▪️
▪️بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى
▪️مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف
عِنْدَمَا يَشْتَدُّ الْحَرُّ تَعْظُمُ قِيمَةُ المَاءِ وَلَا شَيْءَ أَلَذَّ مِنَ المَاءِ الْحُلْوِ الْبَارِدِ عَلَى الظَّمَأِ ؛ وَلِذَا رغب النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ فِي إتباع سُنَّتِهِ بِالشُّرْبِ يَوْمَ الْعَطَشِ الْأَكْبَرِ مِنْ حَوْضِهِ الَّذِي وَصَفَهُ بِقَوْلِهِ :
مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ ، وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ المِسْكِ ، وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ ، مَنْ شَرِبَ مِنْهَا فَلاَ يَظْمَأُ أَبَدًا .
رَوَاهُ الشَّيْخَانِ
وَفِي الْجَنَّةِ أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍجعلنا الله وإياكم من أهلها .
وَفِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ بَعَثَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِرِسَالَةٍ إِلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ مَعَ نَبِيِّهَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَقَالَ :
يَا مُحَمَّدُ أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلَامَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ عَذْبَةُ المَاءِ .
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
فَلَأَهَمِّيَّةِ المَاءِ فِي حَيَاةِ النَّاسِ ، وَلَذَّتِهِمْ بِهِ حَالَ الْعَطَشِ ؛ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى أَنْهَارَ الْجَنَّةِ وَوَصَفَهَا وَذَكَرَهَا الْخَلِيلُ فِي وَصِيَّتِهِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ ؛ وَذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَافَ حَوْضِهِ فِي المَوْقِفِ الْعَظِيمِ وَخُصَّ الصَّائِمُونَ الظَّامِئُونَ بِبَابِ الرَّيَّانِ فِي الْجَنَّةِ .
وَإِذَا عَظُمَتْ حَاجَةُ الْبَشَرِ لِشَيْءٍ كَانَ بَذْلُهُ لَهُمْ أَنْفَعَ شَيْءٍ عِنْدَهُمْ وَأَعْظَمَ الْقُرَبِ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى وَالمَاءُ أَهَمُّ شَيْءٍ لِبَقَاءِ الْجِنْسِ الْبَشَرِيِّ بَعْدَ الْهَوَاءِ ، فَكَانَ فِي بَذْلِهِ إِحْيَاءٌ لَهُمْ كَمَا أَنَّ فِي مَنْعِهِ عَنْهُمْ هَلَاكًا لَهُمْ .
وَلِذَا كَانَ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ بَذْلُ الْمَاءِ وَكَانَ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ مَنْعُ فَضْلِ المَاءِ ؛ لِأَنَّ النَّاسَ فِيهِ شُرَكَاءُ .
وَمَنْعُ المَاءِ عَنِ الْحَيَوَانِ إِلَى أَنْ يَمُوتَ إِثْمُهُ عَظِيمٌ وَقَدْ دَخَلَتِ النَّارَ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْ عَنْهَا المَاءَ وَالطَّعَامَ حَتَّى مَاتَتْ .
فَكَيْفَ إِذَنْ بِحَبْسِ المَاءِ عَنِ الْإِنْسَانِ ؟
إِنَّ سَقْيَ الْعَطْشَانِ مِنْ خَيْرِ الْأَعْمَالِ ، وَصَدَقَةَ المَاءِ مِنْ أَفْضَلِ الصَّدَقَاتِ كَمَا جَاءَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ :
أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ :
يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَلَمْ تُوصِ أَفَيَنْفَعُهَا أَنْ أَتَصَدَّقَ عَلَيْهَا ؟
قَالَ : نَعَمْ ، وَعَلَيْكَ بِالْمَاءِ .
وَكَانَتْ بِئْرُ رُومَةَ لِيَهُودِيٍّ يَبِيعُ مَاءَهَا لِلْمُسْلِمِينَ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى المُسْلِمِينَ .
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
مَنْ يشْتَرِي رُومَةَ فَيَجْعَلُ دَلْوَهُ فِيهَا كَدِلاءِ الْمُسْلِمِينَ بِخَيْرٍ لَهُ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ .
فَاشْتَرَاهَا عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَوْقَفَهَا عَلَى المُسْلِمِينَ .
وَعَنْ عَمْرَوِ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ :
إِنِّي أَنْزِعُ فِي حَوْضِي حَتَّى إِذَا مَلَأْتُهُ لِأَهْلِي ، وَرَدَ عَلَيَّ الْبَعِيرُ لِغَيْرِي فَسَقَيْتُهُ ، فَهَلْ لِي فِي ذَلِكَ مِنْ أَجْرٍ ؟
فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ حَرَّى أَجْرٌ .
رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ :
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
مَنْ حَفَرَ مَاءً لَمْ يَشْرَبْ مِنْهُ كَبِدٌ حَرَّى مِنْ جِنٍّ وَلَا إِنْسٍ وَلَا طَائِرٍ إِلَّا آجَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ
قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى :
سَقْيُ المَاءِ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ إِلَى اللهِ تَعَالَى .
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ التَّابِعِينَ :
مَنْ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ فَعَلَيْهِ بِسَقْيِ المَاءِ .
وَقَدْ غُفِرَ لِبَغِيٍّ بِكَلْبٍ سَقَتْهُ مَاءً .
كَمَا جاء عن النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي سَقْيِ المَاءِ إِلَّا قَوْلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ :
يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي .
قَالَ : يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ .
قَالَ : اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ
صَدَقَةُ المَاءِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ وَسَقْيُ الْعَطْشَانِ أَبْلَغُ مِنْ بَذْلِ المَالِ سَوَاءً كَانَ الْعَطْشَانُ إِنْسَانًا أَمْ حَيَوانًا أَمْ طَائِرًا .
وَهُوَ عَمَلٌ قَلِيلٌ وَلَكِنَّ نَفْعَهُ كَبِيرٌ وَأَثَرَهُ عَظِيمٌ .
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
إِفْرَاغُكَ مِنْ دَلْوِكَ فِي دَلْوِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ .
فَكَيْفَ بِمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي بَلَدٍ لَيْسَ فِيهَا بِئْرٌ سِوَاهَا فَيَشْرَبُ أَهْلُهَا مِنْهَا وَيْطُبُخُونَ طَعَامَهُمْ بِمَائِهَا وَيَسْقُونَ أَنْعَامَهُمْ مِنْ حِيَاضِهَا .
وَكَيْفَ بِمَنْ أَوْقَفَ بَرَّادَةَ مَاءٍ فِي مَسْجِدٍ أَوْ سُوقٍ أَوْ طَرِيقٍ فَكُلُّ مَنْ مَرَّ بِهَا شَرِبَ مِنْهَا وَيَجْرِي أَجْرُهَا مَا جَرَى مَاؤُهَا وَاسْتَقَى النَّاسُ مِنْهَا .
ولا ننسى البهائم والطيور فَوَضْعُ المِيَاهِ لِلطُّيُورِ وَالْحَيَوَانَاتِ الضَّالَّةِ فِيهِ أَجْرُهُ ؛ لِأَنَّ فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرًا .
وَسُبُلُ بَذْلِ المَاءِ كَثِيرَةٌ وَطُرُقُ السُّقْيَا عَدِيدَةٌ
وَالْحَاجَةُ لِلْمَاءِ مُلِحَّةٌ وَلَا سِيَّمَا فِي هذه الأيام في هذا الْحَرِّ الشَّدِيدِ فِي الْبِلَادِ الْحَارَّةِ .
إضافة تعليق جديد