رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الثلاثاء 21 مايو 2024 3:15 ص توقيت القاهرة

التداولية السياسية ( البرلمان ورئيس الحكومة )

بقلم سيد محمد الياسري

في وفق الإجراءات التي يجب ان يتخذها البرلمان ، يثبت للشعب العراقي ان وجه المطالب يجب ان يتوجه للبرلمانيين وليس لرئاسة الجمهورية او رئيس الوزراء ، لان كلاهما توافق سياسي برلماني نتج عنه المنصبين ( رئيس جمهورية ورئيس وزراء ) والورقة الضاغطة يجب ان تكون حول البرلمان لانه دستوريا سيكون المعبر والمؤول والمختار لرئيس الحكومة القادم بغض النظر ان كان دائمي ، من حيث انطلاقة منه للإصلاح ، او مؤقت لحين اعلان انتخابات مبكرة ، الا ان ما اتضح منه ان الكتل السياسية جميعا تعمل وفق :
١ـ نظام: ان الشعب العراقي لايمكنه قلب النظام الحالي .
٢ـ محاصصة : مازال يلعب بها كورقة رابحة ضد الشعب ، ولاسيما استغلال القومية ، والمعتقد ، والايدلوجيات المنبثقة من عالم التمدن .
٣ـ ثقافة : مازالت الكتل السياسية والسياسيون ، في ثقافة معزولة عن ثقافة الشعب ، لذا يضطر للتدوال .
٤ـ موروث : الكتل السياسة ولاسيما الأحزاب الأكثر نفوذا والتيارات ، مازالت بفكر الموروث في النضال السلبي ولم يرتق الى حكم الدولة .
مع ان بداية المظاهرات كانت ضاغطة حول التغيير ، فكان لزاما على الكتل معرفة ما يؤول اليه الوضع من سقوط رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي ، ومن يخلفه ، ظهر جليا بتلك المماطلة المقيتة التي انتجت قصي السهيل ، الوجه البديل لحزب الدعوة ونبع المجيء من التيار الصدري ، والمنبثق من كتلة البناء ، التي كونت الحكومة السابقة ، يظهر ان التداول ليس بالوزراء وحسب كما هي السنوات السابقة والجلية للشعب ، حيث ان في كل دورة بعد اتفاق يقوم التداول من والى نفس الوجوه حيث ان الوجه يتكرر بدورة وزير داخلية وبدورة أخرى وزير مالية وبدورة أخرى وزير نقل او نفط وهكذا وكأنه لايوجد في العراق غير هؤلاء .
من مهام البرلمان ، بل المهمة الأولى له ، هو سحب الخلافات والتوتر والمعارك من الشعب الى داخل قبة البرلمان ، فالسبب بانشائه هو الاتفاق حول مشاكل تقود البلد الى الانهيار بسبب تلك المشاكل : العرقية ، القومية ، الدينية ، الاجتماعية ، السياسية ...الخ التي تحدث في المجتمع ، فكل فصيل يمثل بالبرلمان ويتم الاتفاق على بناء البلد ، لكن البرلمان العراقي الوحيد الذي شذ من هذه القاعدة وعمل بالعكس حيث الخلافات بالبرلمان تنشأ لتكون معارك دامية في الشارع ، أي تخرج المشاكل من قبة البرلمان وتتبلور الى معارك في الشارع ، والتشريع الخاطيء الذي يخصهم يعد السبب الأول في ان الشعب تفكك ، والبلد كل سنة يؤول الى الانحدار اكثر فاكثر.
