رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الثلاثاء 23 أبريل 2024 8:24 م توقيت القاهرة

كيف نستقبل شهر شعبان ؟ وأهم الطاعات فيه

محمد سعيد أبوالنصر
مضى شهر رجب وولى بما فيه من أعمال وذهب، ونعيش شهر شعبان الذي يسبق رمضان، ففيه من الخير الكثير والأجر الوفير ما يرغب فيه الصالحون والعابدون.
إن من نعم الله على عباده أن جعل لهم مواسم للخير، فيها يزيدون أعمالهم، ويتقربون لخالقهم، تشرف الأعمال فيها بشرف الزمان.
روى الإمام الطبراني من حديث محمد بن مسلمة الأنصاري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها، لعله أن يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها أبدا". وقد أظلنا بعض من هذه النفحات، فها نحن قد دخلنا في شهر شعبان، والذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يزيد فيه من العبادة ما لا يزيده في غيره من الشهور؛ "وكان النبي يكثر من الصيام فيه حتى يصومه كله أو أغلبه، إن صيام أكثر شعبان سنة ثابتة عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قالت عائشة - رضي الله عنها-: " لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشهر من السنة أكثر صياما منه في شعبان " (رواه البخاري ومسلم).
وفي رواية لهما: "كان يصوم شعبان كله". وقالت - رضي الله عنها -: «كان أحب الشهور إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم - أن يصومه شعبان، بل كان يصله برمضان» (رواه النسائي، وصححه الألباني).
وعن أم سلمة - رضي الله عنها -، قالت: "ما رأيت رسول الله،- صلى الله عليه وسلم- يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان" (رواه الترمذي والنسائي، وصححه الألباني).
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعن أبيها قالت: « لم يكن النبي r يصوم شهرا أكثر من شعبان، وكان يصوم شعبان كله، وكان يقول: خذوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا ». [رواه البخاري ومسلم].وليس معنى ذلك أنه يصوم شعبان حتى يدخل رمضان، فإنه عليه الصلاة والسلام لم يكن يصوم شهرا كاملا إلا رمضان؛ ولكن يصوم غالبه.
الإكثار من الأعمال الصالحة و قراءة القرآن إذا دخل شعبان.
كان بعض السلف إذا دخل شعبان، أكبوا على المصاحف فقرؤوها، وأخرجوا زكاة أموالهم، تقوية للضعيف والمسكين، على صيام رمضان، فلا تفرطوا في صيام ما تستطيعون من أيامه اغتناما للأجر، لأن فيه فضيلة الصيام؛ ومن حكم صيامه: تهيئة النفوس لصيام رمضان.
إن هذا الشهر العظيم، اكتنفه شهران عظيمان، شهر رجب الحرام، وشهر الصيام؛ فاشتغل الناس بهما عنه، فصار مغفولا عنه، والصحابة الكرام رضي الله عنهم لما رأوا من النبي حرصه الشديد على صيام شهر شعبان دفعهم ذلك إلى أن سألوه عن سر ذلك وحكمته، فبين لهم السبب الداعي لتخصيص شعبان بصيام أكثر من غيره، والسبب في ذلك أن شعبان شهر يغفل الناس عنه؛ فلذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يحيي العبادة فيه، وهذا يدل على فضيلة العبادة في وقت غفلة الناس، ومن الأسباب أيضا: أن الأعمال ترفع إلى الله تعالى في هذا الشهر؛ فكان صلى الله عليه وسلم يحب أن يرفع له عمل صالح فيه؛ فقد روى الإمام النسائي من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان، قال: "ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم". وأفضل التطوع ما كان قريبا من رمضان قبله وبعده، وذلك يلتحق بصيام رمضان لقربه منه، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها؛ فيلتحق بالفرائض في الفضل، وهي تكملة لنقص الفرائض، وكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده. هكذا كان حرصه صلى الله عليه وسلم على طاعة ربه وهو الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم كذلك، كانوا إذا دعوا إلى الطاعة يتسابقون فيها كأن هذه الآية نقشت في قلوبهم ﴿وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين ﴾ [آل عمران: 133]، فاعلموا أن أيامكم معدودة، وأمانة ربكم عارية مردودة، فطهروا قلوبكم من العداوة والبغضاء والشحناء، ولا تحملوا غلا لإخوانكم، بل سابقوا وسارعوا إلى العفو والصفح والمغفرة، ومما جاء في ذلك ما رواه أبو داود من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما أن نتصدق، فوافق ذلك مالا عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر ، فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أبقيت لأهلك؟"، قلت: مثله، قال: وأتى أبو بكر رضي الله عنه بكل ما عنده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أبقيت لأهلك؟" قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: لا أسابقك إلى شيء أبدا. ولعمر الله.. لا يكاد المرء يسمع صنيع عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما إلا وتعجب؛ فقد جاء عند البخاري ومسلم من حديثه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "يا عبد الله، ألم أخبر أنك تصوم النهار، وتقوم الليل؟" فقلت: بلى يا رسول الله... قال: "فلا تفعل صم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقا، وإن لعينك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا" فرجع عبدالله ليجادل النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: " يا رسول الله، إن بي قوة"... هل سمعتم بهذا -يا عباد الله- رجل يجادل ويخاصم حتى يزاد من العبادة عليه والنبي صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى التخفيف.
