رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الأحد 16 يونيو 2024 3:05 م توقيت القاهرة

أحمد الباز السحت يكتب رؤية الاديان فى مواجهة العلمانية

سنتعرف اولا على مفهوم العلمانية وثانيا نعلم ان هناك كثيرا من المسلمين حاربوا العلمانية ولكن هنا سنتعرف على رؤية احد الاباء المسيحيين فى محاربة العلمانية ايمانا واستنتاجا بان العلمانية خطر يداهم المجتمع والدين المسيحى والاسلامى .
لذلك اخترت رؤية الأب لويس شيخو لطرحها وقرائتها .

اولا: مفهوم العلمانية :
العلمانية وترجمتها الصحيحة: اللادينية أو الدنيوية، وهي دعوة إلى إقامة الحياة على العلم الوضعي والعقل ومراعاة المصلحة بعيداً عن الدين. وتعني في جانبها السياسي بالذات اللادينية في الحكم، وهي اصطلاح لا صلة له بكلمة العلم وقد ظهرت في أوروبا منذ القرن السابع عشر وانتقلت إلى الشرق في بداية القرن التاسع عشر وانتقلت بشكل أساسي إلى مصر وتركيا وإيران ولبنان وسوريا ثم تونس ولحقتها العراق في نهاية القرن التاسع عشر. أما بقية الدول العربية فقد انتقلت إليها في القرن العشرين، وقد اختيرت كلمة علمانية لأنها أقل إثارة من كلمة لا دينية.

ومدلول العلمانية المتفق عليه يعني عزل الدين عن الدولة وحياة المجتمع وإبقاءه حبيساً في ضمير الفرد لا يتجاوز العلاقة الخاصة بينه وبين ربه فإن سمح له بالتعبير عن نفسه ففي الشعائر التعبدية والمراسم المتعلقة بالزواج والوفاة ونحوهما.

تحديدا دخلت العلمانية في مصر مع حملة نابليون بونابرت. وقد أشار إليها الجبرتي في تاريخه – الجزء المخصص للحملة الفرنسية على مصر وأحداثها – بعبارات تدور حول معنى العلمانية وإن لم تذكر اللفظة صراحة. أما أول من استخدم هذا المصطلح العلمانية فهو نصراني يُدعى إلياس بقطر في معجم عربي فرنسي من تأليفه سنة 1827م. وأدخل الخديوي إسماعيل القانون الفرنسي سنة 1883م، وكان هذا الخديوي مفتوناً بالغرب، وكان أمله أن يجعل من مصر قطعة من أوروبا.

وقبل ان اقرأ رؤية الاب لويس شيخو دفعنى الفضول ان اعرف اولا من هذا الرجل قبل ان اقرأ رؤيته عن العلمانية 
فهو كان راهب يسوعي كلداني وأديب ومؤلف  .
فهو مولود في ماردين بالجزيرة الفراتية عام 1859م وكان اسمه قبل الرهبنة «رزق الله بن يوسف بن عبد المسيح بن يعقوب شيخو». انتقل إلى الشام يافعاً، فتعلم في مدرسة الآباء اليسوعيين في غزير بجبل لبنان، وانتظم في سلك الرهبانية اليسوعية سنة 1874م، وصار اسمه لويس شيخو اليسوعي. وتنقل في بلاد أوروبا والمشرق فاطلع على ما في الخزائن من كتب العرب، ونسخ واستنسخ كثيراً منها حمله إلى الخزانة اليسوعية في بيروت. أصبح مدرساً في الكلية اليسوعية في بيروت التي أسسها الآباء اليسوعيون في بيروت في عهد الرئيس اليسوعي الأب مونو عام 1875م، وسميت «كلية القديس يوسف» .
أنشأ مجلة المشرق في بيروت سنة 1898م، واستمر يكتب أكثر مقالاتها مدة خمسة وعشرين سنة. 
توفي في بيروت عام 1927م. من تصانيفه: المخطوطات العربية لكتبة النصرانية، معرض الخطوط العربية، ومجاني الأدب العربي، وعلم الأدب، وغيرها.
اقترح الشاعر التركي محمد عاكف آرصوي استعمال كتابه «مجاني الأدب» في تعليم اللغة العربية.

