الحمد لله رب العالمين، لا يسأم من كثرة السؤال والطلب، سبحانه إذا سئل أعطى وأجاب وإذا لم يُسأَل غضب، يعطي الدنيا لمن يحب ومن لا يحب ولا يعطي الدين إلا لمن أحب ورغب، من رضي بالقليل أعطاه الكثير، ومن سخط فالحرمان قد وجب، رزق الأمان لمن لقضائه استكان ومن لم يستكن إنزعج وإضطرب، ومن ركن إلى غيره ذل وهان، ومن إعتز به ظهر وغلب، ومن تبع هواه فرأي شيطان ارتآه ومن تبع هدى الله فإلى الحق وثب، نحمده تبارك وتعالى على كل ما منح أو سلب، ونعوذ بنور وجهه الكريم من العناء والنصب، ونسأله الخلود في دار السلام حيث لا لغو ولا صخب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وإليه المنقلب، هو المالك وهو الملك، يحكم ما يريد فلا تعقيب ولا عجب، قبض قبضتين، فقبضة الجنة لرحمته، وقبضة النار للغضب.
إحتجب عن الخلق بنوره وخفي عليهم بشدة ظهوره، أفلح من إلتزم الأدب، ونخاف الله ونخشاه ونرجوه ونطلب رضاه والعفو منه مرتقب، ونحب الصلاح ونتمناه ونكره الفساد ونتحاشاه، فهل ذاك يكفي لبلوغ الأرب، وتساؤل في نفوسنا تساءلناه، وبأمل في قلوبنا رجوناه، تبارك الذي إذا شاء وهب، وأشهد أن خاتم المرسلين هو محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب، نطق بأفصح الكلام وجاء بأعدل الأحكام وما قرأ ولا كتب، آية الآيات ومعجزة المعجزات، لمن سلم عقله من العطب، وتأمل في حياته وانظر وتمعن بقلبك وتدبر وهاك بعض النسب، الأب يموت ولا يراه والأم تسلمه لغريبة ترعاه، فلا حنان ولا لعب، عم كفله ورباه، وعم هو أسد الله وعم سيصلى نارا ذات لهب، وتمنى الإسلام لمن رعاه وأراد الهدى لمن عاداه، فما أجيب لما تمنى وطلب، وزوجة حنون تكبره بأعوام.
يعيش معها في وئام وسلام وفجأة تغير الحال وإنقلب، رسالة لم تتحملها الجبال، وعشيرة يرى منها الأهوال وتتركه الوليفة إلى بيت في الجنة من قصب، جاءه منها البنات والبنون، فإختطفتهم منه يد المنون، فلا وريث ولا شقيق ولا عصب، هموم وآلام ونفاق من اللئام وليل لا ينام ونهار للجهاد قد إصطحب، ولم ينعم بلذيذ الحياة ولم ينل فيها ما تمناه والموت منه قد اقترب، ووري في التراب وجهه الأنور، وغُطي بالأكفان جبينه الأزهر، بعد شديد مرض وتعب، لم يورث منه مال، بل علم تناقلته الأجيال، ونور في الآفاق قد ضرب، أضاء للمؤمنين طريقهم، أحبهم وحبب إليهم ربهم، فتنوع العطاء والحب السبب، إمام الغر المحجلين وخاتم الأنبياء والمرسلين وجهك بدر وصوتك طرب، سيد كل قبيلة وفريق بالمؤمنين رحيم وشفيق، سيدي وحبيبي، قدوتي وشفيعي.
الشوق مشتعل والدمع للخد خضب، فهل تنعم برؤية وجهك عيناي؟ وتهنأ بلثم قدميك شفتاي؟ فالعمر ولى والزمان قد اغترب، فيا رب يا أكرم مسؤول ويا خير مرتجى ومأمول، صلي على سيد الأعاجم والعرب، وعلى الصحب ومن تبع وكل من إليه إنتسب، وما لاح في الأفق نجم أو غرب، أو ظهر في السماء هلال أو إحتجب، وكلما إنحنى لك في الصلاة ظهر أو إنتصب، أما بعد ذكرت كتب الفقه الإسلامي وجوب التعاون بين المؤمنين على البر والتقوى، ففريضة الله تعالي على المؤمنين في قرية أو في مقهى أو في أي مكان إذا كانوا مجموعة أنه يجب أن يتعاونوا على البر والتقوى، أي على فعل الخيرات وعلى ما تتحقق به تقوى الله من فعل الواجبات وترك المحرمات كالصدقات والمعونات المختلفة كالقرض والسلفة والإحسان والمعروف، إذ كل هذا من البر.
وأما التعاون على التقوى وهو طاعة الله ورسوله في الأمر والنهي، فهو تعاون على إقامة الدين بكامله، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن ترك واجب أو حق من الحقوق وجب على المؤمنين أن يتعاونوا على إقامة الواجب الذي ترك، على إحقاق الحق الذي هدر بينهم لأنهم أمة واحدة ويتحقق هذا عندما تتبين لنا الطريق، وليس هناك أمل لتحقيق هذا إلا بالعودة إلى منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، والطريق إلى هذا ونحن ممزقون ومشتتون ومجهلون وغير ذلك أن أهل القرية الإسلامية في أي إقليم عربا أو عجما يجتمعون بنسائهم وأطفالهم في بيت ربهم كل ليلة طول العام من المغرب إلى العشاء ويتعلمون ليلة آية وأخرى حديثا على نهج كتاب المسجد الذي درسناه سنة وزيادة، وأهل القرية لما يعلمون ويعملون يكملون، ويصبحوا ربانيين.
ويومها لن يوجد بغض ولا عداء ولا كبر ولا حسد ولا ترفع، بل أمرهم واحد، وكلمتهم واحدة، وصندوق برهم في محراب مسجدهم، يجمعون فيه الزائد عن قوتهم، وينمونه في تجارة أو صناعة بينهم، وهم والله كأسرة مؤمنة واحدة، وحينئذ إذا ترك معروف فكلهم يقومون ويقيمونه، وإذا ظهر منكر قاموا كلهم ووضعوه وأسكتوه، وهذا ليس فيه مشقة، فنحن لن ننفق شيئا على هذا الإجتماع، ولن نتعلم ونحن جهال رجالا ونساء، وكبارا وصغارا إلا بهذا الطريق، ولا تقولوا سنتعلم في المدارس، والرسول صلي الله عليه وسلم لم يكن له مدارس، ومع ذلك كانوا يتعلمون بجد وقصد، ويعلمون ويعملون ويعلمون، فعلى أهل الحي في المدينة وإن كانت ذات أحياء فعلى أهل كل حي أن يجتمعوا إجتماع والنساء تكون وراءهم والرجال تكون أمامهم، ويتعلمون ليلة آية وأخرى حديثا، فيحفظون ويفهمون ويطبقون بجد وصدق، وفي أربعين يوما فقط تتجلى أنوار ذلك الإيمان، ويصبحون أهلا لأن يتعاونوا على البر والتقوى.
إضافة تعليق جديد