لقد شرع البرلمانيون ما يفيدهم من القوانين متناسين الشعب ، ولعل هذه اول خيانة قدمها السياسون لمنتخبيهم ، فهم يشرعون ما يخص الامتيازات لهم ، بل وميزوا طبقاتهم المالية مثل الدول الاوربية في زمن الظلام الى طبقات نبلاء يستحوذون فيها على مخصصات والشعب يتحمل كل شيء بما فيه الضرائب التي فوق انتاج النفط والخيرات تذهب الى جيوبهم ، فهم ارستقراطيون بوجه ديمقراطي فدرالي ، مع ان الفدرالية من حيث قانونها لاينطبق على العراق بل ينطبق على الدول الإسلامية اذا ارادت الاتحاد وليس على بلد واحد ، فان تعميق الهوة بين التقسيم الخاطيء للمناطق ( كردي ، سني ، شيعي ) ليس الا لترسيخ الفكرة وافهام العالم بان العراق مقسم وليس واحد لذا كانت تلك الحروب ليس لضعفهم بل نتيجة التفكير وتطبيقة ، ان كانوا على علم او غير علم فهم الشركاء الوحيدون الذين يمكن ان نقول : اتفقوا على تقسيم البلد.
لعل هذا الاتفاق ( تقسيم البلد ) على انه في فكر وايدلوجية السياسين جميعا من دون استثناء ، بات اللعبة التي يستفادون منها كلما فكر الشعب بنقدهم وازاحة احزابهم المتخمة بالفساد ، مع ان الشعب لم يفكر بذلك ، الا ان الضاغطة السياسية جعلت الشعب يفكر ولاسيما الترويج للاقاليم ، وبكل تفكير وبمحاولة ، تكون نقطة تجذب آلية الإيقاع بالجماهير المتظاهرة من حين الى حين ، ودفعهم الى العنف في زمن الحرية وتصوير أفكارهم منبثقة من تصرفات مترسبة في جذور الشعب العراقي نحو انه ارث من جرائم صدام حسين ( مثلا) مع ان بعض المتظاهرين جعلتهم الضاغطة السياسية بالتفكير من هو : صدام حسين ؟ ولو تأملنا ان الأحزاب لاتروم بكتلها وكتشريع قانوني يجرم الترويج للبعث او الانتماء له ، فكانت فقرة قانونية تفيد الأحزاب بعمل مجزرة في أي وقت حين تدفع بالشباب بالهتافات لمجرم على ان الأخطاء سابقة لتلك الهتافات فتولد لنا قانون اجهاض الفكر نحو التغيير وإبقاء لوحة الوجوه نفسها تتردد على رئاسة الوزراء والوزراء والممثلين ، وتحاصص المناصب فيما بينهم .
الشعب المتظاهر – في مجمله - (وعى ) ذلك وحاول في الفترة الأخيرة تصحيح دائرته الثقافية نحو خلع الأحزاب والشخصيات الفاسدة ، الا ان هذا التصحيح لايسمو لمواجهة تلك الحيل المنبثقة من الأحزاب ، ولاسيما : المتظاهرون تجمعهم كلمة ( مظلوم ) وتختلف فيهم كلمة ( مطالب ) ويعسر عليهم القيادة (الفردية) المتخذة باستشارة بقيادة : (الجمع) ، ولهذا ينجح في خلع أي مرشح من قبل الأحزاب ، الا انه يفشل في تثبيت مرشح تابع له ويقوده فكر التظاهر وايدلوجية التغيير التي لم تطرح لحد الان بخطوطها المضيئة الواضحة والمستقيمة ، بل ظل ضوؤها خافت ، ولونها رمادي ، ومازالت متعرجة ، أي انها لم تشكل لنا خطا معارضا سياسيا انبثق من رحم البلد وحمل تصوراتها خارجا من جميع ترسبات الأحزاب السابقة مدعوما من الشعب قوته بقوة الشعب وضعفه ينتج منه ، وقوة الشعب دائما هي التي تنتصر .