ثانيا: من قراءة رؤية الاب لويس شيخو عن العلمانية
نتعرف على وقت ظهور العلمانية ودخولها الى بلاد العرب عبر رافدين؛ الأول: التفاعل والاحتكاك المباشر مع الغرب وفكره الوضعي الذي وجد صداه لدى نفر من المفكرين -وعلى الأخص الشوام -الذين أقاموا بالغرب فترة ثم عادوا محملين بفكرة العلمانية وأخذوا ينشرونها عبر الصحف والمطبوعات، ومن هؤلاء: فرنسيس مراش (1836-1873)، وأديب اسحاق ( 1856-1885)، وشبلي شميل (1850-1917) وأمين الريحاني ( 1867-1940) وغيرهم. والثاني: ظهور المؤسسات التعليمية المدنية عوضًا عن المدارس الدينية التقليدية التي كانت سائدة في العالم العربي، ولقد انبرى المفكرون المسلمون كرشيد رضا والشيخ مصطفى الغلاييني في التحذير من خطورة هذه المدارس على الناشئة، وشاطرهم الرأي بعض المفكرين ورجال الدين المسيحيين ومنهم؛ البطريرك ماري الياس الحويك ويوحنا الحاج المارونيين والأب لويس شيخو اليسوعي.

ويعد الاب لويس شيخو اليسوعى ضمن أوائل من انتقد المدارس العلمانية بل والفكر العلماني في الشرق في ذلك مقالين نشرهما بمجلة المشرق عام 1910 وهما: “المدارس العلمانية والأديان” و “لا يمكن ولا يجوز أن أن تكون المدارس علمانية بلا دين” ثم ضمهما في كتاب مع فصول أخرى ونشرهما في كتاب بعنوان “الأحكام العقلية في المدارس العلمانية”، وما كتبه شيخو له قيمة نظرية وتاريخية مهمة للأسباب التالية:

أولا: إجادة لويس شيخو للغة الفرنسية واستناده في تفنيد الفكر العلماني إلى مصادر فرنسية، وهي كتاب الطلاب الذي يدرس لتلاميذ مدرسة (الكلية العلمانية) وكتاب دستور الأدب لصاحبه جول بايو الفرنسي وهو موجه للمدرسين، وعلى هذين الكتابين كان مدار التدريس في الكلية العلمانية ببيروت وهي إحدى المدارس الفرنسية التي أنشئت في مطالع القرن العشرين، وبطبيعة الحال فإن المفكرين الإسلاميين لم يكن بمقدورهم التعامل مع مثل هذه المصادر الأجنبية التي طالعها شيخو، ولا تقديم ذلك النقد البنيوي لها الذي لا يتأتي من مطالعة المصادر النظرية للفكر العلماني، وهذه المصادر كانت وراء وقوفه على جوهر العلمانية المعادي للدين. 

ثانيا: صدوره عن رجل دين مسيحي، وهو الأمر الذي يبين فساد فكرة كون المسيحية أقرب إلى العلمانية بفعل مبدأ (أعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله)، فمن خلال انتقادات شيخو وبعض رجال الدين المسيحيين أمثال يوحنا الحاج وماري إلياس الحويك نتبين أن المسيحية تقف على طرف النقيض منها. 

ثالثا: اعتقاد شيخو أن الأديان الثلاثة ينبغي أن تواجه العلمانية صفا واحدا لأنها تستهدف الأديان مجتمعة، ولذلك ساق انتقاداته باعتبار وجود رؤيتين متضادتين لا ثالث لهما، رؤية الأديان التوحيدية في مقابلة الرؤية العلمانية، فكان من أوائل من طرح فكرة تحالف الأديان في مواجهة العلمانية، ودعوته هذه لا تتنافى مع حقيقة تعصبه ضد الحضارة العربية وشيوع روح المسيحية في كتاباته كما أشار الأستاذ محمد كرد علي الذي زامله في عضوية المجمع العلمي بدمشق، ولكن هذا التعصب توارى وأفسح مجالا للتعاون حالما استشعر الخطر الذي لا يهدد المسيحية وحدها وإنما يستهدف فكرة الدين من الأساس. 

الدين والعلمانية .. رؤيتان متضادتان يمكن تقسيم انتقادات شيخو للعلمانية إلى قسمين: 
القسم الأول: يقارن فيه بين رؤية العلمانية للكون والحياة ورؤية الأديان، واستند فيه بالأساس إلى بعض ما ورد في كتاب “دستور الأدب” المشار إليه سالفا .

القسم الثاني: أبان فساد فكرة الحياد عن الدين التي روج لها العلمانيون، فالحياد في حد ذاته موقف مسبق سلبي من الدين كما يقول، وحججه في هذا القسم هي حجج كلامية أقرب إلى اللاهوت منها إلى عالم الفكر، ولذلك سنركز على النقاط التي أوردها في القسم الأول والتي تكشف عن جوهر التعارض بين الدين والعلمانية ، وهي: 

اولا: إنكار الخالق: تتفق الأديان التوحيدية الثلاثة في عدة أشياء أولها وجود الله عز وجل، فكل الأديان تعتقد أنه تعالى الإله الواحد الواجب الوجود لا أول له ولا آخر، القادر على كل شيء، والعلة الأولى لكل العلل وهو لا علة له، لكن العلمانية لا ترى هذا الرأي -كما يقول شيخو- فالمسيو بايو في كتابه ذكر ما نصه: “أنه من الأمور المستحيلة المضادة للعقل أن يفترض علة أولى للعالم لأن هذه العلة تكون بلا علة سابقة، ويضيف أنه من غير المتصور وجود علل لا نهاية لها. 

