الحمد لله السميع البصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، ثم أما بعد لقد كان بني المصطلق قد أعلنوا اسلامهم عن بكرة أبيهم ودخلوا في دين الله ودخلوا تحت راية سيد المرسلين صلوات ربي وسلامه عليه، فلما دار الحول دورته على تلك الغزوة أرسل النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة رضي الله عنه ليأخذ صدقات أموالهم ويردها على فقراءهم ووصاه النبي صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له، ومضى الوليد بن عقبة رضي الله عنه في طريقه الى بني المصطلق على رأس نفر من المسلمين وفي احدى الليالي وبينما هو رضي الله عنه في خيمته لم ينم لأنه تذكر العداوة بينه وبين بني المصطلق فشعر ببعض الخوف في.
فقال لنفسه ان ذهبت اليهم قتلوني وثأروا مني، وقال في نفسه مالي ولهذه المهمة الأولى بي أن أرجع من مكاني، وفي الصبح كرّ راجعا من حيث أتى دون أن يكمل طريقه اليهم، ولما رجع الوليد بن عقبة رضي الله عنه الى المدينة أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما أخبر به أصحابه بان بني المصطلق قد إرتدوا عن الإسلام وكادوا أن يفتكوا به وبأصحابه، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا وأعطى أوامره وتوجيهاته بالإستعداد لغزو بني المصطلق نتيجة إرتدادهم عن دينهم كما إدعى الوليد كذبا وزورا وبهتانا، وكادت أن تقع حربا ضروسا بين فئتين مؤمنتين لولا رحمة الله بعباده حين وصل نبأ هذا الفاسق لبني المصطلق وأن ما نقله زورا وبهتانا وإفكا، فشكلوا على جناح السرعة وفدا من كبارهم وأشرافهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم.
وهو في أشد الغضب عليهم، فقالوا يا رسول الله حنانيك ورضاك فنحن على غير ما وصلك عنّا، لقد كنا قد سمعنا برسولك قادم الينا فخرجنا بجموعنا اليه لنكرمه ونستقبله ونؤدي اليه ما عندنا من الصدقة وما يتوجّب علينا من الزكاة ولا ندري لماذا كرّ راجعا ثم بلغنا أنه قد زعم اليك أننا خرجنا اليه لنقتله ومن معه وأنا قد إرتددنا عن الاسلام وإمتنعنا عن آداء الزكاة فوالذي بعثك بالحق ما حدث شيء من ذلك أبدا وما كفرنا بالله منذ ان آمنا ولا إنسلخنا عن الاسلام منذ دخلنا فيه، فذهل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسمع منهم ما يقولون فتوقف عليه الصلاة والسلام عن الفصل في الموضوع لا يصدّق ولا يكذب لا الى الوليد وخبره يميل ولا الى بني المصطلق يميل حتى يتبيّن له الحق وينزل قول الحق تبارك وتعالى بقوله.
" يا أيها الذي آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين " ومع نزول هذه الآية الكريمة وما بعدها جاء الحق وزهق الباطل واستبشر وفد بني المصطلق بحكم الله تبارك وتعالى وبآياته الكريمة تنزل فيهم، فقبل النبي صلى الله عليه وسلم مقالتهم وأكرم وفادتهم وافتضح أمر الوليد رضي الله عنه، فأبدى عذره وندمه ورجوعه الى الحق، وإنابته الى الصراط المستقيم فقبل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعفا عنه، وقوله تعالى " ولا نساء من نساء " نزل في نساء النبي صلى الله عليه وسلم، فعن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن صفية بنت حيي أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إن النساء يعيرنني ويقلن يا يهودية بنت يهوديين، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم هلاّ قلت إن أبي هارون، وعمي موسى،
وأن زوجي محمد عليه الصلاة والسلام، فنزلت هذه الآية في حقها وحق من عيّرها وطعنها في نسبها، فالمجتمع الإسلامي وحدة متكاملة لا تتجزأ، ولا يجوز لأحد أن يسخر من أحد، حسب أمر الله عز وجل في هذه الآية الكريمة، لا رجال من رجال ولا نساء من نساء، فالسخرية بالناس حرام شرعا ومنهي عنها بنص هذه الآية الكريمة، وقد نزل قوله تعالى " لا يسخر قوم من قوم" في ثابت بن قيس بن شماس وكان في أذنه وقر أي ثقل في السمع وكان إذا دخل المسجد تفسحوا له حتى يقعد عند النبي صلى الله عليه وسلم ليسمع ما يقول، فدخل المسجد يوما والناس قد فرغوا من الصلاة وأخذوا أماكنهم في الجلوس فجعل يتخطى رقاب الناس ويقول تفسحوا تفسحوا، حتى إنتهى إلى رجل فقال له أصبت مجلسا فاجلس، فجلس ثابت بن قيس خلف ذلك الرجل مغضبا.
فلما إنجلت الظلمة قال ثابت من هذا ؟ قال الرجل أنا فلان، فقال ثابت ابن فلانة فنكس الرجل رأسه حياء وخجلا، فنزلت هذه الآية الكريمة " يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم " فقال ثابت بن قيس لا أفخر على أحد في الحسب بعدها أبدا.
إضافة تعليق جديد