فاغتنموا هذه الأيام والأعمار قبل أن تشيبوا وتضعفوا، يقول أبو إسحاق السبيعي أحد أئمة الحديث -وكان قد ناهز التسعين من عمره-: "يا معشر الشباب، اغتنموا -يعني: قوتكم وشبابكم- قلما مرت بي ليلة إلا وأنا أقرأ فيها ألف آية، وإني لأقرأ البقرة في ركعة، وإني لأصوم الأشهر الحرم، وثلاثة أيام من كل شهر، والاثنين والخميس"، هذا هو العمل يا من يريد الله والدار الآخرة، ، هذه هي التقوى يا من يريد النجاة.
وإن الاجتهاد في شهر شعبان لهو من الأمور المعينة على الاجتهاد في شهر رمضان، فهو كالزرع يشتد عوده حتى إذا دخل شهر الحصاد شهر رمضان حصد المسلم ما كان يزرع؛ يقول ابن رجب رحمه الله: "إن صيام شعبان كالتمرين على صيام رمضان لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل قد تمرن على الصيام واعتاده، ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته، فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط، ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن؛ ليحصل التأهب لتلقي رمضان، وترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمن"
إذا انتصف شعبان فلا تصوموا
اشتهر بين الناس حديث: "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا حتى رمضان"، وقد اختلف أهل العلم في تصحيحه وتضعيفه، وقد أنكره كبار أئمة الحديث، حتى قال الإمام أحمد -رحمه الله-، لم يرو العلاء حديثا أنكر منه، وقال أبو بكر الأثرم - رحمه الله -: "الأحاديث كلها تخالفه"، وقال الطحاوي -رحمه الله-: "حديث منسوخ، والإجماع على ترك العمل به".
دعاء في شعبان .
لا بد لي أن أنبهكم من دعاء اعتاد بعض الناس على ترداده في هذه الليلة يقولون فيه: "اللهم إن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب شقيا أو محروما أو مطرودا أو مقترا علي في الرزق فامح اللهم بفضلك شقاوتي وحرماني وطردي وإقتار رزقي …" فهذا غير ثابت
ليلة النصف من شعبان
روى ابن حبان في صحيحه من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"يطلع الله إلى خلقه في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن".