سينتصر المتظاهرون باسقاط كثير من الشخصيات الحزبية ، الا انه في النهاية لابد من الرضوخ الى احد الشخصيات كعلامة لحياة جديدة وأمل ، الا انه من الممكن ان ينجح بازاحة تلك الشخصيات – كما اسلفنا – بولادة من رحم معاناته حزبا لم يخرج بايدلوجية الاستبداد والانخراط بافكار الترسبات الاجتماعية التي جاءت من فكر سابق بل من ماذا نريد؟ وكيف نخدم ؟ وكيف نحافظ على الحرية وعدم الضغط على المواطنين وسلب حرياتهم بحجة الثورة او التظاهر التي هي من اكبر نقاط الضعف التي تركز عليها الكتل السياسية ، لان الناس لايمكن ان تصبر على سلب حرياتهم باسم الثورة ، في قطع الشوارع وتعطيل الدوام وغلق مؤسسات التعليم وتصرفات هامشية قد لايراها المتظاهر بان لها أهمية في قلب الشارع ضده كاستخدام الأطفال في التفتيش بدل الشرطة او الجيش وتحمل الامن بدل الحكومة ، كل هذه الأمور تتصيد بها الحكومة ( السلطة ان كانت برلمانية رئاسية حزبية ) وهي كلما تطيل طال الفكر بان الناس لاتتحمل أشياء تقهرهم وتبعدهم عن الحياة المعتادة .
ستبقى التداولية في وجوه الأحزاب قائمة ، بسبب ان الفكر والايدلوجية التي تحملها الأحزاب والذي انبثق منها البرلمان أفكارا وايدلوجيات ترسبية جاءت من النضال السلبي ضد (اعتى) الأنظمة الدكتاتورية ، مما جعلها في موروث كالملك وليس لها تجدد طلائعي من غير فئة اوتحصيل جديد من شباب انتموا ايمانا بها في الوقت الحاضر ، هذا ما يجعل الطريق عسر جدا بين السلطة التي بيد الأحزاب وكهولها وبين الشعب والمتظاهرين ، وكلما ينجح المتظاهرون في باب يبقى مفتاح الباب بيد السلطة وهذا مايدفع البلد الى الانحدار بالتعليم والثقافة والسياسة ، وان لم يتدارك البرلمان ( ممثلا باحزابه ) ورئيس الجمهورية الذي بات عليه احراج الكتل التي تحاول ان تخدع الشعب بانها معه ، باختيار شخصية بعيدة جدا ويترك الطريق بين السلطة والجماهير ـ فان عدم هذا التدراك ـ قد يقود البلد الى نزيف ربما – لاسمح الله – اكبر واوسع نزيف عاشه في تاريخه الحديث ، وفي النهاية حتما ستنتصر الجماهير في حالة ان تصحح اخطاءها التي تتربص السلطة لها وتحاول ان تقع الجماهير فيها .
اذن يمكن لرئيس الجمهورية ان يخلق توازنا ويعيد للبلاد استقرارها ، ويمكن للكتلة الأكبر ان يكون لها دور اكثر من الجميع ، كما يمكن للكتل الباقية ان تدعم رأي رئيس الجمهورية او تطرح رأيا باتخاذ شخصية تنقذ البلد مؤقتا حتى يستبان الخيط الأبيض من الأسود ، فهؤلاء هم أصحاب التداولية وهم أصحاب القوة التي تزيل التداول الى الابد من دون أي نزيف ، اما حين تصر الأحزاب على ان ترشح منها ، ويرضخ رئيس الجمهورية لذلك او يهرب بالتلويح بالاستقالة ، او فعلها واقع ، فهذا تخلي ، او لعب من اجل بقائهم بالسلطة وليس من اجل الشعب وتخلي عن مسؤوليتهم التي تخلوا وتلاعبوا بها طيل هذه الفترة من ٢٠٠٣ الى ٢٠٢٠ ، وكل استقالة تداول وهروب ، لان الأصل الثبات مع الحق لا الهروب منه .
ملاحظة : الصورة لاتعبر عن الشخص بذاته بل تعبر عن التداول ، وهي تشمل جميع الوجوه السياسة المرشحة من رحم الأحزاب المشاركة بالسياسة او لها عضو في البرلمان او سلطة سابقة حسب مطالب الجماهير العراقية .

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.