رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الجمعة 17 مايو 2024 11:09 ص توقيت القاهرة

هل تغير القوانين ثقافة العنف ؟

سـامــي بــوادي يـكـتـب..

نحاول دائمًا أن نقوم بالأفضل لأطفالنا. ولكننا في بعض الأحيان لا نعرف كيف نقوم بذلك. النصيحة انه من الأفضل دائمًا أن نبدأ في وقت مبكر، فقد أظهرت الأبحاث أن الأهالي الذين يبدءون في تطبيق أساليب التربية الإيجابية في أي مرحلة يرون تأثيرًا إيجابيًا كبيرًا على سلوك وشخصية أطفالهم. فالحزم لا يعني العنف، ولكن يعني وضع حدود وقواعد واضحة والالتزام بها. وتتطلب أساليب تربية الأطفال الفعالة توازنًا بين وضع قواعد أسرية والالتزام بها وبين إظهار الحب والعطف.و أظهرت جميع الأبحاث على الضرب ان له نتائج سلبية له على الأطفال. فالضرب يزيد من احتماليات المشاكل العقلية والنفسية، والسلوك الإجرامي، وتعرض الطفل للانتهاك الجسدي من قبل الآخرين في المستقبل، والآثار السلبية على نمو دماغ الطفل، وتدني احترام الذات والثقة بالنفس. وعلى عكس ما يظن البعض، نؤكد لكم ان الضرب ليس الصورة الوحيدة لاستخدام العنف في التربية، فهناك العنف النفسي/العاطفي: مثل إهانة الطفل وانتقاده بشكل سلبي وتخويفه واستخدام الألفاظ الجارحة معه والزج به في الشجار بين الأهالي.
والإهمال: مثل عدم تلبية احتياجات الطفل الجسدية والنفسية وعدم حمايته من الخطر وحرمانه من الإحساس بالأمان.
يجب ان ننتبه أن التربية علي العنف بذريعة توجيه العنف ضد الأعداء تتسبب في ارتداد العنف علي المجتمع نفسه ! العنف عبارةٌ عن سلوك لفظي أو جسدي يتميز بالشدة و القسوة، يصدر من طرفٍ ما تجاه طرفٍ آخر، فيلحق به الأذى النفسي أو الجسدي. فالعنف يخرح من رحم القسوة و القسوة حاضنة مغذية للعنف.
ولقد أفادت الأمم المتحدة بتعرّض الأطفال للعنف في المدارس في جميع أنحاء العالم، حيث يتعرّض واحد من بين كل ثلاثة طلاب لهذه الهجمات مرة واحدة على الأقل شهريا، وواحد من كل 10 يكون ضحية للتنمّر الإلكتروني.
وقالت أودري أزولاي، المديرة العامة لليونسكو: "الهجمات الأخيرة على المدارس في أفغانستان وبوركينا فاسو والكاميرون وباكستان واغتيال الأستاذ صامويل باتي في فرنسا، تؤكد للأسف على أهمية مسألة حماية مدارسنا من جميع أشكال العنف".
إن التعامل مع التنمّر هو أيضا مفتاح لحماية الطلاب من "آفة" تم "إهمالها أو التقليل من شأنها أو تجاهلها" على الرغم من أنها تسببت في "معاناة جسدية وعاطفية لملايين الأطفال حول العالم".
ونظرا لحجم العنف والتنمر في المدارس الذي تم تسليط الضوء عليه في تقرير اليونسكو لعام 2019 والذي يغطي 144 دولة، يزداد الالحاح على الحاجة إلى زيادة الوعي العالمي ووضع حدّ للمشكلتين.
وبصفتنا طلابا وأولياء أمور، وأعضاء في المجتمع التعليمي ومواطنين عاديين، علينا جميعا دور يجب أن نقوم به في وقف العنف والتنمّر في المدارس"لإن عواقبهما يمكن أن يكون لها تبعات وخيمة على التحصيل العلمي والتسرّب من المدرسة والصحة البدنية والعقلية.
والأطفال الذين يتعرّضون للعنف بشكل متكرر هم أكثر عرضة بثلاث مرّات تقريبا للشعور بأنهم دخلاء في المدرسة، وتتضاعف احتمالية التغيّب عن المدرسة أكثر ممن لا يتعرّضون للعنف و للتنمّر"، وبحسب اليونسكو، ينعكس ذلك على تحصيلهم العلمي كما أنهم عرضة لترك التعليم الرسمي بعد إنهاء المرحلة الثانوية.
