الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين حق قدره ومقداره العظيم، ثم أما بعد لقد حذرنا الله عز وجل من أذي الناس، وأمرنا بالكف عن الأذي حتي مع الحيوان، ومن صور الأذى هو التجسس وتتبع عورات المسلمين، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر، فنادى بصوت رفيع، فقال "يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين، ولا تعيّروهم، ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله"
وكما أن من صور الأذى هو أذية الجيران والجارات وإن إيذاء المسلمين سبب لدخول النار، وكف الأذى عنهم من أسباب دخول الجنة، وكما أن من صور الأذى هو وضع القاذورات والأحجار وتضيق الطرقات على المسلمين والمسلمات، وكما أن من صور الأذى هو التخلي في طرق الناس وأفنيتهم، وقضاء الحاجة في أماكن تنزّههم وجلوسهم وتنجيسها، وتقذيرها بالأنجاس والمهملات، ومن ذلك أيضا في تسريب مياه الصرف الصحي فيها، فيتأذى الناس بالرائحة، إضافة إلى تنجيسهم، وتأذي الناس بذلك أعظم من تأذيهم بقضاء الحاجة في الطريق، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "اتقوا اللعانين" قالوا وما اللعانان يا رسول الله؟ قال "الذي يتخلى في طريق الناس، وظلهم" وكما أن من صور الأذي هو أذية أهل الكتاب بغير حق.
حيث من الأذى المحرم هو أذية أهل الكتاب بغير حق فعن صفوان بن سليم عن عدد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال " ألا من ظلم معاهدا، أو إنتقصه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس، فأنا حجيجه يوم القيامة" وإن من مكارم الأخلاق هو الصبر على أذى الغير، فإن الصبر على أذى الخلق من علامات قوة الإيمان، و صفة من صفات الرجال، فقد قال تعالى " ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور " وكما قال تعالي " ولئن صبرتم لهو خير للصابرين " ومن صور عفو النبي صلى الله عليه وسلم عمن أذاه، هو ما روي عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب، كما أمرهم الله ويصبرون على الأذى، وكما ضرب أنبياء الله صلوات الله عليهم أروع الأمثلة.
في الصبر وتحمل الأذى من أجل الدعوة إلى الله، وقد تحمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المشاق في سبيل نشر الإسلام، وكان أهل قريش يرفضون دعوته للإسلام ويسبونه، ولا يستجيبون له، وكان جيرانه من المشركين يؤذونه ويلقون الأذى أمام بيته، فلا يقابل ذلك إلا بالصبر الجميل، ومن صور عفوه هو موقفه صلى الله عليه وسلم مع أهل مكة، فعندما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة دخل البيت، فصلى بين الساريتين، ثم وضع يديه على عضادتي، الباب، فقال لا إله إلا الله وحده ماذا تقولون، وماذا تظنون؟ قالوا نقول خيرا، ونظن خيرا أخ كريم، وابن أخ، وقد قدرت، قال فإني أقول لكم كما قال أخي يوسف صلى الله عليه وسلم " لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين "
إضافة تعليق جديد