ثانيا: إنكار حدوث العالم: تتنفق الأديان أيضًا في اعتقاد حدوث العالم، فالعقل والنقل يبينان أن ما كان ماديا متقلبا ناقصا محدودا ليس بواجب الوجود من ذاته، بل لا بد له من محدث يخرجه من العدم إلى الوجود، لكن العلمانية لا تقبل بذلك فالمسيو بايو ينكر وجود العدم، ولا يرضى من جانب آخر بوجود الخالق، فينتج من هذا الكلام أن العالم قديم لا صانع له وأن الذين يدعون وجود قوة فوق العالم لا يعلمون شيئا. 

ثالثا: إنكار الخلق: ومما تتفق عليه الأديان الثلاثة أن الله خلق الإنسان في حالة الكمال، وأسكنه الفردوس، لكنه هبط منه وسكن الأرض واضطر أن يحيا في كد وشقاء لعمارة الأرض، لكن المسيو بايو يرى أن ذلك لا أصل له وأن كل ما قيل في خلق العالم يعوزه البرهان العلمي، وأن الكون نشأ من تلقاء نفسه كتلة باردة ثم نشأت الحياة من الجماد ثم الحيوان ثم الإنسان الذي كان أبكما ثم ترقى فصار ناطقا.

رابعا: إنكار النبوة والرسالة: الأديان التوحيدية تقول كلها أن الله أرسل وحيا من السماء على رسله، وأن الإنسان مأمور بترك هواه واتباع الوحي المنزل، لكن مسيو بايو يزعم أن ما ظنه الناس وحيا ليس إلا ” ترهات غلبت على عقول بعض المجاذيب والمصروعين والمعتوهين تناقلها الناس وظنوها أقوالا علوية وفيها ما فيها من الأكاذيب التي بين العلم بطلانها كخلق العالم وخلق آدم وحواء والطوفان” وهو لا يقف عند هذا الحد بل يذهب إلى فكرة الوحي تمثل خطرا على الإنسان لأنها تبطل اجتهاده.

خامسا: إنكار الكتب المقدسة: يستتبع رفض العلمانيين لفكرة الوحي بالضرورة إنكار الكتب السماوية وكل سلطة من شأنها أن تقيد حرية الإنسان، وهي الفكرة التي يتبناها مسيو بايو في كتابه زاعما أن العقل الإنساني بلغ في العصر الحديث من القوة واتساع المدارك ما يجعله في غنى عن الكتب الإلهية والسلطة الدينية. 

سادسا: إنكار خلود النفس: تؤمن الأديان التوحيدية الثلاثة أن للإنسان نفسا خالدة لا تموت بعد موت الجسد فتبقى بعده حية مؤبدة، أما المسيو بابو فيذهب في كتابه إلى أن فكرة الخلود كانت عرضة للترقي إذ ظن الناس أن النفس تتجول وهي نصف مادية حول الأمكنة التي عاشت فيها، أما اليوم فنحن نقر بجهلنا بوجود حياة أخرى بعد الموت، فلا يجوز للإنسان مشاطرة الآخرين شكوكه أو يقينه في ذلك، ويمضى جون بايو إلى ما هو أبعد من ذلك نافيا فكرة الثواب والعقاب الأخروي ذاهبا إلى أن الحياة الدنيا هي الغاية القصوى وأنه ينبغي للإنسان أن يبذل جهده فيها لأنه لا مطمح له في حياة أخرى تعوضه عما لم ينله في حياته.

سابعا: إنكار العبادات: كل الأديان بلا استثناء تثبت وجوب الصلاة والتضرع للخالق وما إلى ذلك من العبادات التي شرعها الشارع سبحانه وتعالى لكن المسيو بايو ينكر فرضية الصلاة ويصفها بأنها “أعمال حيوانية لا يدخل فيها شيء من التعقل والإدراك”. 

يتبين مما ساقه الأب لويس شيخو أنه تجاوز النقد السطحي للمدارس العلمانية إلى النقد البنيوي للعلمانية بحسبانها منظومة مادية تعادي فكرة الدين، ومما يكسب هذا النقد أهميته أنه أتى خلال العهد العثماني وحينئذ لم يكن مصطلح العلمانية متداولا في الكتابات العربية، ولعله أول من استعمله، وأن صاحبه كان من أوائل الداعين إلى اتحاد أهل الأديان في مواجهة الفكرة العلمانية، وهو الأمر الذي يبرهن على أصالة رؤية شيخو وصلاحيتها حتى يومنا هذا.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.