بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله حمدا كثيرا كما أمر والصلاة والسلام على محمد سيد البشر، الشفيع المشفع فى المحشر، صلى الله وسلم وبارك عليه ما اتصلت عين بنظر او سمعت اذن بخبر، فقد قال تعالى ولم يزل قائلا عليما وآمرا حكيما تشريفا لقدر المصطفى صلى الله عليه وسلم وتعظيما " وإنك لعلي خلق عظيم" أما بعد قيل أنه كان هناك رجل يسمي عبد الله وهو يبلغ من العمر سبعين سنة، فبينما هو في معبده ذات ليلة إذ وقفت ببابه امرأة جميلة فسألته أن يفتح لها، وكانت ليلة شاتية، فلم يلتفت إليها وأقبل على عبادته، فولت المرأة فنظر إليها فأعجبته، فملكت قلبه وسلبت لبّه، فترك العبادة وتبعها، وقال إلى أين؟ فقالت إلى حيث أريد، فقال هيهات، صار المراد مريدا والأحرار عبيدا، ثم جذبها فأدخلها مكانه، فأقامت عنده سبعة أيام، فعند ذلك تذكر ما كان فيه من العبادة.
وكيف باع عبادة سبعين سنة بمعصية سبعة أيام، فبكى حتى غشي عليه فلما أفاق قالت له يا هذا، والله، أنت ما عصيت الله مع غيري، وأنا ما عصيت الله مع غيرك، وإني أرى في وجهك أثر الصلاح، فبالله عليك إذا صالحك مولاك فاذكرني، فخرج هائما على وجهه فآواه الليل إلى خربة فيها عشرة عميان، وكان بالقرب منهم راهب يبعث إليهم في كل ليلة بعشرة أرغفة، فجاء غلام الراهب على عادته بالخبز، فمد ذلك الرجل العاصي يده فأخذ رغيفا، فبقي منهم رجل لم يأخذ شيئا، فقال أين رغيفي؟ فقال الغلام قد فرّقت عليكم العشرة، فقال أبيت طاويا، فبكى الرجل العاصي، وناول الرغيف لصاحبه وقال لنفسه أنا أحق أن أبيت طاويا لأنني عاص وهذا مطيع، فنام واشتد به الجوع حتى أشرف على الهلاك، فأمر الله ملك الموت بقبض روحه.
فإختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة هذا رجل فرّ من ذنبه وجاء طائعا، وقالت ملائكة العذاب بل هو رجل عاص، فأوحى الله تعالى إليهم أن زنوا عبادة السبعين سنة، بمعصية السبع ليالي، فوزنوها فرجحت المعصية على عبادة السبعين سنة، فأوحى الله إليهم أن زنوا معصية السبع ليال بالرغيف الذي آثر به على نفسه، فوزنوا ذلك فرجح الرغيف فتوفته ملائكة الرحمة، وقبل الله توبته، فيا أخي المسلم، اتقي الله قبل الموت، وبادر إلى إمتثال أوامر ربك قبل أن يأتيك الموت فتندم أكبر الندم، وتتحسر أعظم الحسرة، فإن الله لا يضيع أجر المحسنين من عباده، الذين كانوا في الدنيا يتسابقون نحو الخيرات، ولا تلهيهم تجارة ولا شيء آخر عن عبادة الله وتوحيده، ولا يلتفتون يمينا ولا شمالا، ولا يخافون في الله لومة لائم، وهولاء الناجحون في الدنيا والآخرة.
حيث إنهم عاشوا في الدنيا بالإسلام والإيمان وفي الآخرة لهم البشرى ويكون لهم أحسن الأحوال، حيث قال الله تعالى " وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة " وقال الطبري رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى" وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة " أي وجوه يومئذ مشرقة مضيئة، وهي وجوه المؤمنين الذين قد رضي الله عنهم، ويقال أسفر وجه فلان إذا حسن، ومنه أسفر الصبح إذا أضاء، وكل مضيء فهو مسفر، وأما سفر بغير ألف، فإنما يقال للمرأة إذا ألقت نقابها عن وجهها أو برقعها، يقال قد سفرت المرأة عن وجهها إذا فعلت ذلك فهي سافر أي ضاحكة، ويقول ضاحكة من السرور بما أعطاها الله من النعيم والكرامة ومستبشرة لما ترجو من الزيادة، وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في تفسير قوله تعالى " وجوه يومئذ مسفرة "
وقال ابن زيد رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى " وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة " هؤلاء أهل الجنة، وقال أبو الليث السمرقندي رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى" وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة " من الوجوه ما يكون في ذلك اليوم مشرقة مضيئة يعني فرحة بالثواب وهم المؤمنون المطيعون، وذلك فضل من الله تعالي يؤتيه من يشاء من عباده حيث يسفر وجوه الذين آمنوا وعملوا الصالحات في اليوم الذي فيه تسودّ وجوه وتبيضّ وجوه، ويجعلها ضاحكة ومستبشرة، ومع ذلك تكون ناعمة في الآخرة وراضية عما سلف حيث قال الله تعالى" وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة "
إضافة تعليق جديد