجولاً هادئاً متحفظاً متجنباً الاحتكاك بأحد

ولم يكن أحد يدري أن هذا الفتى الرقيق الهادئ المتحفظ سيكون

نهباً لأقسى آلام التوزع والتشتت وصريعاً لأعتى أزمة ضمير

عاناها شاعر عربي معاصر.

كانت أمه قد توفيت ويقول فيها ؟

((فقدت أمي وما زلت طفلاً صغيراً فنشأتُ محروماً من عطف المرأة وحنانها.))

ثم يكمل في مكان اخر فيكتب بعد زواج أبيه من امرأة ثانية ؟

أبي منه جردتني النساء وأمي طواها الردى المعجل

ولسنا نشك أن تلك الفتاة القروية الجاهلة ((وفيقه)) التي كانت أول امرأة

عرفها السياب في حياته لم تكن تمتلك ما يتمناه شاعرنا بدر شاكر

في حبيبته المنشودة . وعليه نستطيع ان نفترض انها علاقة حبيبة عابرة لا تتجاوز اللقاءات الخاطفة الحذرة التي لا تشبع ظمأ الشاعر اللاهب الى امرأة تغدق عليه من عطفها وحنانها ما يعوضه عن حرمان الأم .

لقد تظافر هذا اليتم المبكر مع مواضعات البيئة المستقرة على الردع والكبح المتخوفة من الحب . لم يكن امام شاعرنا المرحوم

غير سبيلين

أولها القناعة بالغزل العذري العف

والثاني سبيل الفجور يقضي به حاجة بدنية ملحة

والثاني كان رمزاً لأبشع ألوان الذل والتخلف وبؤرة تتجمع فيه أحط قذارات الواقع الكريه حيق يقول شاعرنا

ما للغرام العف ما للفجور

لا يرضيان الشاعر المستهام

كان السياب عجينة طرية يمكن توجيهها وفق المؤثرات الخارجية وحين بدأ جيل السياب يقرأ الشعر ويكتبه كان شعر الرومانسية العربية ممثلاً في أغلب شعر الشابي وعلي محمود طه وإبراهيم ناجي وجماعة أبولو وشعراء المهجر هو النموذج الأعلى الذي يطمع به شباب ذلك الجيل أن يحاكيه

وانما كان تعبيراً أصيلاً عن أحزان الفرد العربي في مرحلة التفكك والانهيار الشامل وخيبة الآمل حينها السياب لم يكن أنذاك يعي حقيقة التركيب الاجتماعي بدليل أنه يعلل فشل الحب بظل القدر أو الزمن القاسي!!

نستطيع الجزم أن السياب كان تلميذاً مخلصاً للرومانسيين حتى في حالة انتهاء الحب بالفشل وعليه حدثت نقلة وتمت في شعر السياب

من الاكتئاب الرومانسي الى الثورة السياسة وليس محض صدفة أنه أسهم في شعر الوثبة سنة 1948 بعد سنة من اشتغاله مدرساً في الرمادي كان له خلالها اتصال وثيق بشاعرة كان السياب يكثر من التردد على بغداد لرؤيتها ولكن بعض العقبات حالت بينهما ولو عدنا لقصيدته (( السائلة السوداء )) لوجدنا أنه لم يرى في هذه السائلة الا أنها تشابهه بعد أن فقد أماله التي كان يظن أن بأمكانه

تحقيقها في ظل التكيف مع الواقع القائم حيث يقول :

يا من رأيت بحالها حالي ورثيتها فرثيت أمالي

وهذه القصيدة أي السائلة السوداء كتبت في عام 1945

ويقول في قصيدته زنوج أمريكا التي كانت تعد أنذاك أفضل ما يمكن أن يكتب من الشعر الجماهيري حيث كتب يقول :

ومضة النور من ثغور الجراح

أنت قبل الصباح نور الصباح

فانظري هل ترين الا حيارى

وعذارى يضربن الراح بالراح

أن الافاضة او التوسع الذي بلغ نهايته في مطولاته :

(المومس العمياء –حفار القبور- الأسلحةوالاطفال ) كانت وظيفتها نفسية عمادها الانفعال الطاغي حيث كانت تعتبر أداة تنفيس للشاعر بعد وثبة كانون 1948قضى السياب فترة في السجن خرج بعدها ليجد نفسه وحيداً تقاذفهُ المقاهي والفنادق حيث فصل من عمله كمدرس ولم يجد عملاً بديل له

من اجمل ابيات السياب اخترت بعض الابيات حسب ذوقي مع الاعتذار

من قصيدة حفار القبور

هكذا يردد الحفار

-----------------

ما زلت أسمع بالحروب فأين أين هي الحروب

أين السنابك والقذائف والضحايا في الدروب

ومن قصيدة المومس

--------------------

زور وكل الخلق زور

والكون بين افتراء

حقد سيعصف بالرجال

والاخريات النائمات هناك في كنف الرجال

والساهرات على المهود وفي بيوت الأقربين

ستجوع عاماً أو يزيد ولا تموت ففي حشاها

حقد يؤرث من قواها

ستعيش للثأر الرهيب

والداء في دمها وفي فمنها ستنفث من رداها

في كل عرق من عروقِ رجالها شبحاً من الدمِ واللهيبِ

تحقيق واعداد

ماجد محمد طلال السوداني

العراق بغداد

 

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.