وجديرا بالذكر ان العنف الفظي او التنمّر الإلكتروني اصبح في ازدياد، ويعزو ذلك إلى جائحة كـوفيد-19، حيث أصبح عدد أكبر من الطلاب "يعيشون ويتعلّمون ويتواصلون اجتماعيا عبر الإنترنت" أكثر من أي وقت مضى.
وقد أدّى هذا إلى "زيادة غير مسبوقة في الوقت الذي يتم قضاؤه أمام الشاشة ودمج العالم الواقعي بالعالم الافتراضي" مما زاد من تعرّض الشباب للتنمّر والتسلط عبر الإنترنت.
بينما يتم التنمّر في أغلب الأحيان من قبل أقران الأطفال، في بعض الأحيان يُعتقد أن المعلمين وموظفي المدرسة الآخرين هم المسؤولون. فقد أشارت اليونسكو إلى أن العقاب البدني لا يزال مسموحا به في مدارس 67 دولة.
وعلي هذا يمكننا القول بان العنف ينقسم إلى نوعين:
أ‌. العنف الدفاعي: و يشترك فيه الإنسان و الحيوان؛ و هو عنف غريزي يهدف إلى الحفاظ على النوع.
ب‌. العنف الخبيث (حب التدمير): و هو عنف يختص به الجنس البشري؛ و تندرج فيه السادية و حبُّ التدمير. و هذا النوع من العنف مكتسب حتمًا؛ إذ من الممكن إثارته، و التأثير عليه، سلبًا أو إيجابًا، بواسطة العوامل الثقافية. و قد ذهب جوزيه ساراماجو (روائي برتغالي حائز على جائزة نوبل للأدب و كاتب أدبي و مسرحي و صحفي) إلى القول:" القسوة إختراع بشري، الحيوانات لا تعذب بعضها البعض، نحن نفعل ذلك، نحن الكائنات القاسية الوحيدة على هذا الكوكب! ".
قال الله تعالى: { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ وَ إِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَ إِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ۚ وَ إِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۗ وَ مَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } [البقرة-74] { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ } أي: اشتدت و غلظت, فلم تؤثر فيها الموعظة، { مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ } أي: من بعد ما أنعم عليكم بالنعم العظيمة و أراكم الآيات، و لم يكن ينبغي أن تقسو قلوبكم، لأن ما شاهدتم، مما يوجب رقة القلب و انقياده، ثم وصف قسوتها بأنها { كَالْحِجَارَةِ } التي هي أشد قسوة من الحديد، لأن الحديد و الرصاص إذا أذيب في النار، ذاب بخلاف الأحجار. و قوله: { أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً } أي: إنها لا تقصر عن قساوة الأحجار، ثم ذكر فضيلة الأحجار على قلوبهم، التي رغم قساوتها فمنها ما يتفجر منه الأنهار، و منها ما يتشقق فيخرج منها الماء، و منها ما يسقط من أعالي الجبال خشية من الله و رهبة .
العنف لدى البشر، إذن، ليس من طبيعة الإنسان، إنما هو صناعة بشرية ذو خاصية اجتماعية نَمَتْ الحضارة و نشأت معها؛ و هو ليس، بالتالي، سلوكًا مرضيًّا فرديًّا لإنسان بحدِّ ذاته. و إن اعتبرنا أن شخصية الجماعة هي ثقافتها (القيم و العقائد و الأخلاق)، يكون العنف، بالتالي، فعل ثقافي مكتسب .فالشخص الذي يمارس العنف و القسوة يقيم علاقته مع الآخر على كذب كبير مغلَّفٍ بالقيم و بالشعارات الكبرى، فيردُّ عليه الآخرون بكذب مضادٍّ، مشبع بالمدارة و بالنفاق: كذب في الحياة، كذب في الزواج، كذب في الصداقة، كذب في ادِّعاء القيم، كذب في الرجولة، كذب في المعرفة، و كذب في الإيمان و التجارة و السياسة، إلخ. علاقات زائفة، ضلالية، لا حوار فيها، بل عنف و عنف مضاد، و كذب و كذب مضاد، ليتحوَّل العالم إلى زيف يلعب كلَّه لعبة العنف. و ويل – حينئذٍ – لذوي النوايا الطيبة!
