
بقلم د/سماح عزازي
في يوم الاثنين 13 أكتوبر 2025، اجتمعت أكثر من عشرين دولة ومنظمة دولية في مدينة شرم الشيخ تحت عنوان قمة السلام، برئاسة مشتركة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، سعياً إلى إنهاء الحرب في غزة، ووضع أساس لمسار سلامٍ دائم.
هذه القمة قدَّمت مجموعة من النتائج المُهِمّة، ولكنها أيضًا وضعت رهاناتٍ كبيرة أمام التنفيذ والشرعية. فيما يلي أهم النتائج، التحليل، وما تبقى من أجل أن تتحوّل الكلمات إلى واقع:
أولًا: إنجازات القمة
1. وقف الحرب في غزة
من أبرز ما حقّقته القمة هو الاتفاق على وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وإنهاء ما يُوصف بالحرب، وهو إنجاز ميداني وإنساني هام بعد معاناة استمرت لأشهر.
2. توصية بضمانات دولية
أجمعت الكلمات في القمة على ضرورة وجود ضمانات دولية قوية لمنع العودة إلى الحرب، ولضمان عدم خرق الهدنة، فضلاً عن دعم المسار السياسي الساعي إلى السلام العادل والدائم.
3. التزام بإعادة الإعمار والدعم الإنساني
أشادت الدول المشاركة بالدور الذي قامت به مصر في تنسيق الجهود الإنسانية، وإطلاق مبادرات لإعادة إعمار غزة، إلى جانب دعوات دولية لتقديم الدعم المالي والتنموي اللازم لقطاع غزة والشعب الفلسطيني.
4. تأكيد على حل الدولتين والدولة الفلسطينية المستقلة
أحد النتائج البارزة هو التأكيد المتجدد من الدول المشاركة على أن السلام الحقيقي لا يتحقّق إلا بإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، تكون القدس الشرقية عاصمتها، ضمن إطار حل الدولتين.
5. تقدير للدور المصري والدولي في الوساطة
أثنت القمة على ما قامت به مصر قيادة وشعبًا، من جهود دبلوماسية وإنسانية، إلى جانب تقدير لدور الولايات المتحدة وأطراف مثل قطر وتركيا في جهود الوساطة.
ثانيًا: ما تبقّى من تحديات وما قد يُعيق التنفيذ
1. غياب التمثيل الكامل لجميع الأطراف
رغم التوقيع والإجماع الظاهر، غابت بعض الفصائل الفلسطينية الرئيسة عن المشاركة المباشرة في القمة، ما قد يُضعف شرعية أي اتفاق مستقبلي إن لم تُشرك هذه الأطراف في مراحله التنفيذية.
2. الضمانات التنفيذية والرقابة
الاتفاق على وقف النار وضمانات دولية هو إنجاز، ولكن كيف ستراقَب هذه الضمانات؟ وما هي الآليات التي ستمنع الخروقات؟ هذا الجزء غالبًا ما يكون الأصعب.
3. التمويل وإعادة الإعمار
إعادة إعمار غزة ستحتاج إلى موارد ضخمة، وتنسيق دولي وسياسي كبير. هناك التزام بالكلام، لكن الفعل المادي يتطلب اتفاقات مالية، استثمارات، والتزام من دول مانحة، وهو طريق طويل.
4. الاستدامة السياسية
السلام لا يُبنى بمجرد إنهاء الحرب؛ بل يحتاج إلى خطوات سياسية، ومؤسسات قوية، وضمان حقوق متوازنة، وتوزيع عادل للسلطة، مع ضمان مشاركة الفلسطينيين الفعلية في إدارة دولتهم.
5. الإشراف الدولي والضغوط الخارجية والإقليمية
الدور الدولي مطلوب، لكن يجب أن يكون حياديًا وفعّالًا، مع مقاومة الضغوط التي قد تُحوّل الاتفاق لصيغة مجتزأة أو تفرض شروطًا تُهمّش الحقوق الفلسطينية.
ثالثًا: التحدي المقبل – من القمة إلى الواقع
فورًا، يجب تشكيل لجنة متابعة تنفيذية للقمة، تضم الدول الضامنة، الجهات الفلسطينية كافة، والهيئات الدولية لضمان التزام الأطراف المتعددة بما تم الاتفاق عليه.
بدء عملية إعادة الإعمار تحت إشراف دولي وآليات محاسبة شفافة، لضمان وصول المساعدات إلى الأسر الأكثر تضررًا.
إنشاء آليات مراقبة وقف النار، مع قوات حفظ سلام أو مراقبين مؤهلين محليًا ودوليًا.
فتح قنوات سياسية جدية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، تكون هدافها ضمان حقوق الفلسطينيين، وليس التسويف أو تأجيل القضايا الجوهرية كاللاجئين والقدس.
دعم المؤسسات الفلسطينية داخليًا، وتحقيق الوحدة الوطنية، لتكون طرفًا فاعلًا لا طرفًا متفرجًا.
لحظة فارقة أم صفحة مؤقتة؟
قمة شرم الشيخ للسلام قدمت حججًا قوية للمراهنة عليها: وقف الحرب، تعهدات دولية، تأكيد على الدولة الفلسطينية. إنها لحظة يتردد صداها كفرصة تاريخية لإعادة الأمل في سلام دائم. لكن التاريخ كثيرًا ما حكم بأن القمم دون تنفيذ تبقى مجرد شعارات تُضيع بين ملفات السياسة والدبلوماسية.
نجاح هذه القمة سيُقاس ليس بما كُتب أو وُقّع، بل بما سُيطبّق، وبعدد الأرواح التي ستنقذ، وبالمدن التي ستُبنى من بين الركام، وبالإعادة الحقيقية للكرامة الفلسطينية. إن تحقق هذا – فستكون شرم الشيخ صفحة مضيئة في تاريخ السلام. وإن لم يتحقق – فستكون مجرد ذكرى حاولت، لكنّ الطريق لا يزال طويلاً.
إضافة تعليق جديد