رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الجمعة 14 نوفمبر 2025 4:05 ص توقيت القاهرة

قمة شرم الشيخ للسلام... بين أملٍ يُولد في العاصفة وشكٍّ يتجذّر في الذاكرة

بقلم د/سماح عزازي

شرم الشيخ... حين تنطق الدبلوماسية بلغة البحر
في صباحٍ أشرقت فيه شمس أكتوبر على مياه البحر الأحمر، بدت شرم الشيخ وكأنها تستعدّ لكتابة فصلٍ جديد في كتاب الشرق الأوسط المضطرب. هناك، حيث تلتقي الجغرافيا بالتاريخ، اجتمع قادة من الشرق والغرب في قمة السلام، التي دعا إليها الرئيس عبد الفتاح السيسي بمشاركة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وسط ترقب عالمي مشوب بالحذر والأمل.

تحت شعار “السلام من أجل الإنسانية”، جاءت القمة لتبحث في ما بعد الحرب: في الهدنة، في الإعمار، في الدولة الفلسطينية التي وُعدت كثيرًا ولم تولد بعد.
وكان السؤال الذي تردّد في القاعات الزجاجية المطلة على البحر:
هل ما زال في هذه المنطقة المرهقة مكانٌ للحلم بالسلام؟

قمة تتجاوز الشعارات إلى امتحان المصداقية

الأجندة كانت ثقيلة ومتشعّبة، تضمنت نقاطًا جوهرية تمس جوهر الصراع:

تثبيت وقف إطلاق النار بضمانات دولية.

تبادل الأسرى والرهائن بين الجانبين.

تشكيل سلطة انتقالية لإدارة قطاع غزة من شخصيات مستقلة وتكنوقراطية.

نشر قوة حفظ سلام عربية ودولية تشرف على تنفيذ الاتفاق.

والانطلاق نحو مفاوضات الحل النهائي لتحديد الحدود ومستقبل القدس.

لكنّ السؤال الأعمق ظلّ عالقًا بين السطور:
من سيضمن ألا تتحول القمة إلى مشهدٍ جديد من مسرحية السلام المؤجّل؟

الغياب الذي حمل رسائل أوضح من الحضور
رغم الزخم السياسي والإعلامي، غاب عن القمة طرفا الصراع المباشران: إسرائيل وحماس.
غياب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أُرجع إلى أسباب دينية، لكنه بدا — في قراءة المحللين — انسحابًا مقصودًا من التزامات قد تُفرض لاحقًا.
أما غياب حماس، فكان بمثابة اعتراض صامت على إدارة مصير غزة من دون تمثيلها المباشر.

ذلك الغياب أضفى على القمة بُعدًا رمزيًا معقدًا:
سلامٌ يُصاغ في غياب المتحاربين، وحلولٌ تُناقش بعيدًا عن صوت الشارع الفلسطيني الذي يدفع الثمن الأكبر.

ومع ذلك، فإن مشاركة أكثر من عشرين دولة — من تركيا وقطر إلى فرنسا والإمارات — أكسبت القمة ثقلاً دوليًا غير مسبوق، ورسّخت مكانة شرم الشيخ كعاصمةٍ للوساطة السياسية في المنطقة.

مصر... صوت الحكمة في زمن الصراخ
منذ عقود، حافظت مصر على موقعها كقلب العروبة النابض وركيزة الاتزان في الأزمات.
ومع انعقاد القمة، عادت القاهرة لتؤكد أنها لا تساوم على الحق الفلسطيني، لكنها تدرك في الوقت نفسه أن السلام — وإن كان مؤلمًا — هو الطريق الوحيد لوقف نزيف الدم.

وفي كلمته الافتتاحية، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي على أن السلام لا يُفرَض بالقوة، بل يُبنى بالعدل، وأن القضية الفلسطينية لن تُطوى إلا حين تعود الأرض إلى أصحابها.
بهذه اللغة الواضحة، أراد أن يضع مصر في موقعها الطبيعي: وسيطًا نزيهًا لا تابعًا ولا منحازًا، وفاعلًا لا متفرجًا على مسرح السياسة الدولية.

التحديات والرهانات
لكن الطريق إلى السلام محفوف بالألغام:

ضغوط أمريكية وإسرائيلية تحاول صياغة الحل وفق اعتبارات أمنية بحتة.

انقسامات فلسطينية تجعل من كل اتفاق مؤقتًا هشًّا.

تنافس إقليمي على ورقة “غزة” بين أطراف ترى فيها بوابة نفوذ.

وغياب الثقة المتبادل بين كل اللاعبين على الساحة.

إنها معركة توازنات دقيقة، لا تقل خطورة عن المعارك العسكرية ذاتها، فالفشل في تنفيذ بنود القمة قد يفتح الباب لجولةٍ جديدة من الدم والنار.

هل تكون قمة الفرصة الأخيرة؟
المراقبون يرون أن قمة شرم الشيخ قد تكون الفرصة الأخيرة قبل الانفجار الكامل للمنطقة.
فهي ليست مؤتمرًا بروتوكوليًا، بل اختبارٌ حقيقي لإرادة العالم في تحويل الهدنة إلى سلامٍ مستدام.
نجاحها سيُسجل في التاريخ كبداية مسار جديد يعيد الأمل لشعبٍ أنهكته المآسي،
أما فشلها، فسيعيد المنطقة إلى دائرة الفوضى حيث لا صوت يعلو فوق صوت النار.

حين يتكلم البحر
وفي المساء، حين خيّم الهدوء على شرم الشيخ، بدا البحر كأنه يصغي إلى ما دار بين الجدران،
ثم همس بصوتٍ لا يسمعه إلا من أرهقه الانتظار:

“السلام لا يُوقّع بالحبر، بل يُزرع بالنية.
ومن أراد للسلام أن يعيش، فليزرع في الأرض عدلًا لا احتلالًا، وكرامة لا وصاية.”

قمة شرم الشيخ، بين الأمل والخيبة، تظلّ علامة مضيئة في زمنٍ مظلم.
فربّ قمةٍ تُغيّر وجه التاريخ، إذا خرجت من الكلمات إلى الأفعال.

د/سماح عزازي
كاتبة وباحثة في الشؤون السياسية

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
8 + 9 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.