إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد، ذكرت كتب السيرة النبوية الشريفة الكثير عن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، ومن أمهات المؤمنين هي السيدة حفصة بنت عمر رضي الله عنهما وولدت رضي الله عنها قبل المبعث بخمس سنين وتوفيت سنة خمس وأربعين، وجاء في صحيح البخاري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حين تأيمت السيدة حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شهد بدرا، توفي بالمدينة، قال عمر رضي الله عنه فلقيت عثمان بن عفان، فعرضت عليه حفصة، فقلت إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر.
قال سأنظر في أمري، فلبث ليالي، فقال قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا، قال عمر فلقيت أبا بكر، فقلت إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إلي شيئا، فكنت عليه أوجد مني على عثمان، فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك؟ قلت نعم، قال فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت، إلا أني قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها لقبلتها " وقال الإمام الذهبي رحمه الله " وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم تطليقه ثم راجعها بأمر جبريل عليه السلام له بذلك وقال " إنها صوامة قوامة وهي زوجتك في الجنة " وفي ما ذكرناه دلالة على أنها كانت على قدر كبير.
وجانب عظيم من رفعة مكانتها وجلالة قدرها رضي الله عنها وأرضاها، ومن أمهات المؤمنين هي السيدة زينب بنت خزيمة رضي الله عنها، يقال لها أم المساكين لكثرة إطعامها المساكين وهي من بني عامر بن صعصعة وتوفيت ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي، فيكفيها شرفا وفخرا أنها احدى أمهات المؤمنين اللاتي ضرب عليهن الحجاب والللاتي هن أزواج نبيه في الدنيا والآخرة، وكانت وفاتها سنة أربع للهجرة رضي الله عنها وأرضاها، ومن أمهات المؤمنين هي السيدة أم سلمة رضي الله عنها، وإسمها هند بنت أبي أميمة القرشية المخزومية، وروى الإمام مسلم في صحيحه عن أم سلمة قالت " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم آجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها إلا أخلف الله له خيرا منها "
قالت فلما مات أبو سلمة قلت أي المسلمين خير من أبي سلمة أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إني قلتها فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرسل لي رسول صلى الله عليه وسلم حاطب بن أبي بلتعة يخطبني لرسول الله صلى الله عليه وسلم" ومن مناقبها أنها تشرفت برؤية جبريل حيث رأته عليه السلام في صورة دحية الكلبي، فقد روى الشيخان في صحيحيهما عن أبي عثمان قال " أنبئت أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أم سلمة فجعل يتحدث فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة من هذا ؟ أو كما قال قالت هذا دحية فلما قام قالت والله ما حسبته إلا إياه حتى خطبه النبي صلى الله عليه وسلم يخبر خبر جبريل " وقال الإمام النووي " وفيه منقبة لأم سلمة رضي الله عنها وفيه جواز رؤية البشر الملائكة "
وقال العلامة ابن القيم ومن خصائصها أن جبريل دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهي عنده فرأته في صورة دحية الكلبي " وقد أكرمها الله بالصواب والسداد فيما تشير به ومن ذلك لما أشارت به على النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية حينما أمر الصحابة أن يحلقوا رؤوسهم وينحروا هديهم فتثاقلوا ذلك طمعا منهم في أن يدخلوا مكة ويطوفوا بالبيت، فقد روى البخاري في صحيحه " فلما فرغ من قضية الكتاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه "قوموا فانحروا ثم احلقوا" قال فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة يانبي الله، أتحب ذلك، اخرج لا تكلم أحدا منهم كلمة، حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيلحقك، فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه.
ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتى كاد بعضهم يقتل غما" فهذه الأدلة فيها أنها كانت عظيمة القدر والمكانة وهي آخر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم موتا وقيل ميمونة.
إضافة تعليق جديد