وقد قيل بأن هذا الحديث أصح ما ورد في ليلة النصف من شعبان،
والمشرك هو من جعل لله ندا فصرف ما لله عز وجل لغيره، والمشاحن هو من يحمل في قلبه حقدا على أخيه المسلم بغضا له لهوى نفسه؛
وقوله "إلا لمشرك، أو مشاحن"، يدل على رحمة الله بعباد: "يطلع الله عز وجل إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لعباده إلا لاثنين مشاحن وقاتل نفس"فالحديث يدعو إلى التوحيد، وتصفية الأنفس من الأحقاد والأضغان. وصلة الأرحام وبر الوالدين، وإزالة الشحناء من النفوس والبغضاء من الصدور، حتى يدخل المسلم في شهر رمضان وقلبه لا يحمل حقدا ولا غلا ولا شحناء ولا ضغناء على مسلم، حتى يدخل المسلم في شهر رمضان وأرحامه موصولة، وقلبه خال إلا من ذكر ربه وعبادة مولاه. فتفقد نفسك يا عبد الله، وفتش باطنها، فلعلك أن تكون مبتلى بشيء من هذه الشركيات المنتشرة في الأمة، ولا تقل: إنني محمي من الشركيات، لا يمكن أن أقع فيها. فهذا غرور وجهل منك، فإذا كان أبو الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-، وإمام الحنفاء، وخليل الرحمن، يسأل ربه أن يجنبه وبنيه عبادة الأصنام، قال الله تعالى حاكيا عنه: ﴿ وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ﴾ [إبراهيم: 35]، قال إبراهيم التيمي- رحمه الله -: "من يأمن البلاء بعد إبراهيم"؟!، فلا يأمن الوقوع في الشرك إلا من هو جاهل به، وبما يخلصه منه، ولهذا قال، صلى الله عليه وسلم: "أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، فسئل عنه؟ فقال: الرياء"، (حديث حسن، رواه أحمد وغيره).
وتصفية الأنفس ليس مقصورا على ليلة النصف من شعبان فقط، ففي شعبان تعرض على الله، عز وجل، أعمال العبد خلال العام، وهناك عرض أسبوعي، قال -صلى الله عليه وسلم-: "تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين، ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا، إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا" (رواه مسلم).
وأعظم الشحناء التي يجب الحذر منها، ما تختلجه الأنفس الخبيثة من شحناء على صحب محمد،صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك ما تحمله أنفس الروافض على أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعائشة، ومعاوية، رضي الله عنهم، وعامة أصحاب محمد،صلى الله عليه وسلم، كذلك سلامة الصدور على سلف الأمة وعلمائها .. فعلينا أن نستثمر هذه الأيام، فكم من قريب أدرك معنا العام الماضي هو الآن بين الأموات، هذه هي الحقيقة التي منها نهرب، وعنها نعرض، كلما جاء رمضان تكاسلنا، فإلى متى؟؟ أنتكاسل حتى تضعف قوتنا ويرق عظمنا؟؟ أنتكاسل حتى لا نستطيع أن نقوم من أماكننا أو نقضي حاجاتنا؟؟ أنتكاسل حتى يخرج آخر نفس من أنفاسنا؟؟ فإلى متى؟؟
مضى رجب وما أحسنت فيه
وهذا شهر شعبــان الـمبارك
فيـا من ضيع الأوقات جـهلا
بحرمتها أفق واحـذر بـوارك
فسوف تفارق اللذات قـسرا
ويخلي الـموت كرها منك دارك
تدارك ما استطعت من الخطـايا
بتوبة مخلص واجعـل مدارك
على طلب السلامة من جحيم
فخيـر ذوي الجرائم من تـدارك
فعلينا أن نغتنم الصحة، أن نغتنم الفراغ، أن نغتنم الغنى، أن نغتنم الحياة؛ قال صلى الله عليه وسلم: "اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك" رواه النسائي.
فحري بالمسلم: أن يغتنم هذا الشهر الفضيل، ويستثمر ساعاته وأيامه بكل عمل صالح جليل، وأن يتخذ منه استعدادا وتهيؤا لشهر رمضان الكريم، ومن صور الاستعداد والتهيؤ: قضاء المرء ما عليه من أيام رمضان الفائت؛ إذ من رحمة الله عز وجل أن جعل زمن القضاء ممتدا إلى رمضان القادم.
فاغتنموا أيامكم وأعماركم، وأكثروا من الصالحات، ومروا بالمعروف وانهوا عن المنكر؛ لعل الله أن ينظر إلى صالح أعمالكم فيقول: "اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"
إذا العشرون من شعبان ولت فواصل شرب ليلك بالنهار
ولا تشرب بأقداح صغـار فقد ضاق الزمان عن الصغار
وإياكم والصد والإعراض فإنه مهلكة وخسران، كان الحسن البصري يبكي كثيرا، فقيل له: ما هذا البكاء؟ فقال: "أخاف أن يطرحني الله في النار ولا يبالي"
أسأل الله سبحانه أن يصلح قلوبنا، وأن يرزقنا الاستقامة على دينه، وأن يوفقنا للمسارعة إلى الخيرات، ولرضاه، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب إنه ولي ذلك والقادر عليه. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين...

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.