بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : السبت الموافق 7 سبتمبر 2024
الحمد لله أحاط بكل شيء خبرا، وجعل لكل شيء قدرا، وأسبغ على الخلائق من حفظه سترا، أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، أرسله إلى الناس كافة عذرا ونذرا صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، أخلد الله لهم ذكرا وأعظم لهم أجرا، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين ثم أما بعد يقول الشيخ عبدالقادر الجيلاني رحمه الله بنيت أمري على الصدق، وذلك أني خرجت من مكة إلى بغداد أطلب العلم، فأعطتني أمي أربعين دينارا، وعاهدتني على الصدق، ولما وصلنا أرض همدان، خرج علينا عرب فأخذوا القافلة، فمر واحد منهم، وقال ما معك؟ قلت أربعون دينارا، فظن أني أهزأ به، فتركني، فرآني رجل آخر، فقال ما معك؟
فأخبرته، فأخذني إلى أميرهم، فسألني، فأخبرته، فقال ما حملك على الصدق؟ قلت عاهدتني أمي على الصدق، فأخاف أن أخون عهدها، فصاح الأمير باكيا، وقال أنت تخاف أن تخون عهد أمك، وأنا لا أخاف أن أخون عهد الله، ثم أمر بردّ ما أخذوه من القافلة، وقال أنا تائب لله على يديك، فقال من معه أنت كبيرنا في قطع الطريق، وأنت اليوم كبيرنا في التوبة فتابوا جميعا بفضل الله تعالى، ثم ببركة الصدق" وصدق الجنيد رحمه الله حيث قال "حقيقة الصدق أن تصدق في موطن لا ينجيك منه إلا الكذب" فالصدق يحتل مكانا رئيسا في منظومة الأخلاق الإسلامية، ومنه ما يتعلق بالقول، ومنه ما يتعلق بالعمل، وقد امتدح النبي صلى الله عليه وسلم الصدق وعظم شأنه فقال "إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكون صديقا،
وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا" وقد اشتهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقه حتى قبل بعثته حيث كان معروفا بين الناس بأنه صادق أمين، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال لما نزلت " وأنذر عشيرتك الأقربين" صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا فجعل ينادي يا بني فهر، يا بني عدي لبطون قريش حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج، أرسل رسولا لينظر ما هو، فقال صلى الله عليه وسلم "أريتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقي؟" قالوا نعم ما جرّبنا عليك إلا صدقا، وفي رواية "ما جربنا عليك كذبا" فهذه شهادة من كفار قريش لنبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم أنهم لم يأثروا عليه كذبا قط .
ولم يعلموا عنه إلا الصدق، فيا أخي الكريم ظلل بخيام الرحمات على زوجتك وبناتك ونسائك فإنهن مهما بلغن في علم ومال يظللن في حاجتك وعطفك وتذكر يا باذر المعروف أن حصاده مبارك وجناه طيب، وعليك بصلة الأرحام فإنها مشتقة من الرحمة ولسوف تذوق حلاوة ثمرها في الدنيا قبل الآخرة وتذكر يا من أغناك الله من فضله أن خادمك ما أتى إلا لحاجة ماسة ألمت به وسوء عيش أرق ذريته، فلا تقس عليه وتجاوز عن أخطائه، فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت "ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خادما له قط ولا امرأة له قط ولا ضرب بيده إلا أن يجاهد في سبيل الله" رواه أحمد، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال" إن خادمي يسيء ويظلم، أفأضربه ؟ قال تعفو عنه كل يوم سبعين مرّة" رواه أحمد والترمذي.
إضافة تعليق جديد