الثقافة السائدة لغويًا مجموعة من الأعراف الجامدة التي لا ُيسهل تغييرها بين ليلة و ضحاها ولا حتى بالتشريع العقابي . لكن مهمة القانون ليس فقط المعاقبة على الجريمة بل منعها ، فالقانون رادع وهذه هي الفلسفة الأساسية منه . أي إن عدم وجود قوانين تحمي من العنف الأسري هي دعوة ضمنية لشرعنة العنف . القول بأن الثقافة لا تسمح بتغيير القانون وأن المشرع يضع الخصوصية الثقافية و النص الديني في الحسبان مقولة تحريض و تواطئ وكم الجرائم التي تم ارتكابها في حق الأطفال و النساء تحت مسمى خصوصية الثقافة لا ُيمكن تصوره . التشريع هدفه حماية ضحية محتملة و ليس حماية الجناة تعديل القوانين هو الخطوة الأساسية في بداية تغيير الثقافة لان ترك الأمور تحت رحمة التأويلات الفقهية و الخصوصية الثقافية يعني أن هناك خلل أكبر من مجرد ثقافة الجماهير فهل ييستطيع تعديل القانون ايقاف العنف الأسري ؟. .
أما شباب هذا الوطن ، فعليهم أن يتسلحوا بالعلم، لا بالعنف، فأنت عندما تستخدم العنف لإسكات صوت قذرٍ واحدٍ من أولئك الذين يطعنون الإسلام ونبيه، فسيخرج لك مكانه ألف صوت يشتمون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أما إذا رددنا عليهم بالعلم و الوثائق التاريخية، فإنك ستخرسه إلى الأبد، و ما يدريك لعله يتحول إلى بعد ذلك الي نؤيد لا معارض مناصر لا منتقد ، فقد كان كثيرٌ من الصحابة في جاهليتهم لا يسبون النبي وحسب، بل يتمنون قتله بأيديهم، فالعلم سلاح المؤمن، و هو سلاح الأمة الأقوى الذي حكمت به مشارق الأرض و مغاربها.حيث اعتنى الإسلام عناية كبيرة بنشر الأمن و الأمان في المجتمع الإنساني كلِّه، و اعتنى كذلك بمحاربة كلِّ أشكال العنف و القسوة و التدمير؛ لأنها تتنافى مع المعاني السامية و الأخلاقيَّات الرفيعة التي حثَّ عليها الإسلام في التعامل بين البشر جميعًا - مسلمين و غير مسلمين - فربُّنَا تبارك و تعالى هو القائل: { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } [فصلت-34]، و كانت سيرة رسول الله ﷺ خيرَ تطبيق لهذه المعاني و القيم.كما نجد رسول الله ﷺ يُحَرِّم قَتْل النفس و سَفْكَ الدم المعصوم؛ بل و جعل ذلك من كبائر الذنوب؛ لقوله تعالى: { وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ } [الإسراء- 33]، ثم يؤكِّد على عِظَم هذه الجريمة تنفيرًا للنفوس من ارتكابها بقوله : ( لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَ أَهْلَ الأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لأَكَبَّهُمُ اللَّهُ فِي النَّارِ) [الترمذي عن أبي سعيد الخدري]. فاشتراك أهل السماء و الأرض في قتل رجل واحد جريمة عظيمة عند ربِّ العالمين، تستحقُّ دخولهم النار جميعًا.و يُحَرِّم كذلك ترويع الآمنين؛ بسدِّ كل المنافذ و الأبواب والذرائع التي قد تكون وسيلة للترويع؛ فقال رسول الله ﷺ : ( مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَلْعَنُهُ، حَتَّى وَ إِنْ كَانَ أَخَاهُ لأَبِيهِ وَ أُمِّهِ) [مسلم عن أبي هريرة]. ففي ذلك تأكيد على حُرْمَة المسلم، وَ نَهْيٌ شديد عن ترويعه و تخويفه، والتعرُّض له بما قد يؤذيه، و هذا التحريم يشمل المسلم و غير المسلم.و لكن النفس البشريَّة غير السويَّة لن تقف عن غيِّها إلاَّ بتشريعات تردع كلَّ مَنْ تُسَوِّل له نفسه ترويع المجتمع، أو الخروج عن السلوك السويِّ، و من هذه التشريعات: حدُّ القصاص و حدُّ البغي، و حدُّ الحرابة.
العنف وسيلة العاجز واللباقة وسيلة الواثق العنف يجعلك مخشيأً في حضورك ملعوناُ في غيابك واللين واناقة الاسلوب يجعلانك محترما في حضورك محفوظا في غيابك ......

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.